تُظهر التطورات الأخيرة، وعلى رأسها العمليات العسكرية النوعية ضد مطار اللّد " بن غوريون" واستمرار شركات الطيران في تعليق رحلاتها إلى المطار بالإضافة لتصريحات الرئيس مهدي المشاط وتحذيراته للشركات الدولية العاملة في الكيان الصهيوني، هذا التصعيد اليمني أثار حالة من الذعر والإرباك غير المسبوق في الأوساط الصهيونية، وهو ما يؤكد المأزق الذي يعيشه الكيان الصهيوني في ظل تزايد فاعلية الموقف اليمني في دعم القضية الفلسطينية.

بعد أن كانت وزارة الدفاع اليمنية قد طلبت من الشركات العاملة في الكيان الإسرائيلي سرعة المغادرة لتجنب مخاطر التصعيد القادم، وأنها تمتلك صواريخ ذات رؤوس متعددة تتجاوز المنظومات الدفاعية.

عزز الرئيس المشاط من تصريح وزارة الدفاع، وزف البشرى للشعب اليمني بأن هناك أخبارا سارة فيما يتعلق بالقدرة على تهديد طائرات إف 18 فخر السلاح الصهيوني، وبالشكل الذي يجعل فخر طائرات العدو مصدرًا للسخرية.

 كما حذر الرئيس، الشركات المستثمرة في الكيان الصهيوني بأن عليها المغادرة فالبيئة غير آمنة ووجه الرئيس الجهات المعنية لتحديد فترة زمنية لهذه الشركات للمغادرة حرصاً على اقتصار الضرر على "حكومة" الكيان الصهيوني ما أمكن، ومنعه من جر الآخرين معه في هذا الضرر".

الرئيس المشاط، أشار إلى أن الأضرار قد تطال النشاط الاستثماري لهذه الشركات داخل الكيان الصهيوني وخارجه إذا ما شرعت قواتنا المسلحة في تنفيذ هذه المرحلة من التصعيد.

اليمن تهديد حقيقي

لاقت تصريحات الرئيس المشاط صدى كبيراً، خاصة وأن اليمن أثبت أنه إذا قال فعل. وقد أثبتت القوات المسلحة قدرتها على تنفيذ تهديداتها.

في هذا الجانب قالت هيئة البث الإسرائيلية (قناة كان) إن “الحوثيين يهدفون لتكثيف الضغط على إسرائيل اقتصادياً”، خاصة بعد التهديدات الأخيرة التي وجهها رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء، مهدي المشاط، للشركات الأجنبية قائلاً إنها قد تدفع بالمستثمرين إلى تجنب "إسرائيل".

وفي تقرير مصور للقناة ” الأسبوع الماضي، قالت  إنه“حتى في حال اعتراض الصواريخ التي يطلقها الحوثيون فإن الأضرار الاقتصادية هائلة”. وقال مراسل القناة روعي كايس: “نحن نشهد حقاً هروب الشركات الأجنبية بسبب محاولات الحوثيين المتواصلة لإلحاق الضرر بإسرائيل، وفي الأيام الأخيرة يبدو أنهم يحاولون رفع مستوى الأضرار الاقتصادية”.

وبالإضافة إلى ذلك، نشر موقع (إميس) العبري تقريراً تناول فيه التحذيرات التي وجهها المشاط للشركات الأجنبية قائلاً إن هذه التحذيرات “تهدف للإضرار بالاستثمارات في البلاد”.

وأضاف أن هذه التحذيرات “تثير مخاوف من أن "يلجأ الحوثيون إلى شن هجمات إلكترونية، أو إلحاق الضرر بطرق التجارة، أو شن هجمات مادية على مناطق عمل الشركات المرتبطة بإسرائيل”.

ونشر موقع “كيبا” العبري، الثلاثاء، تقريراً، جاء فيه أنه “بعد شهر من سقوط صاروخ الحوثيين قرب مطار بن غوريون، لم تعد العديد من شركات الطيران الدولية إلى "إسرائيل"، وتستمر هذه الشركات في تأجيل مواعيد عودتها لأسابيع متوالية”. وأضاف: “مطار بن غوريون خالٍ، وأسعار تذاكر الطيران على الخطوط الجوية الإسرائيلية ترتفع بشكل كبير، ويبقى سؤال واحد: متى سيتغير الوضع؟”.

