قراءة تحليلية لجزء من خطاب السيد القائد

يحيى الشامي

يأتي الخطاب الأخير للسيد القائد عبدالملك الحوثي في سياق بالغ التعقيد والخطورة، بالتزامن مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بوتيرة وحشية غير مسبوقة. يصف الخطابُ الأسبوعَ بأنه كان "داميًا وقاتمًا بالإجرام وبالمجازر الفظيعة، ومن أشد الأسابيع مأساويةً على الشعب الفلسطيني"، هذا الوصف الدقيق من واقع مفعم بالتأثر الإنساني صادق المشاعر، يرسم خلفية عاجلة وكارثية، وبالتالي فهو خطاب، وإن جاء في موقعه الدوري الأسبوعي المواكب، إلا أن إطاره الآني يمثّل استجابة حاسمة لأزمة إنسانية متفاقمة، تتطلب تحركاً جذرياً وموقفاً مغايراً، موقفاً يكسر قواعد التعاطي الرتيبة والتفاعل الملول مع واحدة من أكبر مجازر الصهاينة في تاريخهم الحافل بالدماء والفظائع، أو في سجل العرب الممتلئ بالنكبات والانتكاسات.
يسعى السيد القائد إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية رئيسية لدى شعوب وأنظمة وحكام الأمة العربية والإسلامية يمكن البناء عليها، بل لا مجال إلا للبناء عليها لتقديم الحلول النافعة والناجعة للخروج من حالة التردي والتبلّد وفقدان الشعور بالهوية والوجود المحترم والإحساس بالذات.

أولاً، يهدف إلى توعية الأمة بحجم المأساة وخطورة العدوان، من خلال تقديم تفاصيل دقيقة ومؤثرة عن الجرائم الإسرائيلية والمعاناة الإنسانية. ثانياً، تعمل كلمة السيد القائد على فضح التخاذل والصمت العربي والإسلامي، مسلطة الضوء على التفريط الرسمي والتعامي النخبوي والقصور الشعبي، وصولاً الى انتقاد حاد لأشكال الدعم غير المباشر للعدو. ثالثاً، تسعى الكلمة لإبراز صمود المقاومة الفلسطينية وكشف ضعف العدو، بهدف كسر الصورة النمطية لقوة الكيان الصهيوني، وإلهام الأمة بقدرة المقاومة ومحاججتهم بها. أخيراً، تتجه الدعوة إلى التحرك العملي الشامل (التعبئة، الاستنهاض، التحريض، التبصرة، التوعية، والتفهم)، محفزة الشعوب ونخبها وقادة الرأي فيها والدعاة والمرشدين والخطباء والكتاب والأدباء ومن ثمّ الأنظمة على تجاوز الجمود والبيانات الباهتة إلى الأفعال الملموسة، مع تقديم النموذج اليمني كحجة عملية على إمكانية هذا التحرك الفاعل. 
لتحقيق هذه الأهداف، يستخدم السيدُ القائد في خطابه استراتيجية بلاغية متقدمة، تجمع بين التأثير العاطفي والمنطق العقلي للحث على التعبئة.
يبدأ الخطاب بوصف تفصيلي ومؤثر للفظائع في غزة، مستخدماً عبارات مثل "داميًا"، "قاتمًا"، "مجازر فظيعة"، و"أشد الأسابيع مأساويةً"، ويقدم إحصائيات صادمة مثل استشهاد وجرح أكثر من ثلاثة آلاف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، وهي "أكبر حصيلة منذ نصف عام تقريباً". هذا الاستخدام المكثف للغة العاطفية يعكس حقيقة الوضع الاستثنائي على الصعيد الإنساني المتفاقم في غزة، وهو بنفس القدر يهدف إلى إثارة مشاعر الغضب والألم، ما يخلق دافعاً قوياً للتحرك ومغادرة مربّع الانتظار والمشاهدة. يعقب هذا الوصف العاطفي نقد حاد وواضح "للبيانات الباردة الباهتة" والتقاعس من جانب الأنظمة العربية والإسلامية. هذا التباين الصارخ بين الواقع المأساوي الكبير والاستجابة غير الكافية يخلق تناقضاً منطقياً يدفع المتلقي للتساؤل عن مدى فعالية الموقف الحالي، ثم يقدم الخطاب نموذجاً عملياً للتحرك الفعال، وهو الموقف اليمني، كحل ملموس وممكن، وهنا يصنع السيد القائد الفرق بين خطب جلد الذات وخطابات وضع الحلول ورسم سبلها وأدواتها، بل واستشرف نتائجها المضمونة بناء على وعود إلهية مقدّسة وضمانات قرآنية عالية، يقدّم السيد القائد تجربة مجاهدي القسام في غزة ومسانديهم في اليمن كمصاديق وشواهد تعزز الخطاب الاستنهاضي، وتدفع نحو حل جذري بأعلى مستوى من الجدوائية والنفع الملموس والمشهود له، هذا التسلسل البلاغي، الذي ينتقل من إثارة العاطفة إلى تسليط الضوء على الفشل المنطقي، ثم تقديم بديل عملي، يمثل تقنية استراتيجية متطورة تهدف إلى تحويل الجمهور من حالة الملاحظة السلبية إلى المشاركة الفعالة، عبر مخاطبة العقل والقلب معاً.

