موقع أنصار الله . تقارير | وديع العبسي

تشير العمليات النوعية التي تنفذها المقاومة إلى أنها لا تزال في قمة العطاء، وعلى ذات الدينامية التي نفذت بها أسطورة العمل الفدائي الفلسطيني "طوفان الأقصى"، إذ تُظهر هذه العمليات تباعا أن جرائم العدو الصهيوني بأشكالها المختلفة المنفلتة من أخلاق المحاربين، ومن الأعراف المتفق عليها دوليا، لم يكن لها أي تأثير لجهة قتل روح المقاومة وتثبيط الإرادة والعزيمة، بينما زادت من حالة الإرهاق والإجهاد لقطعان الهاجانا المسمى جيش العدو، ومعهم قطعان الغاصبين.

تنقل صحيفة “هآرتس” العبرية شهادات لخمسة من مجندي العدو الإرهابيين، أكدوا فيها أنهم يعانون من إنهاك متزايد، وإجهاد بدني ونفسي شديدين، ومن الخوف المستمر من مفاجآت المجاهدين في غزة. بينما اعترف أحدهم "أن شعر رأسه بدأ يتساقط من فرط التوتّر"، وعلاوة على ذلك فإن مجتمع العدو الذي يفتقر لأبسط عوامل الثبات على الأراضي المحتلة يبدو اليوم "رخواً" بعد أن أرهقته هذه العزيمة والإصرار الفلسطيني على الثبات والدفاع عن الأرض.

 

الصهاينة عندما ورثوا خيوط الدخان في فلسطين

مع استمرار الحرب الإجرامية في غزة، يُراكم العدو من عوامل زواله ولو بعد حين. إذ يعزز من تفكك أي تماسك محتمل لقواعده الشعبية، واليوم -ومع الفشل الذريع جدا في تحقيق هدف استعادة الأسرى- والقضاء على المقاومة والانتصار للاقتباسات التوراتية التي رفعها كعناوين لعملياته الإجرامية، تشتد عاصفة الفصائل الفلسطينية بـ"حجارة داوود" عليه، لتُنهي ما بقي من أمل لنتنياهو وباقي الصهاينة بأن يسجلوا أسماءهم في التاريخ العبري، إلا بكونهم كانوا سببا في تعرّي واقعهم وانكشاف عُقم قدراتهم في فرض الإرادة الصهيونية. يرى المحلل الاستراتيجي والضابط السابق في جهاز "الاستخبارات" (أمان)- الصهيوني ميخائيل ميلشتاين بأن حرب غزة هي "الأكثر مرارة وتبايناً بين الأهداف والواقع".

ورغم كل الدعم المفتوح من دول الاستعمار التي يحركها اللوبي الصهيوني العالمي، تستمر عمليات المقاومة، بل وتتحول من رد فعل إلى عمليات هجومية مدروسة. وكلما ارتفعت نبرة قادة الاحتلال بالتهديد والوعيد، أو بالسير ولو خطوة في طريق مخطط إخلاء غزة من أهلها، أو تحقيق أي إنجاز يخدم هدف تجاوز القطاع إلى الهيمنة على المنطقة، كلما أدرك المتابع الفطن أن الكيان بات فعليا يعيش حالة تآكل للجاهزية، وأزمة ثقة بقدرته على توجيه المسارات أمامه إلى ما يخدم مصالحه، وأزمة ثقة في ما يمكن أن يحمله له الغد من مفاجآت تهدد وجوده، وتنسف اشتغالات أجدادهم، مَن أورثوهم خيوط الدخان في فلسطين العربية.

 

آليات العدو تتحول إلى توابيت لمجنديه

كمائن محكمة وعمليات مباشرة تحاصر قوات وآليات العدو الإسرائيلي من كل اتجاه، ومدن فلسطينية -كان يظن أنه قد دمرها- باتت ساحات فعل مقاوم، وفوهات بركانية تتفجر منها عمليات نوعية واستراتيجية، ويبدو مثيراً للاهتمام أن تكون بهذه القوة والدقة، في ظل حصار خانق حتى من شربة الماء.