صيف ساخن

وكما توعد الرئيس المشاط بأن هذا الصيف سيكون ساخنا على المغتصبين الصهاينة، فقد أكدت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في عددها الصادر اليوم السبت، إن العمليات العسكرية اليمنية رفعت أسعار تذاكر الطيران، ما أجبر المغتصبين على تعديل خططهم الصيفية وفقاً للقدرات المتاحة والمحدودة.

وأوضحت الصحيفة العبرية أن الصهاينة لم يتمكنوا من السفر لقضاء عطلة الصيف، بسبب غلاء أسعار السفر من جهة، وعزوف شركات النقل الجوي الأوروبية والأمريكية عن مطار اللد المسمى إسرائيلياً "بن غوريون" من جهة أخرى، حيث إن الشركات العالمية التي تتعامل مع مطارات دول أوروبا وآسيا غير قادرة على تسيير الرحلات من مطارات الاحتلال، لنقل الراغبين في السفر في فصل الصيف إلى مختلف المدن والعواصم ذات الإقبال السياحي.

على ذات الصعيد ذكرت صحيفة "ذي ماركر" الصهيونية ، أن إيرادات ميناء أم الرشراش "إيلات" تراجعت بنسبة 80% عام 2024، بعدما توقّفت السفن عن الرسو فيه، وذلك بسبب الحصار المفروض من قبل القوات اليمنية على الملاحة البحرية في البحر الأحمر، دعماً وإسناداً لقطاع غزة ومقاومتها الباسلة.

وبحسب صحيفة "ذي ماركر" الصهيونية، فإن "حكومة" العدو ستصوت، يوم غدا الأحد، على مشروع قرار التعويضات المشروطة بدفع دَيْن 3.2 ملايين شيكل، تراكمت على أصحاب المرفأ.

ويظهر مشروع القرار عمق الضرر في الميناء بسبب الحصار الذي تفرضه القوات المسلحة اليمنية، الذي منع سفناً من الإبحار عبر البحر الأحمر، فقامت بدلاً من ذلك بالالتفاف حول القارة الأفريقية للوصول إلى مينائي أسدود وحيفا الذي يطلان على البحر الأبيض المتوسط.

أضرار اقتصادية ومعنوية

في ذات السياق قالت صحيفة “هآرتس” العبرية إن الغارات الإسرائيلية على اليمن لا تردع الجيش اليمني عن مواصلة عملياته المساندة لغزة، مشيرة إلى أن الهجمات اليمنية تسبب أضراراً اقتصادية ومعنوية جسيمة لـ"إسرائيل"، وأن وقف إطلاق النار في غزة هول الحل الأسهل لوقف هذه الهجمات.

ونشرت الصحيفة، الأربعاء، تقريراً جاء فيه إن “الصواريخ التي اخترقت الأجواء الإسرائيلية تسببت في أضرار جسيمة، سواء على المستوى الاقتصادي، مثل الصاروخ الذي أصاب طريق الوصول في مطار "بن غوريون" وأدى إلى تعليق رحلات معظم الشركات الدولية، أو على مستوى الروح المعنوية الوطنية التي تضررت عندما اضطر ملايين الإسرائيليين مراراً وتكراراً للهروب إلى الملاجئ والمناطق المحمية”.

من جهته قال رئيس قسم التصدير في "وزارة الدفاع" الإسرائيلية، العميد احتياط يائير كولز، إن الحصار البحري والجوي الذي تفرضه القوات المسلحة اليمنية  على "إسرائيل" يشكل تحدياً لسلسلة توريد الصناعات الدفاعية الإسرائيلية.

وفي تصريحات نقلتها صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية العبرية، الأربعاء، قال كولز إن: “الصناعات الإسرائيلية تواجه صعوبات في سلاسل التوريد، والتي تعود إلى عدة أمور من بينها تهديد الحوثيين في اليمن لطرق الشحن، وإطلاق الصواريخ على مطار "بن غوريون"، بطريقة تعطل الرحلات الجوية من وإلى إسرائيل”.

