التقسيم المكاني للمسجد الأقصى: دلالات التوقيت والأهداف الإسرائيلية
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
تسعى تل أبيب لتهويد القدس عبر مشاريع مستمرة. واليوم جاء مشروع التقسيم المكاني ليدخل حيز التنفيذ. في وقتٍ لم يخرج أحدٌ ليُدين أو يشجب الإعتداء الإسرائيلي الجديد. لكن للكيان الإسرائيلي أهداف تتخطى التقسيم المكاني، تبدأ بحشد الدعم الدولي من يهود العالم، وتصل الى محاولة إظهار بُعد الخيارات الإسرائيلية عن التطرف المُنادي بالهدم. فماذا في مشروع التقسيم المكاني؟ وما هي نتائجه؟ وما علاقة ذلك بالهيكل المزعوم؟ وكيف يمكن تحليل الخيار الإسرائيلي وأسباب اللجوء الى التقسيم؟
المسجد الأقصى: التقسيم المكاني بدأ!
بدأت السلطات الإسرائيلية بتنفيذ التقسيم المكاني للمسجد الأقصى المبارك، من خلال وضع غرفة زجاجية في ساحته، بحسب ما قالت منظمة التعاون الإسلامي في فلسطين، الأربعاء. جاء ذلك، في مؤتمر صحافي عقده ممثل المنظمة أحمد الرويضي، ومفتي القدس والديار المقدسة محمد حسين، في المركز الإعلامي الحكومي بمدينة رام الله. وأوضحت هذه الأطراف أن إدخال غرفة زجاجية إلى ساحة المسجد، يقصد بها الإنتقال للتقسيم المكاني بعد فرض التقسيم الزماني من خلال الإقتحامات اليومية للمستوطنين. ولفتوا الى أن الممارسات الإسرائيلية من اعتقالات بصفوف المرابطين، والحفريات والإقتحامات ومنع الأوقاف الإسلامية من ممارسة عملها، إلى جانب وضع غرفة زجاجية، يؤكد بدء تنفيذ مكان مخصص للصلوات التلمودية اليهودية.
التقسيم ونتائجه الخطيرة على المسجد!
بحسب ما أكد الرويضي، بدأت المنظمة الإسلامية بالعمل والتحرك بالتنسيق مع الرئاسة الفلسطينية ووزارة الخارجية لحماية المقدسات. وحذر الرويضي من استمرار السلطات الإسرائيلية في عمليات حفر الأنفاق أسفل البلدة القديمة والمسجد الأقصى. حيث تُهدد هذه الأعمال سلامة المسجد الأقصى خصوصاً في حال وقوع هزة أرضية طبيعية أو مصطنعة، مبيناً أن الحفريات تهدد نحو 20 ألف منزل فلسطيني في وادي حلوة جنوبي الأقصى.
ما خصوصية الهيكل بالنسبة للمزاعم الإسرائيلية؟
“الهيكل” بحسب التسمية اليهودية، هو هيكل سليمان، أو معبد القدس، والمعروف باسم الهيكل الأول، الذي بناه النبي سليمان عليه السلام، وأطلق عليه اسم “الهيكل” لوضع التابوت الذي يحتوي على الوصايا العشرة، غير أن البناء تعرض للتدمير على يد القائد البابلي، نبوخذ نُصَّر، أثناء غزوه القدس، عام 586 قبل الميلاد. وفيما يصر اليهود على أن الهيكل كان في الموقع الحالي للمسجد الأقصى، فإن الحفريات الواسعة التي قامت بها السلطات الإسرائيلية في المنطقة منذ الإحتلال الإسرائيلي للقدس، عام 1967، لم تثبت وجوده، دون أن يكون من الواضح حتى الآن موقعه الحقيقي.
السلطات الإسرائيلية ومحاولات شرعنة المشروع
عدة خطوات تقوم بها السلطات الإسرائيلية لشرعنة المشروع وهي على الشكل التالي:
أولاً: يتزامن كل ما يجري مع قرار محكمة الصلح الإسرائيلية التي زعمت أن المسجد الأقصى مكان مقدس لليهود يحق لهم الصلاة فيه، ولا يحق لأي كان، منع اليهود من الوصول لساحاته والصعود لما أسمته “جبل الهيكل”.
