نشرت مجلة The Economist الأمريكية تقريرًا تحليليًا مطولًا تناولت فيه مهمة حاملة الطائرات الأمريكية USS Harry S. Truman  وذلك بالتزامن مع مغادرتها  البحر الأحمر، ووصولها للمتوسط مشيرة إلى أنها "مثّلت واحدة من أكثر المهام البحرية تعقيدًا وإثارة للجدل في السنوات الأخيرة، بعدما شهدت سلسلة من الحوادث الخطيرة، من بينها فقدان ثلاث مقاتلات من طراز F/A-18، واصطدام مباشر مع سفينة تجارية، وانهيار في نظام الإيقاف الخاص بالطائرات، ما أدى إلى إقالة قائد الحاملة وفتح باب التحقيقات داخل البحرية الأمريكية".

ووفق المجلة، فإن "الحاملة شاركت خلال فترة انتشارها في عمليات قتالية مكثفة، أطلقت خلالها مهمات جوية وحافظت على وجود بحري في منطقة صراع شديدة الحساسية، كجزء من استراتيجية أمريكية لاحتواء التهديدات المتصاعدة في الشرق الأوسط" .

وبحسب المجلة فان المهمة "لم تكن خالية من الانتكاسات. ففي منتصف فبراير، وخلال وجود الحاملة قرب ميناء بورسعيد المصري في البحر المتوسط، اصطدمت بسفينة تجارية كبيرة، ما ألحق بها أضرارًا مادية وأجبرها على الرسو في قاعدة بحرية أمريكية لإجراء إصلاحات. وبسبب الحادث، تمّت إقالة قائد السفينة، في خطوة فُسّرت على أنها تعبير عن مستوى الجدية الذي تتعامل به البحرية الأمريكية مع مثل هذه الإخفاقات، رغم شُحّ المعلومات الرسمية حول ملابسات الاصطدام".

وتضيف : "وفي أبريل، أثناء عودة الحاملة إلى البحر الأحمر، وقع حادث ثانٍ حين انزلقت مقاتلة من طراز F/A-18 ومركبة جر (Tow Tractor) إلى البحر أثناء عملية نقل روتينية داخل حظيرة الطائرات. وأكدت المجلة أن طيارًا نجا بأعجوبة بعدما قفز من قمرة القيادة قبيل سقوط الطائرة بثوانٍ. وتشير المعلومات إلى أن الحاملة كانت تقوم بمناورة تفادي في تلك اللحظة، ما قد يكون ساهم في وقوع الحادث".

وأوضحت أنه "وبعد أقل من أسبوع، سُجّل الحادث الثالث، حين تحطمت مقاتلة أخرى من الطراز نفسه وسقطت في البحر خلال محاولة هبوط على متن السفينة، نتيجة فشل نظام الكابل الخاص بإيقاف الطائرات (arresting cable) في الإمساك بذيل الطائرة. وقد نجا الطياران بعد تنفيذ قذف طارئ، وتم انتشالهما لاحقًا بواسطة مروحية إنقاذ".

وترى المجلة أن "هذه الحوادث مجتمعة أثارت قلقًا كبيرًا بشأن الجاهزية التشغيلية للبحرية الأمريكية، والسلامة في البيئات البحرية القتالية، لا سيما أن كل طائرة من طراز F/A-18 تكلّف عشرات الملايين من الدولارات، فيما تُقدّر قيمة الحاملة USS Truman نفسها بنحو 6 مليارات دولار. وتُعدّ هذه الخسائر من بين الأضخم في مهمة واحدة خلال السنوات الأخيرة".

وتُضيف المجلة أن المهمة وضعت الطاقم تحت ضغط متواصل على مدى شهور، في ظل تصاعد الهجمات اليمنية والتوتر الإقليمي المتزايد. وهو ما يجعل من مراجعة هذه المهمة أمرًا لا مفر منه في أروقة البنتاغون. ومن المتوقع أن تشرع البحرية الأمريكية، بعد عودة الحاملة إلى قاعدتها في نورفولك بولاية فيرجينيا، في إجراء مراجعة شاملة لمسار المهمة، والتحقيق في قرارات القيادة، وسلامة الأنظمة، وتقييم بروتوكولات السلامة المعتمدة.

ولفتت المجلة إلى أن انسحاب "يو أس أس تروما" من المنطقة ترك حاملة الطائرات USS Carl Vinson كالحاملة الوحيدة المتبقية في المياه الإقليمية، وهي مجهّزة بطائرات F-35C الشبحية، الأكثر تطورًا. وهو ما قد يؤثر على سياسات النشر المستقبلي لحاملات الطائرات في المناطق شديدة التوتر، وقد يعيد تشكيل نمط الانتشار العسكري الأمريكي حول العالم.

واختتمت The Economist بالإشارة إلى أن مهمة USS Truman، رغم ما حملته من مظاهر القوة، تحوّلت إلى حدث درامي كاشف للثغرات البنيوية في العمليات البحرية الأمريكية، وأن تداعياتها قد تتجاوز إطار الحاملة لتطال مفاهيم التدريب، والسلامة، والتقنيات المستخدمة في البحرية، وربما تفتح الباب نحو اعتماد متزايد على أنظمة غير مأهولة للحدّ من المخاطر البشرية والمادية في المهام المستقبلية.