وأوضح أنه بسبب ذلك “من الصعوبة تحديد ما إذا كانت وزارة الدفاع ستسجل رقماً قياسياً آخر في الصادرات الدفاعية العام المقبل”. وأضاف أيضاً أن “الصور المروعة من غزة تشكل تحدياً كبيراً لإسرائيل وتزيد من صعوبة الحوار الذي تجريه وزارة الدفاع مع نظرائها في جميع أنحاء العالم”.

في ذات السياق نقلت وكالة "رويترز" عن مدير وكالة ستاندرد اند بورز جلوبال للتصنيف الائتماني أنه يستبعد رفع التصنيف الائتماني لـ "إسرائيل"، موضحا أن الصراع يؤثر على اقتصاد "إسرائيل" ووضعها المالي واتساع نطاق الصراع من شأنه أن يؤدي إلى خفض التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل.

كما أكد إعلام العدو رفع الأسعار الواسع لشركة "أسّام – نستله" دخل حيّز التنفيذ يوم الخميس ويشمل عشرات المنتجات من علاماتها التجارية، مضيفا أن نسبة ارتفاع الأسعار في بعض المنتجات تصل لـ 9% بسبب استمرار الارتفاعات الكبيرة في أسعار المواد الخام وتكاليف الإنتاج.

شركات الطيران تمتثل للقرار اليمني

يؤكد تجدد موجة تمديد إلغاء رحلات الشركات الأجنبية من وإلى الكيان الإسرائيلي، فشل "حكومة" العدو الإسرائيلي في إقناع هذه الشركات بالبقاء في ظل الهجمات المستمرة التي تشنها القوات المسلحة اليمنية على الكيان الصهيوني وعلى مطار “بن غوريون” تحديداً، والتي تترافق مع تحذيرات متزايدة من مخاطر التصعيد القادم.

وبعد أن أعلنت مجموعة “لوفتهانزا” (التي تضم الخطوط الجوية السويسرية والنمساوية وطيران بروكسل، وشركة يورو وينغز) تمديد إلغاء رحلاتها من وإلى "إسرائيل" حتى 22 يونيو الجاري بسبب استمرار التهديدات الأمنية، ذكر موقع “باسبورت نيوز” العبري، أن شركة (إيتا) الإيطالية التي تعود 41% من أسهمها لمجموعة “لوفتهانزا” أعلنت تمديد إلغاء رحلاتها إلى التاريخ نفسه.

ونشر موقع “تي في 2000” العبري تقريراً، جاء فيه أن خطوة مجموعة (لوفتهانزا) “تعزز الاتجاه المقلق لشركات الطيران الأجنبية التي تبتعد عن السوق الإسرائيلية، حتى مع وجود محاولات لتهدئة الوضع واستعادة الثقة”. وأضاف الموقع أن المجموعة “تعد لاعباً رئيسياً في سوق الطيران الأوروبي، وتُعدّ قراراتها مؤشراً هاماً للشركات الأخرى”.

وكشف الموقع أن قرار المجموعة جاء بعد محاولة من سلطة الطيران المدني الإسرائيلية لـ”تهدئة المخاوف الأمنية من خلال تنظيم جولات خاصة داخل مطار بن غوريون”.

وأوضح أن “ممثلي الخطوط السويسرية، التابعة لمجموعة (لوفتهانزا)، قاموا بجولة في المطار، واطلعوا على أنظمة الدفاع التي تم تركيبها مؤخراً فيه، ولكن لم يكن هذا العرض كافياً”. وأضاف أنه بسبب ذلك “تتزايد الأصوات في قطاع الطيران محذرة من استمرار تضرر مكانة "إسرائيل" كوجهة رئيسية للرحلات الدولية”.

ونقل الموقع عن مسؤول كبير في قطاع الطيران قوله إن: “الخوف من التصعيد الأمني وارتفاع تكاليف التأمين هما السببان الرئيسيان لإلغاء الرحلات”.

