موقع أنصار الله – محمد المطري
خلال عشر سنوات من الحرب، وفي خضم تكالب العدوان السعودي الإماراتي على اليمن، مرورا بمعركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، شكّلت القبيلة اليمنية خط الدفاع الأول عن السيادة الوطنية، وجسدت أنموذجًا فريدًا في الوعي الجمعي والموقف المقاوم، ليس فقط في ساحات القتال، بل في دعم الدولة ومساندة أجهزتها الأمنية والقضائية في ملاحقة الخونة والعملاء وسد الثغرات الداخلية.
تعرف القبيلة اليمنية تاريخياً أنها أكثر من مجرد كيان اجتماعي؛ فهي تمثل دومًا صمام أمان في الأزمات الوطنية، ومرجعًا للصلح والحسم، ومصدرًا للرجال عند الشدائد.
ومنذ بدء العدوان على اليمن وحتى اللحظة تثبت القبائل اليمنية أنها شريك أصيل للدولة في الدفاع عن الأرض والسيادة، ولم تكن طرفًا محايدًا، بل فاعلًا حاسمًا في المعادلة. ففي الوقت الذي استهدف العدوان بنية الدولة ومؤسساتها، كانت القبائل حاضرة في ميدان القتال، وفي محكمة العرف، وفي الموقف السياسي الموحد خلف قيادة وطنية ترى في الاستقلال حقًا لا مساومة فيه.
ويصف الشيخ نجيب المطري -وهو أحد أبرز مشائخ بني مطر- القبيلة اليمنية بالنواة الصلبة والداعم الفعّال للدولة، مبينا دورها في إفشال المشاريع العدوانية، وإحباط المخططات الداخلية والخارجية المحدقة بالوطن.
وفي حديثه لموقع أنصار الله يرى المطري أن القبيلة اليمنية الرافد الأساسي للدولة عسكريا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، مؤكدا أن القبيلة اليمنية جسدت الوعي القرآني والحكمة اليمنية.
ويضيف: "القبيلة ذراع الدولة الميدانية، تعمل جنبًا إلى جنب مع السلطات الرسمية في ميادين الأمن، الزراعة، التنمية، والحرب، معتبرا القبلية الضامن الحقيقي للأمن والاستقرار على المستويات العائلية والمحلية.
ويشدد على أن القبيلة اليمنية «القلعة الحصينة والحصن المنيع»، بقيادة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، ستظل داعمة للحكومة والدولة في كل الظروف، وجاهزة لكل ما يُطلب منها لحماية الوطن والمكتسبات الوطنية والسياسية لثورة 21 سبتمبر الخالدة.
ويعتبر المطري صمود القبيلة اليمنية صمودا للأمة الإسلامية وحماية لها، مردفا القول: "من نصرٍ إلى نصر بإذن الله، ومع القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، نرفع السلاح بالشرف، ونحفظ الديار والسيادة.. حتى يتحقق النصر المستحق".
وتشكّل العلاقة بين القبيلة والدولة خلال سنوات العدوان نموذجًا لـ التحالف الوطني التكاملي. إذ أن القبائل أسهمت في ضبط الأمن، وشاركت في تسليم العملاء والخونة الذين ثبت تورطهم في دعم العدوان أو تسهيل مهامه.
ولم يكن ذلك مجاملة للدولة، بل وفاءً لوثيقة الشرف القبلي التي وقّعت عليها مكونات قبَلية واسعة، والتي تجرّم الخيانة والتواطؤ مع أي جهة أجنبية.
وتنص وثيقة الشرف القبلي على مجموعة من المرتكزات الأساسية أبرزها إعلان البراءة، تنسحب المسؤوليات من العملاء والمعتدين على اليمن والعقوبات القانونية، تنفيذ القانون بحق الخائنين والداعمين للعدوان وعزلهم اجتماعيا، رفض التعامل مع العملاء في مختلف المجالات وكذا أمن الساحة القبلية، حفظ استقرار القبيلة والتعاون مع الجهات الرسمية والغرم القبلي، المساهمة في دعم الجيش بالقوات والمال إضافة إلى الصلح العام، تسوية النزاعات القبلية بشكل منظم وعادل.
وتؤكد البنود الصادرة في تلك الوثيقة أن القبيلة مسؤولة عن أمن ساحتها، وحماية مكتسباتها، والبراءة من كل من يرتبط بالعدو أو يقدم له غطاءً سياسيًا أو اجتماعيًا.
وحول هذه الجزئية يؤكد الشيخ عادل رسام، أحد أبرز مشايخ القبائل اليمنية، على الأهمية المحورية التي لعبتها القبيلة اليمنية في مواجهة العدوان المستمر منذ العام 2015، مشيرًا إلى أن القبائل شكّلت درعًا وطنيًا متينًا في التصدي لمخططات العدوان الرباعي، وأسهمت في تعزيز التلاحم المجتمعي، ودعم الجبهات، وحماية النسيج الوطني من التفكك والانهيار.