يتساقط جنود العدو ، ويستعيد الخبراء الصهاينة تحذيرات "يديعوت أحرونوت" من "التشتت والانجرار إلى تصعيد غير مخطط له". وتكشف بعض "حجارة داوود"، التي يتم رميها من مسافة صفر، أعلى درجات الاحتراف والتخفي والاقتحام الميداني المباشر، مع انهيارٍ وارتباكٍ واضحين للجيش الصهيوني، كمَشاهد تفجير المدرّعات شرق خانيونس التي أجهزت على سبعة من جنود العدو دفعة واحدة، وقال بشأنها المحلل العسكري في قناة 14 العبرية نوعم أمير: "لقد شاهدت للتو الفيديو المروع لكارثة "بوما" شرق خانيونس، يجب على "رئيس الأركان" الاتصال بقائد الفرقة 36 وإرساله إلى المنزل"، فيما قالت صحيفة "معاريف" إن ما جرى شرق خانيونس هو: "تقصير خطير يصل حتى أعلى المستويات القيادية"، وكعملية بيت حانون التي أدّت إلى مصرع 5 من الصهاينة قتلة الأطفال، وجرح 14 آخرين، وكمشاهد تسلق آليات تابعة لجيش العدو وإلقاء القنابل أو العبوات الناسفة بداخلها، وكالعملية العسكرية التي نفذت خلالها القسام كمينًا محكمًا ضد قوة إسرائيلية خاصة شرق جباليا نهاية يونيو الماضي وأجهزت فيها على ثلاثة مجندين صهاينة، وعملية 12 يوليو، التي استهدفت نقطة تمركز لآليات ومجندي العدو وسط جباليا البلد، وخلالها فجّر المجاهدون عبوة “برق” شديدة الانفجار أسفل إحدى آليات ميركافاه، ثم استهدفوا بشكل مباشر قوة راجلة، بالتزامن مع قصف آلية ثانية بقذيفة “تاندوم 85″.

ومن شواهد تحرك الفعل المقاوم بثقة عالية وامتلاك زمام المبادرة القتالية في الهجوم والمباغتة، ظهور أحد المجاهدين المشاركين قبل انطلاق عمليةٍ وسط جباليا متوعدًا بالقول: “إنهم على بُعد دار واحدة من مقاتلي محمد.. والله لنمرّغهم في التراب”.

سلسلة عمليات المقاومة المتواصلة في التنكيل بمجندي العدو شملت أيضا استهداف جرافات الاحتلال “D9”، ودبابات ميركافاه في عدة مواقع. فيما تضمنت تفاصيل المشاهد طائرات العدو المروحية وهي تضطر للهبوط في أكثر من نقطة لإجلاء قتلاها ومُصابيها من تلك المواقع. ثم لا يكون بمقدور العدو التعليق بالإنكار، فكل التفاصيل توثقها عدسات المقاومة التي بات لديها سلسلة توثيقية دقيقة بالصوت والصورة لعملياتها على مختلف الجبهات، وهو الذي يمثل سلاحًا مؤثرا يسحق -من جهةٍ- نفسية العدو، ويرفع -من جهة ثانية- معنويات المجاهدين ومعهم أحرار العالم. يذكر مراقبون بأن وضع العدو المنهار داخل غزة -لجهة تحقيق خطوات استراتيجية- يدفع الوسط الصهيوني للتساؤل حول جدوى البقاء في القطاع.

 

 "طوفان الأقصى" يجرف أوهام المحتل

بات المسلَّم به لدى قادة الكيان -وإن فرضت عليهم نزعة الغطرسة لأن يكابروا- أنه لم يكن بمقدورهم فعل أكثر مما فعلوا من الوحشية لتجاوز بوابه غزة بما تعنيه من بسالة وثبات، وبمن فيها من شعب ليس في قاموسه مفردات الخنوع والاستسلام والقبول باحتلال الأرض وسلب القرار. لن يمكن للصهاينة العبور على ظهر غزة إلى حيث يتمدد كيانهم، ويكون بمقدورهم السير نحو وَهْم التسيّد على المنطقة وفرض الحاكمية الصهيونية عليها.

