موقع أنصار الله . تقرير أحمد داود:
يُثبَّت اليمن معادلة جديدة غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، فهذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها دولة عربية فرض حصار بحري على ميناء حيفا الذي يقع على الساحل الشمالي لفلسطين المحتلة على البحر الأبيض المتوسط.
وباستثناء تهديدات حزب الله اللبناني، لم تتعرض حيفا، وكذلك موانئها، ومنشآتها الاقتصادية والحيوية لأية مخاطر، ولهذا يأتي قرار الحظر اليمني ليضع "إسرائيل" في قلب العاصفة، ويجعلها تعمل ألف حساب للعواقب والتداعيات، لا سيما وأن القرار يأتي في ذروة التخلي الأمريكي عن حكومة نتنياهو المجرم، وفي ظل تصاعد المواقف الأوروبية الساخطة من الكيان بسبب توسيع عملياته في قطاع غزة.
وما يميز قرارات اليمن أنها ليست للاستعراض أو الاستهلاك الإعلامي، فالأفعال تسبق الأقوال، وصرامة الموقف اليمني المساند لغزة بات يعرفها الجميع، بما فيهم الأمريكيون أنفسهم الذين فشلوا عن إيقاف مساندة اليمن لغزة، ولهذا فقد كان حصار ميناء "أم الرشراش" جنوبي فلسطين المحتلة، والذي يطلق عليه العدو تسمية "ميناء ايلات" خير تجربة عملية على نجاح اليمن في فرض الحصار على كيان العدو، فالميناء توقف عن العمل بالكامل، والسفن لم تعد تصل إليه، والخسائر الاقتصادية للعدو لا يمكن حصرها.
وتبرز المخاوف داخل كيان العدو، في تكرار التجربة، فماذا لو تعطل ميناء حيفا عن العمل؟
وللإجابة عن التساؤل، يجب أن نعرج قليلاً لإعطاء لمحة عن حيفا ومينائها الاستراتيجي، فالتجارة البحرية "الإسرائيلية" تعتمد على عدة منافذ بحرية، أهمها ميناء أم الرشراش في جنوب فلسطين المحتلة، وميناء في شمال فلسطين المحتلة، وتمر 98% منها عبر البحر الأبيض المتوسط، أو عبر البحر الأحمر، ولهذا فإن خنق التجارة البحرية للعدو هو خنق كلي لتجارته الخارجية.
ويوصف ميناء حيفا بأنه "بوابة التجارة الإسرائيلية"، حيث تنقل حوالي 99% من جميع البضائع من وإلى كيان العدو داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عن طريق البحر، ويملك ميناء حيفا حصة الأسد منها، ويمتد الميناء على مساحة واسعة تقدر بـ 6.5 كيلومتر مربع، وتضم أرصفة متعددة، محطات للحاويات، ومستودعات كبيرة، ما يجعله أحد المحاور التجارية الرئيسة في "إسرائيل".
ويمكن ابراز أهمية ميناء حيفا في النقاط الآتية:
- الميناء يمر من خلاله نحو ثلث التجارة الخارجية للاحتلال من تصدير واستيراد.
- تنتشر بالقرب من الميناء مواقع إنتاج النفط والغاز القريبة من حيفا وتلك الواقعة شرقي البحر المتوسط، ومنها و.
- توجد في حيفا ثاني أكبر مصفاة لتكرير النفط تقوم عليها صناعات كيميائية ضخمة، ومصانع كبرى متخصصة في إنتاج المواد الكيميائية والنفط، وتنشط بها الكثير من الصناعات وحركة التجارة من خلال شبكة طرق وسكك حديد.
- تعد حيفا مركز نقل حيوي، ما يجعلها مدينة استراتيجية تؤثر على اقتصاد كيان العدو الإسرائيلي بأكمله، كما أن لها ثقلاً تجارياً وسياحياً.
ومن أبرز المنشآت الحساسة والاستراتيجية في ميناء حيفا ما يلي؟
1- مصنع "بازان" (Bazan Group): يعتبر من أكبر المصانع البتروكيماوية في "إسرائيل"، ويقوم بتكرير النفط الخام وإنتاج مجموعة متنوعة من المنتجات البترولية.
2- مصانع الأمونيا: تُعد من المنشآت الخطيرة التي تخزن كميات كبيرة من الأمونيا، وتعتبر هدفاً محتملاً للهجمات، حيث يمكن أن تؤدي ضربة واحدة إلى كارثة بيئية وإنسانية هائلة.
3- رصيف الشحن الكيميائي "هاكيشون": مخصص لنقل الميثانول ومواد بتروكيميائية أخرى، وفيه مستودعات لتخزين الأمونيا والإيثيلين، وغيرها من المواد الكيميائية.
ونظراً لأهمية المنافذ البحرية لكيان العدو في الأراضي الفلسطينية المحتلة، سواء على البحر الأحمر، أو البحر الأبيض المتوسط، فإن إحكام الحصار اليمني ستكون له الكثير من التبعات والمخاطر على اقتصاد العدو، لا سيما وأنه يأتي بعد نجاح تجربتين مهمتين، الأولى حصار ميناء أم الرشراش 100%، والثاني الحصار الجوي على مطار اللد المسمى اسرائيلياً بنسبة تزيد عن 50%.
ولذلك، فإن خروج ميناء حيفا عن الخدمة سيسبب أزمة كبيرة للاحتلال واقتصادها وأسواقها وقطاعها الإنتاجي والتصديري، وحتى في حال لجوء الكيان المؤقت إلى موانئ دولة مجاورة فإن لهذا تكلفته العالية على الاقتصاد والأسواق والمستهلك.
وكما مثلت حيفا نقطة قوية للاحتلال وأسواقه وصناعته، ورئة حيوية لتجارته الخارجية وصادراته طوال السنوات الماضية، فإنها يمكن أن تتحول إلى نقطة ضعف في حال نجاح الحصار اليمني.
ومن أبرز التداعيات للحصار على الميناء، هو أن الكيان يعتمد على أكثر من 35% من حجم الاستيراد والتصدير الإسرائيلي، حيث يأتي البترول، والمواد الخام، والمنتجات الصناعية والحبوب على رأس الواردات، وإذا ما تم تفعيل الحصار، فهذا يعني حدوث أزمة مشتقات نفطية خانقة في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أن الحصار سيهدد إمدادات السلع الأساسية للكيان، ولن يجد أي منفذ آخر لدخول السلع إليه، لا سيما بعد تعطل ميناء أم الرشراش على البحر الأحمر.
ويأتي الحصار اليمني على كيان العدو سواء في البحر أو الجو، ليشكل حالة فريدة في التدخل الإنساني، وهو مشروع وفقاً للقانون الدولي، وهو ينتهي بمجرد توقف العدو الإسرائيلي عن عدوانه على قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع، كما أن تجربة اليمن في حصار الكيان ستؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ الصراع العربي مع العدو الإسرائيلي، وقد أثبت الحصار اليمني القدرة على إيلام العدو، وإلحاق الضرر به، فكيف لو اجتمعت الدول العربية كلها في إسناد غزة ومحاربة الكيان.