عبدالله علي صبري

 بعيدا عن الأضواء شهدت العاصمة الكولومبية بوغوتا الأسبوع الماضي اجتماعا مهما لـ "مجموعة لاهاي " بمشاركة أكثر من 30 دولة ومنظمة، بهدف دعم فلسطين، وتبني سلسلة من الإجراءات القانونية والدبلوماسية والاقتصادية في مواجهة جرائم الإبادة التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة.

وتشكلت مجموعة لاهاي بعد أن قامت جنوب أفريقيا برفع دعوى قضائية لدى محكمة العدل الدولية بشأن جرائم الحرب التي ترتكبها، حيث انضمت إلى الدعوى عدة دول من بينها بوليفيا وكوبا وهندوراس والسنغال وماليزيا وناميبيا وكولومبيا.

ومن بوغوتا صدر البيان الختامي للاجتماع، الذي دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة. متضمنا أبرز الإجراءات التي تعهدت الدول المشاركة بالعمل على تنفيذها، ومنها: حظر توريد ونقل الأسلحة والمعدات العسكرية ومواد الاستخدام المزدوج إلى "إسرائيل"، ومنع عبور أو رسو السفن التي يُشتبه في استخدامها لنقل معدات عسكرية لـ ـ"إسرائيل"، إضافة إلى سحب علم الدول عن السفن التي تنقل أسلحة لـ"إسرائيل" في حال مخالفة الحظر، ودعم ولايات الاختصاص العالمي لضمان العدالة لضحايا الجرائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أكد البيان الختامي للمؤتمر أن عصر الإفلات من العقاب يجب أن ينتهي، وأن القانون الدولي ينبغي أن يطبق دون محاباة.

قبل هذا الاجتماع كان الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، قد كتب مقالة رأي، في صحيفة "الغارديان" البريطانية، دعا فيه الحكومات للوقوف في وجه "إسرائيل" وفظاعاتها، وقال: إن عواقب التخلي عن مسؤولياتنا ستكون وخيمة. وإذا لم نتحرك الآن، فإننا لا نخون الشعب الفلسطيني فحسب، بل نصبح متواطئين في الفظائع التي ترتكبها "حكومة" نتنياهو.

بهذا الحس الإنساني العالي تتصرف دول مثل كولومبيا وجنوب إفريقيا وكوبا وفنزويلا وإسبانيا، إلا أن كولومبيا لم يتوقف تضامنها على التحرك السياسي أو الجماهيري، ولكنها احتضنت مؤخرا فعاليات ثقافية، أعلنت في إحداها عن إعلان "جائزة فلسطين العالمية في الشعر"، بالتنسيق مع الاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين.

لكن ما يؤسف له أن مثل هذه المواقف التي اضطلعت بها كولومبيا، برغم أنها تتعرض لضغوط أمريكية، لم نجد ما يقابلها أو ما يماثلها في الدول العربية، التي لم تحركها روابط الأخوة في الدين وفي العروبة، ولم تستنهضها التهديدات المتوالية لأمنها القومي من جانب الكيان الصهيوني. ولم تحرك أوراقها السياسية والاقتصادية وما أكثرها في سبيل وقف حرب الإبادة الجماعية بحق اثنين مليون فلسطيني عربي مسلم في غزة. 

دول وشعوب عربية وإسلامية كان بإمكانها أن تضع حدا لجريمة العصر، وأن تنتصر لأهلها وأمتها وللإنسانية جمعاء، لكنها لم تفعل، ولا يبدو أنها ستفعل شيئا، حتى وقد دخلت غزة مرحلة متقدمة من الجوع والمجاعة كما لم يحدث من قبل.

لم تعد مشكلة غزة في تخاذل الأنظمة العربية الرسمية، وهذا العجز المهين والانحطاط المشين الذي ظهر عليه الحكام العرب، بل غدت المشكلة في الأمة العربية ذاتها، التي ظهرت مكبلة وخانعة وزائغة البصر، كأنما يساق كل واحد منهم إلى الموت، وعلى رأسه الطير.

أكثر من 21 شهرا وحمام الدم لا يتوقف في غزة، مع التدمير والتهجير والتجويع والتعطيش، وكل صنوف المعاناة، ومع كل ذلك لا حياة لمن تنادي، فقد عجزت أمة العرب أن تواري عارها وهوانها وسوءتها، وأن تفعل ما يفعل الغراب بسوءة أخيه، حتى كان يصدق فيها قول الشاعـر:

أمة عانت من الموت طويلا                 فادفنوها لم تعد تجدي فتيلا