الأكيد -وفق المعطيات منذ الملحمة الأسطورية "طوفان الأقصى"- أنه رغم كل التوحش الصهيوني فإنه لم يتغير في الأمر شيء، وبالكاد سيحصل العدو على أسراه أحياء أو في التوابيت وبناء على شروط المجاهدين، وهذا أقصى ما يمكن لهم أن يحلموا به، وأما أوهام التهجير وكسر المقاومة أو قتل القضية، فإن مآل ذلك هو التبدد عند النظر إلى ما صارت إليه حياة الغاصبين من خوف وارتباك وعدم ثقة بأرض ترفضهم، وحفنة من القادة المتطرفين الذين يحلمون بتخليد أسمائهم في ذاكرة خليط الصهاينة المستوطنين لأراض مغتصبة.

يدرك قادة الصهاينة بأن طوفان الأقصى قد حقق أهدافه حين جرف ما تبقى لدى الغاصبين من أمل في استيطان هادئ و"كيان" ينعمون فيه بالأمان، كما يدركون أن إنهاء حالة التآكل لواقعهم ومستقبلهم مسألة باتت حتمية، وإن هي إلا مسألة وقت، فأبناء الأرض لن يمكن بأي حال هزيمتهم طالما ظلت عقيدتهم الدين والوطن والبنية الحضارية، لذلك لن يكون للصهاينة أن ينعموا ولو بشيء قليل من الهدوء إلا بوقف العدوان على غزة، والتفاوض دون شروط مسبقة مع المقاومة التي أرادوا كسرها والقضاء عليها.

 

هدنة لحفظ ماء المنظومة الصهيونية

لا تبدو مسألة دخول أمريكا في تفاصيل الضغط من أجل وقف العدوان واستعادة الأسرى إلا مسرحية تم رسمها لحفظ ماء وجه نتنياهو وجوقة المتطرفين معه، وهي نتيجة طبيعية تشكلت مع وصول كل المنظومة الصهيونية إلى حقيقة أنه لم يعد هناك ما يمكن الرهان عليه، وقد احترقت كل الأواق مخلفة رمادا في رؤوس الصهاينة، وإما أن يرفعوا أيديهم عن ممارسة الإرهاب بحق الأطفال والنساء، وإما زادت وتيرة التآكل أكان بما يجترحه المجاهدون في غزة من عمليات قمة في الذكاء والبسالة، أو ما يسطره أبطال القوات المسلحة اليمنية من ملاحم حشرت قادة الكيان في زوايا الملاجئ، وكشفت حقيقة أنه لولا الشحن الأمريكي لكان هؤلاء القادة جِيَفا في صحراء النقب.

لا راد لغضب أسياد الأرض، ولا ملجأ للغزاة إلا الاجتهاد حتى الاستيعاب، بأن الازدراء الدولي للصهاينة سيبقى وشما على جباههم، ولن تزيله هذه المحاولات البائسة في لعب دور القادر على كل شيء. وإذا كان نتنياهو يرمي إلى هدنة يجمع خلالها أشلاءه لمعاودة العدوان، فإن عليه ألا يذهب بعيدا في أوهامه بأنه سيأتي بالعصى السحرية للتخلص من أسباب الأرق في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فالمقاومة ومن خلفهم الشعب اليمني بقيادته وجيشه، حتما ستكون كلمتهم هذه المرة مختلفة، وصيغة التأديب ستكون أعنف وطويلة التأثير، وربما حينها أيضا الفاعلون اليوم لن يكونوا بمفردهم، وقد تَدْخُل في معركة الحسم شعوب أخرى، وحينها سيكون الصهاينة قد جنوا على المستوطنين حين شجعوهم على الهجرة من مواطنهم إلى الأرض الفلسطينية.