وقائع الإجرام الصهيوني في غزة: لوافت إنسانية صادمة

يتناول الخطاب بشكل مفصل وقاسٍ حجم الجرائم التي يرتكبها العدو الإسرائيلي في قطاع غزة، ويعيد تعريفها الأخلاقي والقانوني باعتبارها "إبادة جماعية" بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يصف الخطاب الأسبوع الماضي بأنه كان "داميًا وقاتمًا بالإجرام وبالمجازر الفظيعة"، مشيراً إلى استشهاد وجرح ما يزيد على ثلاثة آلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وهي "أكبر حصيلة منذ نصف عام تقريباً". هذه الأرقام الصادمة هي شهادة على حجم الكارثة الإنسانية التي تتكشف، والتي يسعى العدو -ويبدو أنه نجح نسبياً- في تطبيع الوعي العام الإنساني عليها، وإجبار الجميع على التعوّد عليها وحتى تناولها بطريقة جافة من المشاعر التي قد تؤسس لمواقف، في هذا السياق يقاوم السيد القائد هذه الحالة بإيراد الكثير من التفاصيل الدامية، وحتى الإشارة الواضحة والمتكررة إلى استخدام "القنابل الأمريكية الحارقة" ضد النازحين في خيامهم، ما أدى إلى حرق الأطفال والنساء وكبار السن والصغار في أماكن نزوحهم. هذه التفاصيل المروعة تهدف إلى صدم الجمهور وإخراجه من حالة اللامبالاة التي هي أحد أهداف العدو الصهيوني.


يسهب السيد في تكريم الضحايا وإعادة موضعتهم في الوعي الإنساني، في مقابل تأكيده أن الجرائم تتجاوز الأهداف العسكرية المباشرة إلى سياسة ممنهجة للثأر والانتقام عبر منهجية التجويع والتعطيش، ما يضيف بعداً آخر للإبادة الجماعية، يتحدّث السيد كيف وصلت المجاعة في قطاع غزة إلى "مرحلة غير مسبوقة" و"خطيرة جداً"، حيث باتت معظم العائلات تتناول وجبة واحدة كل يوم ونصف أو يومين، مع انتشار وفيات الأطفال وحالات مرضية خطيرة بسبب سوء التغذية الحاد. ويذكِّر السيد باستهداف العدو لآبار المياه ومنعه من حفر أو إصلاح أي مشروع للمياه، ما يؤكد استخدام "كل وسائل الإبادة" من جميع هذه العناصر الإنسانية ونقيضها. يخلص السيد القائد إلى أن "هذه السياسة، التي تهدف إلى تجويع وتعطيش مليوني إنسان، تُعد "فضيحةً كبرى لما يسمَّى بالمجتمع الدولي والمنظمات الدولية، وللغرب في المقدِّمة، وأيضاً عاراً على العالم الإسلامي"  يقدم النتيجة ويكرّس مفاعيلها المتولدة ذهنياً بالحديث من جديد عن تفاصيل دقيقة مأساوية للناس الذين أنهكهم الجوع والقصف والتشريد؛ بعضهم يسقط على الأرض غير قادر على المشي، تبرز عمق الأزمة الإنسانية وتزيد من حدة الاستنكار الأخلاقي. شريط من الأحداث المأساوية يمرره السيد بطريقة بديعة تصدم مشاعر الجمود وتخلق إحساساً قاهرا بضرورة عمل شيء.. أي شيء، المهم أن لا يكتفي المتلقي بالمشاهدة.