وفي حديثه لموقع أنصار الله يقول الشيخ رسام: "إن القبيلة اليمنية ليست مجرد مكون اجتماعي، بل ركيزة أساسية للسيادة والهوية الوطنية"، موضحًا أن لها باعًا طويلًا في حماية البلاد، وإفشال مؤامرات الخارج عبر التاريخ، بفضل ما تمتلكه من إرث ثقافي، وحكمة قبلية، وشجاعة فطرية، وأعراف ضابطة.
وحول وثيقة الشرف القبلي، يؤكد الشيخ رسام أنها ليست مجرد إعلان، بل ميثاق وطني جامع جسد التزام القبائل اليمنية بأداء دورها في حماية الوطن، ورفض كل أشكال العمالة والخيانة.
ويشير إلى أن القبيلة اليمنية ترى دعمَ فلسطين وغزة جزءًا من معركتها القيمية والسياسية ضد الهيمنة الغربية والاحتلال الصهيوني، مؤكدًا أن هذا الموقف متجذر في ضمير كل يمني حرّ يرى أن معركتي صنعاء وغزة وجهان لعدوان واحد.
وخلص رسام إلى أن القبيلة اليمنية ستبقى، كما عهدها اليمنيون، سور الوطن العالي، وأن حضورها في الساحات والميادين سيظل عنوانًا للوفاء والتضحية، وخط الدفاع الأول عن اليمن وسيادته واستقلاله.
ويتفق الشيخ عبدالكريم غلاب، أحد الشخصيات القبلية والوطنية البارزة، مع ما طرحه المطري ورسام، مؤكدا على أن القبيلة اليمنية لعبت الدور الجوهري والحاسم في إنقاذ البلاد من الانهيار الشامل خلال سنوات العدوان التي بدأت منذ العام 2015، وتواصلت بأشكال متعددة حتى بلغت ذروتها في العدوان الصهيوـأمريكي خلال العامين الأخيرين.
وفي تصريحه لموقع أنصار الله يحكي الشيخ غلاب أن اللحظات الأولى للعدوان كانت مأساوية بكل المقاييس؛ إذ انهارت مؤسسات الدولة، وتوقفت قطاعات حيوية، وارتفعت الأسعار إلى مستويات جنونية، وانتشرت موجات النزوح الجماعي في مختلف أرجاء البلاد، ما كان كفيلًا بإعدام الحياة على كامل الجغرافيا اليمنية.
ويضيف: "وسط هذا الانهيار المفاجئ، برزت القبيلة اليمنية كحائط صدّ وطني متماسك، ووزّعت أدوار أبنائها على مختلف جبهات المواجهة، لتقود التعبئة العامة، وتحتضن النازحين دون تمييز، وتُعيد إحياء روح المبادرة في مواجهة أزمات الغذاء والتنمية".
ويشير إلى أن القبائل تجاوزت الأدوار التقليدية، وأسهمت في تشكيل جيش شعبي إيماني موحد أصبح محل إعجاب وتقدير إقليمي ودولي، فضلًا عن دورها البارز في مكافحة الحروب الناعمة، ومحاربة التجسس، والتصدي للغزو الثقافي والارتزاق.
وفي سبيل تنظيم هذا الدور وتعظيم نفعه، يؤكد الشيخ عبدالكريم غلاب أن القبائل صاغت وثيقة الشرف القبلي، ووقّعت عليها في إجماع تاريخي قلّ نظيره، باعتبارها ميثاقًا دائمًا يجسد قيم القبيلة، ويُفعَّل في السلم والحرب على السواء.
ويلفت إلى أن الوثيقة اعتمدت نظامًا مزدوجًا للعقوبات ضد كل خائن وعميل، الأول قانوني يستند إلى مواد العقوبات النافذة في القانون اليمني، والثاني عرفي يتمثل في العزل الاجتماعي، الذي يبقى ساريًا حتى في حال حدوث تسويات سياسية لا تسقط تلك التبعات الأخلاقية والاجتماعية.
ويختم غلاب حديثه بالتأكيد على أن القبيلة اليمنية لم تكن فقط رافدًا، بل هي اليوم صمّام الأمان لليمن، وقوة فاعلة في معركة الكرامة والسيادة، وامتداد طبيعي للمشروع الوطني المقاوم، محليًا وإقليميًا، في مواجهة قوى الاستكبار العالمي.
وفي المجمل فإن القبيلة اليمنية اليوم تحوّلت من بنية تقليدية إلى قوة استراتيجية في المعركة السياسية والأمنية والثقافية. وقد أصبحت معادلة حقيقية في الردع، وفي تشكيل الوعي الجمعي المقاوم، وهو ما جعل العدوان يعيد حساباته في كثير من الجبهات، بعد أن أثبتت القبائل أن لديها القدرة على تحصين الداخل وكشف الاختراقات، سواء كانت إعلامية أو استخباراتية أو عسكرية.