|| صحافة ||
تراقب دوائر القرار ومراكز الأبحاث والدراسات في كلّ من "إسرائيل" والغرب، مدى تأثّر اليمن بالحرب "الإسرائيلية" - الأميركية على إيران، وتُجري تقييمات حول انشغال الأخيرة عن الحلفاء، وانكفائها عن دعمهم لمصلحة تحسين قدراتها الذاتية، ومعالجة الأخطاء لديها تمهيداً لجولة أخرى من الصراع. ويذهب البعض إلى أن ضعف إيران سيؤدي إلى تراجع الدعم العسكري والمالي لحركة «أنصار الله»، ما يضعف بالنتيجة دورها الإقليمي، في حين يتوقّع آخرون أن يكون اليمن الهدف التالي على لائحة الحروب، باعتباره تهديداً مباشراً لأمن إسرائيل والملاحة البحرية في باب المندب والبحر الأحمر. على أن تلك الاستنتاجات لم تعمّر طويلاً؛ إذ استمرّت صنعاء في وتيرة العمل العسكري نفسها قبل العدوان وخلاله وبعده، وأثبتت قدرتها على الصمود، بل والتوسّع في ظلّ بيئة إقليمية معقّدة وتهديدات بضربة وشيكة لبناها التحتية. وفي ضوء ذلك، بدأ العزف على نغمة أخرى - في محاولة لتبرير أي عدوان قادم على اليمن - عنوانها أن إيران هرّبت يورانيوم مخصّباً إلى بعض حلفائها، وخصوصاً «أنصار الله» (نشر أحد المواقع الإلكترونية الإسرائيلية صوراً جوية لمواقع محصّنة في هذا البلد، وافترض أنها مجهّزة لتخزين اليورانيوم)، كما صدّرت تكنولوجيا الصواريخ الجديدة إلى صنعاء.
ويأتي ذلك فيما تتزايد التحذيرات من تعاظم التهديد الذي يمثّله اليمن لأمن "إسرائيل" والأمن الملاحي. وفي هذا الإطار، أشار «مركز القدس للشؤون الخارجية والأمنية» إلى أنه «بينما تختار إيران الاحتواء المباشر، فإنها تُوجّه جلّ جهودها الانتقامية والردعية إلى ساحات محيطة، وفي طليعتها الساحة اليمنية»، مضيفاً أن «أنصار الله» «تُعيد تموضعها كقوة مستقلّة تعمل بالتعاون مع إيران، ولكن ليس تحت قيادتها المباشرة. في هذا الوضع، يُصبح اليمن ساحة الاستنزاف المركزية في مواجهة "إسرائيل"، وقد تُجرّ "إسرائيل" إلى مواجهة مُدبّرة وخطيرة في الساحة الجنوبية، ليس من باب المبادرة، بل لضرورة عملياتية وإستراتيجية». ويعيد التقدير المتقدّم تسليط الضوء على تهافت الخلاصات والتقديرات الغربية التي تزعم تبعية صاحب القرار اليمني لإيران، رغم ما ثبت من أن الأخيرة تضطرّ أحياناً إلى التماشي مع الأول خلافاً لرأيها، وأن صنعاء لا تخضع لمنظومة العلاقات الدولية التي تلتزم طهران بمراعاتها في بعض الأحيان. وإذ يدرك أصحاب القرار الغربيون والخليجيون تلك الحقيقة تماماً، فهم يلحّون في الصالونات السياسية على ضرورة أن تقرن إيران أقوالها بالأفعال، وتوقف الدعم العسكري لليمن، وخصوصاً في مجال التصنيع العسكري.
وبعيداً من التوظيف السياسي والدعاية، فإن ثمة رأياً عالمياً وإقليمياً يتبلور بأن اليمن لم يعد يعتمد على الدعم الخارجي، بل على تراكم القدرات المحلية التي تشمل تصنيع طائرات مسيّرة، وصيانة منظومات الصواريخ، وخطوط إنتاج لعدد من الأسلحة النوعية، بعدما تمكّن من بناء منظومة تسليحية هجينة قائمة على التحايل الفني والتصنيع المحلي، وتأمين مسارات أخرى مثل علاقاته الفتية مع دول القرن الأفريقي والبحر الأحمر. كما إن «أنصار الله» استفادت خلال السنوات الأخيرة من فجوات الرقابة في البحر الأحمر، ومهارات التهريب التي تتقنها شبكات قبلية وحليفة في الصومال وجيبوتي. وفي هذا السياق، تُتّهم صنعاء بنسج علاقات قوية مع حركة «الشباب» في الصومال، الأمر الذي تنظر إليه الدوائر الاستخباراتية الغربية و"الإسرائيلية" على أنه عامل مقلق، ولكنه في الوقت نفسه عامل مقلّص للدعم الإيراني. ومع الوقت، أثبت اليمن أنه لاعب مستقل داخل محور المقاومة؛ ولهذا، إن فقدانه الدعم الخارجي، ولو بشكل مؤقّت، لن يكون كافياً لإحداث خلخلة حقيقية في بنيته. وفي هذا السياق، تقول الباحثة إليونورا أرديماجني، في تقرير نشره موقع «معهد الشرق الأوسط»، إن «الحوثيين راكموا من الموارد والتجارب ما يجعلهم أقل اعتماداً على الحليف الأكبر، وأكثر قدرة على التكيّف مع متغيرات الإقليم».
والجدير ذكره، هنا، أنه عند حصول أي تغييرات سياسية كبرى في المنطقة، تنطلق التحليلات المبنيّة على الرغبات في كلّ اتجاه، وهو ما حصل خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، وعقب إسقاط النظام في سوريا، وإثر العدوان على إيران. وحين لم يجد أصحاب هذا التحليل أي عنصر مباشر يتيح إسقاط تلك الأحداث على اليمن، بدأوا يزعمون أن هذه الأخيرة سيكون لها تأثير نفسي ومعنوي في قادة «أنصار الله»، ما قد يجعلهم يشعرون بالضعف والارتباك خشية استلهام خصومهم الفرصة للانقضاض عليهم، خصوصاً بالاستثمار في الأزمة الاقتصادية الناتجة من الحصار والحرب.
الاخبار اللبنانية: لقمان عبد الله