تكتسب هذه الأوصاف التي يوردها السيد القائد مصداقية إضافية من خلال إيراده اعترافات صريحة ترِد من داخل أروقة الكيان الصهيوني وبعض حلفائه الدوليين، بعضها ترقى لأدلة تعزز اتهامات الصهاينة بارتكاب جرائم حرب في المحاكم الدولية. ينقل السيد القائد عن إيهود أولمرت، من يُسمى رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، قوله: "". كما يذكر تصريحات يائير غولان، أحد الصهاينة، الذي اعترف بـ"جرائم الحرب ضد المدنيين، وقتل الأطفال في غزَّة لممارسة هواية". حتى رئيس الوزراء البريطاني اعترف بـ"قصف الأطفال الأبرياء" في غزة، يقول السيد: هذه الاعترافات من داخل صفوف العدو أو حلفائه الرئيسيين تمنح مصداقية لا يمكن إنكارها للمزاعم حول حجم الإجرام، ما يجعل من الصعب على الجمهور، وخاصة أصحاب القرار، تجاهل هذه الفظائع أو وصفها بالدعاية، هذا يعزز الحجة الأخلاقية لضرورة التدخل، كما يكشف عن عمق المأساة غير المسبوقة.


تتضح استراتيجية العدو في غزة بأنها تهدف إلى تجريد السكان من إنسانيتهم، وفرض العقاب الجماعي، فالاستهداف الممنهج للمنازل المأهولة، وإبادة العائلات بأكملها، وتدمير مراكز الإيواء والمستشفيات، وحتى طواقم الإسعاف، يتجاوز الأهداف العسكرية التقليدية التي تركز على المقاتلين والبنية التحتية العسكرية. وبوضوح يشير السيد إلى أن استخدام القنابل الحارقة ضد النازحين في خيامهم، وسياسة التجويع والتعطيش المتعمدة عبر استهداف مصادر المياه وتقييد المساعدات، ومحاولة منع إنقاذ المصابين، كلها تقع في قلب استراتيجية تهدف إلى جعل الحياة مستحيلة على السكان المدنيين بأكملهم، كما أن الهدف الأوسع من وراء هذه الأفعال -وفق سردية الخطاب- يبدو هو كسر إرادة الشعب، أو إجباره على النزوح الجماعي، أو في نهاية المطاف، القضاء عليه. هذا ليس مجرد ضرر جانبي أو عواقب مؤسفة للحرب؛ بل هو استراتيجية محسوبة ومتعمدة لإلحاق أقصى قدر من المعاناة بالمدنيين. هذا يرفع الصراع من مجرد مواجهة عسكرية إلى جريمة ضد الإنسانية، وربما إبادة جماعية، ما يضع عبئاً أخلاقياً وقانونياً أثقل على أولئك الذين يلتزمون الصمت أو يتواطؤون. هذا يشير إلى أن الضعف العسكري للعدو (كما سيتم مناقشته لاحقاً) يتم تعويضه باستراتيجية وحشية ضد المدنيين، ما يدل على هدف أعمق وأكثر شراً من مجرد "القضاء على حماس". هذا الفهم ضروري للجمهور لإدراك خطورة الوضع وضرورة الاستجابة القوية.

