بعد أن فشلت الولايات المتحدة بالوفاء بتعهداتها بحماية الملاحة الإسرائيلية والقضاء على القدرات اليمنية، اتجهت الولايات المتحدة بدلاً من ذلك إلى تقديم النصائح للشركات المرتبطة بالعدو الإسرائيلي بأن عليها عدم المرور من باب المندب كونها معرضة لخطر الصواريخ اليمنية.
المركز المشترك لمعلومات الملاحة البحرية، التابع لتحالف العدوان الأمريكي البريطاني، أصدر ما وصفه بتحليل لحركة السفن المتجهة إلى موانئ الكيان الصهيوني، وقدم المركز ما سماه "خدمة تحليل مجانية" للشركات الراغبة في تقييم ما إذا كانت على قائمة الاستهداف اليمني، وذلك باستخدام أدوات تحليلية يزعم أنها مشابهة لتلك التي تستخدمها القوات المسلحة اليمنية في تقييم صلات السفن والشركات بالعدو الإسرائيلي. هذا الإعلان، في نظر المتابعين، يمثل اعترافًا صريحًا بفعالية الأدوات الاستخبارية اليمنية ودقة المعلومات التي تعتمد عليها القوات المسلحة في تنفيذ عملياتها البحرية بنجاح متكرر وبشهادة العدو نفسه.
ويدعي المركز أن بإمكان أي شركة شحن إرسال رسالة بريد إلكتروني إلى عنوان تابع للبحرية الأمريكية، يتضمن تفاصيل السفينة أو الشركة المطلوبة تقييمها، ليتم الرد عليها بنتائج التحليل، محذرًا في الوقت نفسه من أن المسؤولية القانونية الكاملة تبقى على عاتق الشركة نفسها، في إشارة إلى عجز أدوات التحالف عن توفير حماية كاملة للسفن المتعاملة مع الكيان.
مجلة "إنديان ديفينس ريفيو" المتخصصة في الشؤون العسكرية ذكرت أن عودة حاملة الطائرات الأمريكية "ترومان" من البحر الأحمر تحولت إلى إذلال للبحرية الأمريكية، بعد أن كان من المفترض أن يكون عرضًا للقوة. مضيفة أن حاملة الطائرات "ترومان" عادت من البحر الأحمر إلى قاعدتها منهيةً مهمة كان من المفترض أن تجسد القوة الأمريكية لكنها بدلًا من ذلك خلفت وراءها سلسلة من الإخفاقات المكلفة.
وأكدت أن وجود حاملة الطائرات "ترومان" فشل في كبح التهديدات غير المتكافئة التي تشكلها جبهة اليمن، والتي واصلت إطلاق المسيّرات والصواريخ طوال فترة الانتشار. مضيفة أن البنتاغون أمر بمراجعة شاملة لعمليات حاملات الطائرات ردًا على الحوادث في البحر الأحمر.
وبحسب ما أورده التقرير، فإن المهمة التي قادتها حاملة الطائرات ضمن عملية "راف رايدر" تحت إشراف القيادة المركزية الأمريكية، شملت تنفيذ أكثر من 11 ألف طلعة جوية، وإسقاط ما يزيد عن مليون رطل من الذخائر على أهداف في الأراضي اليمنية، بزعم استهداف البنية التحتية لما يُسميهم الأمريكيون بـ"الحوثيين". ورغم هذه الحملة الهائلة، فإن الموقع يعترف بأن القوات اليمنية، المدعومة بإرادة شعبية وقدرات صاروخية ومسيرات محلية التطوير، ظلت فاعلة ومؤثرة في الميدان البحري، ونجحت في إبقاء باب المندب خارج السيطرة الأمريكية.
وما بين الغارات الجوية والطلعات الاستعراضية، تكبّدت البحرية الأمريكية خسائر فادحة في المعدات والأداء العملياتي. فخلال مهمة ترومان، وقعت سلسلة من الحوادث الداخلية والأخطاء التقنية، أبرزها قيام طراد الحماية "يو إس إس جيتيسبيرغ" بإسقاط طائرة أمريكية من طراز إف/إيه-18 بالخطأ في ديسمبر، إضافة إلى فقدان طائرتين مقاتلتين أخريين في أبريل ومايو من العام نفسه. وقدّرت الخسائر الناتجة عن تلك الحوادث بنحو 180 مليون دولار، في حين نجا الطيارون بأعجوبة.