كما شهدت الأيام والأسابيع الماضية إلغاء وتأجيلاً واسعاً لرحلات كبرى شركات الطيران الدولية من وإلى الكيان الصهيوني. فقد مددت الخطوط الجوية الإيطالية قرار التعليق. وتبعها عدد كبير من الشركات مثل "يونايتد إيرلاينز" الأمريكية التي مددت تعليق رحلاتها، و"إيبيريا إكسبريس" الإسبانية، و"إير إنديا" الهندية، و"إيزي جيت" البريطانية.

الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للكيان هو تأجيل "رايان إير" الآيرلندية و"الخطوط الجوية البريطانية" عودتهما حتى 31 يوليو/تموز، ومددت "طيران سيشل" تعليق رحلاتها حتى نهاية الشهر ذاته، بينما أرجأت "طيران كندا" استئناف رحلاتها حتى سبتمبر/أيلول 2025.

بل إن "طيران الإمارات" ألغت رحلاتها حتى صيف عام 2026، وألغت الخطوط الجوية الأمريكية و"كاثاي باسيفيك" رحلاتهما بدون تحديد تاريخ العودة، وهو ما يؤشر إلى أن هذه الشركات قد لا تعود إطلاقاً، خشية تكبد خسائر فادحة. هذه التطورات تعكس إدراكاً عميقاً لمخاطر البقاء في ظل التصعيد اليمني المتواصل.

وكشفت صحيفة "غلوبس" العبرية عن تراجع حاد في أداء قطاع السياحة الإسرائيلي، مع انخفاض بنسبة 29.5% في عدد المعاملات المالية مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024. وقد سجل "مؤشر فينيكس جاما" انخفاضاً بنسبة 10% في حجم التسوق المتعلق بصناعة السياحة في أسبوع واحد، مما اعتبر "توقفاً حاداً في الطلب". هذا الانهيار لم يقتصر على السياحة بل امتد ليشمل قطاعات استهلاكية رئيسية أخرى مثل مبيعات الحواسيب والهواتف (12% انخفاض)، والسلع الكهربائية (11% انخفاض). ويعكس هذا المشهد أزمة مزدوجة: عجز حكومة الاحتلال عن طمأنة الشركاء الدوليين، وتحول في وعي المستهلك الإسرائيلي تجاه المخاطر، مما يعني أن الكيان بات يواجه عزلة جوية واقتصادية لا تقل تأثيراً عن ميادين القتال.

المصداقية في التنفيذ..

لم يكن التحذير الأخير للشركات الدولية بمعزل عن سياقه التاريخي، بل هو حلقة في سلسلة من التحذيرات التي أطلقتها القيادة اليمنية منذ بدء "طوفان الأقصى"، والتي اتسمت جميعها بالصدق المطلق في التنفيذ. فكل مرحلة من مراحل الإسناد لغزة، وكل تصعيد في العدوان الصهيوني، كان يقابله تحذير يمني يتبعه تنفيذ كامل دون تراجع أو مساومة.

منذ التحذير الأول للسفن الإسرائيلية من المرور في البحر الأحمر، واقتياد سفينة "جلاكسي ليدر"، واستهداف عدد آخر من سفن الشحن البحرية المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، وحتى تلك المرتبطة بالأمريكي والبريطاني بعد تدخلهم العدواني، أثبتت القوات المسلحة اليمنية أنها تمتلك إرادة الفعل وقدرة التنفيذ.

وقد جاءت هذه التحذيرات مترافقة مع تصاعد جرائم العدوان الصهيوني، لا سيما بعد مجزرة مستشفى المعمداني، والتحضيرات لاجتياح رفح، وعودة الإسناد مع عودة العدو لجرائمه وتوحشه في غزة. الأهم هنا، أن كل تلك التحذيرات والمراحل قد نُفّذت بشكل تام، وأصابت العدو منها ما يحقق أهداف تلك العمليات، ووضع العدو أمام خسائر كبيرة على كل المستويات: اقتصادياً، أمنياً، واستراتيجياً. هذه المصداقية هي الركن الأساسي الذي يمنح التحذيرات اليمنية فعاليتها وتأثيرها العميق.