 


الموقف الرسمي العربي والإسلامي: مكاشفة صريحة ونصح صادق

يوجه الخطاب مكاشفةً صريحة وصادقة وناصحة في إطار نقده للموقف الرسمي العربي والإسلامي، الذي يصفه بالصمت والتخاذل المخزي، معتبراً أن أخطر نتاجاته تتمثل في إسهامه غير المباشر في استمرار العدوان وتشجيعه. يستنكر السيد أن الأمة الإسلامية، "بعددها الكبير، وإمكاناتها الهائلة، بجيوشها الكثيرة، الجيوش بالملايين، وقدراتها العسكرية، والاقتصادية... وغير ذلك، ثم لا تتحرك" في وجه تصعيد العدو لجرائمه وإبادته الجماعية، هذا التناقض بين القدرات الهائلة والتقاعس التام يمثل جوهر النقد المرتفع في لغة الخطاب والمتكرّر في غير موضع منه، باعتباره من تجليات الموقف الجامد والمتخاذل، بل والمنحاز للعدو.
يُبرز الخطاب أن "السقف الرسمي لمعظم الأنظمة في العالم الإسلامي" لا يتجاوز في أفضل الأحوال "إصدار بيانات ليس وراءها أي تحرُّك عملي"، هذه البيانات توصف بأنها "عبارات باردة، باهتة، تناشد الآخرين، وتطالب الآخرين ليفعلوا شيئاً للشعب الفلسطيني، وكأننا أُمَّة بدون مسؤولية". التصوير للموقف الرسمي بأنه مجرد كلمات جوفاء، يفتقر إلى أي التزام عملي أو شعور بالمسؤولية الدينية أو الإنسانية أو الأخلاقية، يهدف إلى فضح الخلل العميق الضارب في هوية الأمة وعمقها الفكري والثقافي.
يزداد هذا النقد حدة عندما ينقل السيد في خطابه تعليقاً صادماً لأحد "الصهاينة المجرمين" الذي قال: "". يصف القائد هذا التعليق بأنه "يكشف واقع الحال لدى أُمَّة الملياري مسلم، تجاه أبشع الجرائم والفظائع"، و"إعلانٌ عن ما هو مُخزٍ لهذه الأُمَّة"، هذا التبجح الصهيوني بالتخاذل العربي والإسلامي يمثل إدانة قاسية، حيث يرى العدو أن صمت الأمة وتخاذلها يمنحه الضوء الأخضر ويشجّعه لارتكاب المزيد من الجرائم دون خشية من رد فعل، وهو ما أشار إليه السيد في أغلب خطاباته السابقة حين وضع الصمت في خانة تشجيع العدو وتحفيزه لمواصلة الجرائم، ويُثبت مصداقية تحذيرات السيد بخطورة نجاح العدو في تكريس معادلة الاستباحة وفصل غزة عن محيطها العربي والإسلامي.