ثانياً: ليس قرار محكمة الصلح في القدس، هو فقط ما يسعى الإسرائيلي الى شرعنته، بل تحاول تل أبيب ومنذ فترة طويلة سحب الوصاية على المسجد الأقصى من دائرة الأوقاف الأردنية بزعم أن ساحاته “عامة وأملاك دولة.
ثالثاً: تستمر المحاولات الروتينية الإعتدائية للإحتلال حيث تجري اقتحامات يومية للمسجد لنشر خرافة “الهيكل” المزعوم، رغم صدور قرار من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، أكد أحقّيّة المسلمين بالأقصى وقبّة الصخرة وساحاته، وليس هناك أي حق لليهود فيه.
الإعتداء الإسرائيلي وأسباب اللجوء الى خيار التقسيم: دلالات وتحليل
عدة نقاط لا بد من الإشارة لها نذكرها في التالي:
أولاً: إن ما يجري اليوم هو ضمن مسار المشروع الأكبر في تقسيم المسجد الأقصى، وضمن خطة تهويد القدس والتي أوعز رئيس وزراء الإحتلال بنيامين نتنياهو بالعمل بها، بهدف إقامة الهيكل التوراتي على حساب الأراضي الفلسطينية التي لا تبعد سوى أمتار عن جنوب الأقصى. ليتم ربط ذلك بمشروع التهويد والإستيطان لبلدة سلوان والبؤرة الإستيطانية المعروفة بمركز الزوار أو مدينة داود حيث الحفريات والأنفاق التي تتصل بمحيط المسجد الأقصى وأسفله.
ثانياً: بالإضافة الى ما تقدم، يهدف هذا المشروع إلى التعجيل في نزع الهوية والسيادة الإسلامية عن المسجد الأقصى وشرقي القدس. بل يهدف الى نزع كامل صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية وتبديلها بمفوض خاص من قبل سلطات الإحتلال، مما يجعل المسجد الأقصى تابعاً لوزارة الأديان الصهيونية.
ثالثاً: حول أسباب اللجوء الى التقسيم، فإن هذا الخيار يُعتبر الأقل ضرراً على الكيان المحتل من السيناريوهات الأخرى. وهو ما يستلزم بحسب الإسرائيليين التدرج في التطبيق، خشية ردود أفعال فلسطينية داخلية أو إقليمية أو دولية قد تعطل المشاريع المستقبلية.
رابعاً: إن مشروع التقسيم يهدف لإظهار الكيان الإسرائيلي على أنه يسعى للتقاسم مع الفلسطينيين بدلاً من الهدم. وهو ما قد يلقى دعماً دولياً من قبل المتآمرين على القضية الفلسطينية على اعتبار أن هذا الخيار أقل تطرفاً من فكرة الهدم.
خامساً: تسعى السلطات الإسرائيلية الى استقطاب الدعم المادي والمعنوي للمشروع الإسرائيلي في مرحلة تراجعت فيها عملية التأييد الغربي لممارسات الكيان الإسرائيلي. وهو ما لا يمكن أن يحصل إلا من خلال التركيز على نقطة قد تُعبئ اليهود في العالم، خصوصاً أنها من المسلمات التي يؤمن بها اليهود فيا يخص هيكل سليمان المزعوم.
إذن تسعى السلطات الإسرائيلية للقيام بمشروعٍ يتخطى التقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى. فالمُخطط الإسرائيلي لن يكون فقط إعتداءاً على مقدسات المسلمين، بل سيكون محاولة لإستقطاب الصهاينة الى الأراضي الفلسطينية. وهو الأمر الذي يجتاج لوقفة من قبل الدول الإسلامية والعربية لمواجهة هذا المخطط ومنع تدنيس المقدسات الدينية.