|| صحافة ||

كان لافتاً جداً رؤية علم إيران، إلى جانب العلمين الفلسطيني واللبناني، في تظاهرات السبت الماضي، وهي تظاهرات باتت تقليدية وتنظّم كلّ أسبوع تقريباً في عدد كبير من العواصم والمدن الأوروربية، للاعتراض على استمرار العدوان الإسرائيلي على الشعبين اللبناني والفلسطيني والتنديد عادة بسياسات الدول الأوروبية الداعمة لـ "إسرائيل".

المفارقة أنّ علم إيران لم يرفعه فقط أبناء الجاليات العربية والإسلامية، إنما أيضاً، مواطنون من هذه الدول، كما ظهر ذلك واضحاً في تظاهرة العاصمة النمساوية التي شارك فيها نحو 7 آلاف شخص، وهي تعدّ تظاهرة ضخمة بالنسبة لمدينة صغيرة كفيينا.

أن يُرفع العلمان الفلسطيني واللبناني في شوارع أوروبا منذ نحو سنتين فهو أمر بات طبيعياً، لأنّ الرأي العام في أوروبا تجاوز منذ أشهر طويلة تأثير الرواية الإسرائيلية القائمة على مظلومية تاريخية استخدمت حتى أفرغت من مضمونها، وبات يعتبرها الأوروبيون ذريعة لارتكاب الإبادة بحقّ الفلسطينيين.

أما أن يُرفع علم إيران في المدن الأوروبية، فهو أمر جديد ومفاجئ وغير مألوف ويستحقّ الوقوف عنده ملياً، لأن إيران ليست فلسطين، والصورة النمطية المحفورة في ثقافة الأوروبيين عن الجمهورية الإسلامية منذ العام 1979 مختلفة تماماً عن الصورة التي تنقل اليوم من غزة وجنوب لبنان حيث جنون القتل متفلّت من كلّ المعايير.

لقد قدّم الإعلام والحكومات الغربية إيران منذ 45 عاماً، على أنها عدو خطير جداً، أولاً على القيم والثقافة الغربية وعلى المرأة وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات، وثانياً على "إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، وتدعم منظّمات مناهضة لـ "إسرائيل"، وتريد إنتاج سلاح نووي يهدّد أوروبا مباشرة.

هذه الرؤية لم تتغيّر لدى الرأي العام الغربي ولا يمكن أن تتغيّر بسهولة، لكنّ الموقف من إيران اليوم يبدو أنه بات جزءاً من مشهد أوسع وأبعد من الموقف من الجمهورية الإسلامية، والصورة النمطية المحفورة في أوروبا عنها، هو موقف مرتبط ربما بقناعة لدى الرأي العام الأوروبي بلغت درجة مناهضته لـ "إسرائيل" حدوداً متقدّمة جداً، لدرجة أنه مستعدّ لمساندة أيّ جهة تتعرّض للاعتداء الإسرائيلي، بغضّ النظر عن هويتها ونظامها وسياساتها.

لقد كان الاعتداء الإسرائيلي، ثمّ الأميركي على إيران، بمثابة تحوّل بارز في فهم الرأي العامّ الأوروبي لمدى خطورة "إسرائيل" بما هو أبعد من فلسطين المحتلة ولبنان، فهي تشكّل خطراً على السلم والأمن الدوليين، وهذا ما نسمعه من شعارات تتردّد في التظاهرات الأوروبية.

لقد سقطت الرواية الإسرائيلية المستندة إلى مظلوميّة اليهود التاريخية منذ أشهر طويلة، واليوم يبدو أننا أمام مرحلة جديدة تخطّت التنديد ومناهضة الاحتلال، أن نسمع مغني الراب البريطاني بوب فيلان، يردّد في حفل أقيم في لندن السبت (28 حزيران/يونيو 2025) أمام عشرات الآلاف ونقلته بي بي سي مباشرة، "الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي"، يعني أنّ "إسرائيل" خسرت معركة الرأي العام في أوروبا.

 

الميادين نت: موسى عاصي