يتجاوز الخطاب مجرد نقد الصمت إلى الإشارة إلى أشكال من الدعم غير المباشر المقدمة للعدو، ما يضيف بُعداً آخر من الإدانة، يذكر الخطاب أن "المخازن الأمريكية التي توفِّر له الكمية الهائلة من القذائف والقنابل، ويتساءل عن مصدر تمويلها: يأتي التمويل لها من أين؟ ثم يجيب: من الأموال العربية، من التريليونات العربية". هذه اللفتة الصريحة تأتي بعد جولة ترامب للخليج وجنيه أكبر صفقة في تاريخ أمريكا، وهي ربط بموقف السيد في خطاب الأسبوع السابق حين أكد أن العدو الإسرائيلي شريك بالمال الأمريكي المحصود من أموال العرب ونفطهم، يستدعي السيدُ المفترضَ ليقارنه بالواقع المُخزي: الأموال العربية، التي يفترض أن تخدم مصالح الأمة، تحوّل لتمويل آلة الحرب الإسرائيلية!!
وضرباً على المصارحة الناصحة يشير السيد القائد إلى ما كشف عنه في خطاب سابق: "هناك دولة إسلامية ودولة عربية.. أكثر السفن التي تزود العدو الإسرائيلي والصهاينة بالمواد الغذائية والبضائع هي تابعة لتلك الدولتين، هذا مستمر، مستمرٌ عبر البحر الأبيض المتوسط". هذا الدعم اللوجستي للعدو، الذي يصفه الخطاب بأنه "مؤسفٌ جداً، الوزر كبير"، يُعد "مشاركة مع العدو الإسرائيلي" ودعماً له في ارتكاب أفظع الجرائم. كما يستنكر السيد بأسف "اشتراك المغرب في تدريبات جوية في الطيران الجوي، وبلدان عربية أخرى أيضاً، مع العدو الإسرائيلي"، واصفاً هذا التطبيع بـ"الخيانة لهذه الأمة"،  هذه الأمثلة تكشف -كما عوّدنا السيد في كل خطاب- عن مستوى أعمق من التواطؤ، يتجاوز السلبية في الموقف الخاذل لفلسطين إلى الدعم الفعلي، وإن كان غير مباشر، للعدو.
يؤكد الخطاب أن هذه الحالة من "التفريط العظيم في المسؤولية الكبرى" لها عواقب وخيمة، ليست فقط في الدنيا بل في الآخرة أيضاً، لأنها "مسؤولية أمام الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"". يربط الخطاب هذا التخاذل بـ"نقص كبير في الوعي"، و"تراجع كبير جداً في القيم والأخلاق"، و"نقص حاد في الإيمان بكل ما تعنيه الكلمة"، ويعتبر هذا التدهور نتاجاً لـعدة عوامل يسردها السيد بالترتيب من قبيل التذكير بقوله: هذه الحالة من التخاذل الرهيب تجاه هذه المظلومية الرهيبة:
-    هو نقصٌ كبيرٌ في الوعي. 
-    هو تراجعٌ كبيرٌ جداً في القيم والأخلاق.
-    هو نقصٌ حادٌ في الإيمان بكل ما تعنيه الكلمة. 
-    هو من مفاعيل الحرب الناعمة، المفسدة، المضلة، التي أثَّرت على هذه الأمة، أثَّرت عليها في أخلاقها، في قيمها، في إنسانيتها.
ويدعو لأن يكون هناك نشاط كبير على المستوى التثقيفي، والتوجيهي، وفي الخطاب الديني، وفي دور المساجد، ومنابر المساجد، وفي النشاط الإعلامي بشكلٍ واسع.
يشير السيد في تحليله هذا إلى أن المشكلة تتجاوز مظاهر الفشل السياسي، إلى حقيقة أنها تراجع أخلاقي وخلل منهجي، ولا يجد السيد حرجاً من تكرار الدعوة إلى تبنّي الحلول القرآنية التي تتواءم مع متطلبات الفطرة الإنسانية وتحقق فعلياً الشعارات الإنسانية.

 


سمو المقاومة الفلسطينية وسقوط العدو الصهيوني

يقدم السيد تحليلاً مغايراً للصورة النمطية لجيش العدو الإسرائيلي، كاشفاً عن ضعفه العسكري الجوهري، واعتماده على الإجرام لتعويض إخفاقاته في الميدان: "يعوض الهزائم بالجرائم" يؤكد أن العدو الإسرائيلي، على الرغم من حشده "حشداً كبيراً وهائلاً من فرقه العسكرية، واستدعى جنود الاحتياط، ويحشدهم بالعدد الكبير من الآليات العسكرية، وبالغطاء الناري الكثيف جداً"، إلا أنه "ضعيفٌ في موقفه العسكري" هذا التناقض يوضح أن القوة العسكرية الظاهرية لا تعكس -بالضرورة- الفاعلية القتالية.
ويشير الخطاب إلى أن العدو "يُعَوِّض الهزائم بالجرائم، بالإبادة الجماعية، بالقتل للأطفال والنساء، بالاستهداف للأهالي العُزَّل من السلاح"، مجدداً تأكيد الحقيقة التي تكاد تضيع في السردية الإعلامية للغرب، وهي أن الفظائع المرتكبة على أيدي الصهاينة ضد أبناء غزة هي استراتيجية متعمدة لتحقيق أهداف لا يمكن للعدو تحقيقها بالوسائل العسكرية التقليدية، ما يدل على إفلاس عسكري وأخلاقي. ومن هذه الحقائق المدموغة بالدم يصف السيد القائد جيشَ العدو الإسرائيلي بأنه "أجبن جيش في العالم"، مستدلّاً بأساليبهم الإجرامية المدفوعة بالخوف والجُبن، حيث يعتمد على "التجريف الكامل لما قبلهم" قبل التقدم، وأن جنوده "لا يتقدمون إلا في الحالة التي قد وصلوا فيها إلى اطمئنانٍ تام أنه ليس هناك أحدٌ قبلهم"، وعندما يُفاجأون بـ"خروج الإخوة المجاهدين من الأنفاق، أو من تحت الأنقاض، لمواجهتهم، سرعان ما ينهزمون". هذا التصوير الميداني الدقيق ينزعُ فعلياً هالة القوة عن جيش العدو، ويعزّز إلى أقصى حد ثقة الأمة بقدرة المقاومة الفلسطينية وجدارتها بالدعم والاسناد، حيث يبرز الخطاب "الفاعلية العالية لأداء إخوتنا المجاهدين في قطاع غزَّة"، مشيداً بصمودهم وثباتهم ومرونتهم، على الرغم من "إمكاناتهم المادية المحدودة جداً جداً" في مواجهة "الترسانة العسكرية الهائلة" للعدو. ينجح السيد في تثمين صمود وبسالة المقاومة حين يُقدّمها بحق كنموذج ملهم لأبناء الأمة الإسلامية ولكل أحرار العالم.