وتفاقمت النكسات عندما اصطدمت حاملة الطائرات "ترومان" بسفينة تجارية ترفع علم بنما قرب قناة السويس، ما أدى إلى إقالة قائد الحاملة آنذاك، الكابتن ديف سنودن، في خطوة نادرة تعكس حجم الإخفاق داخل القوات البحرية الأمريكية. وقد نقلت المجلة عن مصادر عسكرية في البنتاغون أن هذه الحوادث تكشف عن "مشكلات منهجية عميقة في التدريب والانضباط وصيانة المعدات".
وأشار التقرير إلى أن ردّ الفعل داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية لم يكن قليل الشأن، حيث أمرت وزارة الدفاع بمراجعة شاملة لعمليات حاملات الطائرات، بما في ذلك بروتوكولات الهبوط والإقلاع، وإدارة الطائرات، وسلسلة القيادة، في محاولة لاحتواء تداعيات هذه الفضائح العملياتية. كما أقرّ رئيس العمليات البحرية، الأدميرال كريستوفر غرادي، بأن الأحداث الأخيرة "لا تعكس معايير التميز التي نتوقعها من أسطولنا"، على حد تعبيره.
وذكر “المعهد الوطني لدراسات الردع” في الولايات المتحدة أن الجيش اليمني نجح في إدارة الحرب غير المتكافئة وذلك من خلال إجادة توظيف إمكاناته الأقل كلفة من إمكانات خصومه لتحقيق تأثيرات اقتصادية ومعنوية كبيرة، الأمر الذي يجعل من الصعب على القوى “المتفوقة” في الإمكانات تحقيق أي ردع ضد صنعاء.
ونشرت مجلة “جلوبال سيكيوريتي ريفيو” الإلكترونية التابعة للمعهد، تقريراً تناولت فيه أسباب فشل محاولات ردع قوات صنعاء وإيقاف هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي. مشيرة إلى استراتيجيات قوات صنعاء في إدارة الحرب غير المتكافئة من حيث التكاليف والإمكانات، مضيفة أن الجيش اليمني لا يعتمد على منصات باهظة الثمن أو تقنيات متطورة، حيث تعتمد قدراته على أسلحة منخفضة التكلفة وعالية التأثير، مثل الطائرات المسيرة، وصواريخ كروز، والقوارب المتفجرة المُسيّرة عن بُعد، والألغام البحرية”. ومن الأمثلة على هذه الأسلحة الفعّالة من حيث التكلفة صاروخ يمني بقيمة 20 ألف دولار، تمكّن من إسقاط طائرة (إم كيوم -9) المسيّرة بقيمة 30 مليون دولار”.
ورأى التقرير أن “العقيدة البحرية غير المتكافئة للحوثيين تعتمد على حقيقة مفادها أن كل ضربة ناجحة، حتى لو لم تكن حاسمة استراتيجياً، لأن لها تأثيراً اقتصادياً ونفسياً هائلاً، بما في ذلك تعطيل الشحن، وتعزيز سردية العجز العسكري الغربي والعربي”.
وفقاً للتقرير فإن “ضربة جوية واحدة بطائرة مسيرة تُلحق الضرر بسفينة أو تُؤخرها قد ترفع أقساط التأمين العالمية، وتُجبر شركات الشحن على تغيير مسارها حول رأس الرجاء الصالح، والأهم من ذلك، تُقوّض الثقة في الهيمنة البحرية الغربية والإقليمية”.
وقالت المجلة: إن “هذا العبء الاقتصادي والنفسي هو بالضبط نوع التأثير الذي يسعى إليه اليمنيون، مما يُظهر أن قوةً متواضعةً قادرة على تحدي طرق التجارة العالمية وإظهار صمودها في وجه القوى المتفوقة، وبذلك، يحافظ اليمنيون على مزيدٍ من الدعم المحلي ويستعرضون قوتهم الرمزية في جميع أنحاء المنطقة، مُفعّلين بذلك قوىً فاعلةً أخرى غير حكومية، ومتحدّين نماذج الردع القائمة على القوة المتفوقة”. وأضافت: “يصعب القضاء على التهديد الحوثي تماماً، وقد شكّل هذا تحدياً حتى للولايات المتحدة”.
واعتبرت أن “التهديد الحوثي يستمر لأنه يتحدى المنطق العسكري التقليدي، ويزدهر في ثغرات البنية الأمنية الراسخة”، مشيرة إلى أنه “برغم شن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة و"إسرائيل" غارات جوية على البنية التحتية للحوثيين، فإن قدراتهم المسلحة تبدو بعيدة كل البعد عن التقلص الفعال”.
وأفادت صحيفة "ذا كريدل" بأن الولايات المتحدة و"إسرائيل" شنتا حرباً استخباراتية سرية على اليمن لملء فراغ استخباراتي هائل" بشأن القوات المسلحة اليمنية. وأشارت الصحيفة الأمريكية في تقرير صادر عنها، إلى أن هذا المجتمع المقاوم، إلى جانب سياسة "الصمت" التي تتبناها صنعاء، جعلا من الصعب اختراقهما.
وأوضح التقرير أنه وبعد انضمام اليمن إلى معركة "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، تصاعدت محاولات التجنيد والاختراق الإلكتروني بشكل كبير ولتعويض نقص المعلومات، حيث استخدمت الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية والصهيونية أساليب متنوعة مثل:(إرسال رسائل من أرقام أجنبية. تقديم عروض عمل وهمية. استهداف الصحفيين والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي. تجنيد عملاء تحت غطاء منظمات دولية وشركات توصيل).
وأشارت "ذا كريدل" إلى أن الضربات اليمنية لم تقتصر على البحر الأحمر، بل وصلت إلى عمق الاحتلال الصهيوني، مستهدفة مواقع استراتيجية مثل مطار اللد المسمى اسرائيلياً "بن غوريون"، مبينة أن هذا التصعيد كشف عن فجوة استخباراتية لدى الكيان المجرم، الذي كان يعتبر الجبهة اليمنية "بعيدة وغير مؤثرة".
واعترف مستشار الأمن القومي الصهيوني السابق، يعقوب عميدرور، بفشل الأجهزة الاستخباراتية في فهم المشهد اليمني، مما ساهم في عنصر المفاجأة. ودعا "وزير الحرب" السابق، المجرم "أفيغدور ليبرمان" إلى فتح مسارات اختراق وتجنيد في اليمن عبر دعم قوى محلية لإشغال القوات المسلحة اليمنية، في إشارة إلى حكومة الفنادق الموالية للكيان الصهيوني.
وكشفت الصحيفة عن بعض الأساليب التي تستخدمها الأجهزة الاستخباراتية لجمع المعلومات: (البحث عن يمنيين من أصول يهودية يجيدون اللهجة الصنعانية لتجنيدهم كعملاء. نشر إعلانات ضخمة على وسائل التواصل الاجتماعي تقدم جوائز مالية تصل إلى مليون دولار مقابل معلومات عن قياديين أو عن ملف "الإسناد البحري".
تجنيد جواسيس تلقوا تدريبات متقدمة في أوروبا، وعادوا تحت غطاء منظمات دولية أو إعلامية، لرصد مواقع عسكرية حساسة وجمع معلومات تقنية عن الصواريخ والطائرات المسيرة. استخدام أجهزة إرسال مشفرة، وبرامج تجسس متطورة، وأنظمة اتصال عبر الأقمار الصناعية لتأمين التواصل.
واختتم التقرير بالإشارة إلى أن هذه الحرب الإلكترونية تستهدف زعزعة التماسك الداخلي في صنعاء من خلال التجسس والتلاعب النفسي.