يعزز السيد القائد هذه النتيجة بسيل من تصريحات قادة العدو حول ضعف جيشهم وفشله وسقوطه الأخلاقي، ولا يغفل السيد عن الكشف عن واقع الضعف غير المسبوق الذي بلغه جيش العدو؛ ولعل الأبرز هو اعتراف ضابط إسرائيلي بالخشية من "التدقيق في حالة المصابين بأمراض نفسية؛ كي لا يبقى الجيش دون جنود"، هذه التصريحات، التي تأتي من داخل صفوف العدو، تقدم دليلاً لا يقبل الجدل على الفشل الاستراتيجي، والصراعات الداخلية، والتدهور المعنوي في صفوفهم، وهنا ينجح الخطاب في رسم صورة ذهنية ملفتة ترفع من قدر وقدرة المقاومة رغم خذلانها وقلة إمكانياتها، وتحط من فاعلية القدرة بيد جيش لا يستند الى قوة الحق.
يكشف هذا التحليل عن انقلاب استراتيجي في موازين القوى العسكرية. فالخطاب يقدم تناقضاً صارخاً: كيان العدو الإسرائيلي، الذي يمتلك "قوة عسكرية هائلة" و"مئات الآلاف من الجنود" ، تُوصف بأنها "ضعيفة في موقفها العسكري" و"أجبن جيش في العالم".  معنى أن القوة العسكرية التقليدية، لا تترجم إلى قوة قتالية فعالة أو نجاح استراتيجي.
إن اعتراف ضابط إسرائيلي بالخشية من "التدقيق في حالة المصابين بأمراض نفسية؛ كي لا يبقى الجيش دون جنود" يسلط الضوء على الثمن النفسي الباهظ الذي يدفعه الجيش الإسرائيلي. هذا الضعف النفسي للعدو، إلى جانب "الثبات العالي" و"المرونة العالية" للمقاومين، يخلق ديناميكية قوة معكوسة، حيث تصبح المرونة الأخلاقية والنفسية أكثر فاعلية من التفوق المادي، ما يُشير إلى أن القوة الحقيقية في هذا الصراع لا تُعرف فقط بالعتاد العسكري والتفوق العددي، بل بالصلابة الأخلاقية، والقوة الإيمانية، والمرونة النفسية، وهو ما يعزز الرؤية القرآنية التي يدعو إليها السيد، وبما يخلق الأمل ويرفع سقف التفاؤل للأمة، أنه حتى بدون تكافؤ عسكري تقليدي، يمكن للمقاومة القائمة على المبادئ والإيمان أن تحقق مكاسب استراتيجية كبيرة، وتكشف هشاشة العدو المتأصلة. وهذا يعيد تأطير الصراع من كونه صراعاً مادياً بحتاً إلى صراع إيماني وأخلاقي، بين المشروع القرآني من حيث هو مشروع إلهي جدير بالنصر ومكين بالحق، وبين المشروع الصهيوني من حيث هو مخطط شيطاني ضعيف بالأصل ويقوى على هامش ضعف أهل الحق.