موقع أنصار الله . تقرير
لم يكن التاسع عشر من سبتمبر يوماً عادياً في اليمن، بل كان موعداً تتجدد فيه الروح، وتفيض فيه الساحات بجموع هادرة من رجال اليمن الأحرار الذين خرجوا جميعاً تحت شعار" مع غزة.. لن نقبل بعار الخذلان مهما كانت جرائم العدوان".
أكثر من (1.438) مسيرة انبثقت من المدن والقرى، من الجبال والوديان، لتشكل لوحة نادرة تصرخ في وجه صمت عربي وإسلامي مطبق، وتعلن أن شعباً محاصراً في صنعاء وصعدة وإب وتعز والبيضاء وريمة والجوف وعمران وذمار وغيرها، يفتح قلبه ويده وقلمه وسلاحه لغزة، في حين أغلقت الأنظمة أبوابها وأوصدت عروشها.
لقد أثبت اليمنيون مرة أخرى أنهم شركاء في المعركة ذاتها. هتافاتهم كانت بيان موقف إيماني متجذر في هوية أمةٍ وصفها الرسول الكريم "صلوات الله عليه وآله" بقوله: "الإيمان يمان والحكمة يمانية". وما يجري اليوم هو تصديقٌ لهذا القول النبوي، حيث تندمج الحكمة بالشجاعة، والإيمان بالفعل.
واحتشد أبناء الشعب اليمني في أكثر من (1.438) ساحة وميدان وعلى النحو التالي: (العاصمة صنعاء: ميدان السبعين، محافظة حجة: (315) ساحة، محافظة إب:(290) ساحة، محافظة الحديدة: (268) ساحة، محافظة عمران: (123) ساحة، محافظة المحويت: (94) ساحة، محافظة تعز: (87) ساحة، محافظة ريمة: (70) ساحة، محافظة ذمار: (52) ساحة، محافظة الجوف: (47) ساحة، محافظة صعدة: (40) ساحة، محافظة البيضاء: (23) ساحة، محافظة مأرب: (20) ساحة، محافظة الضالع: خمس مسيرات، محافظة لحج: ثلاث مسيرات.)
في ساحات صنعاء وحدها ارتفعت أعلام فلسطين إلى جانب الأعلام اليمنية، لتصير رموز النصر متشابكة. وباركت الحشود عمليات القوات المسلحة اليمنية التي عبرت البحار والسماء، لتضرب عمق الكيان الصهيوني، متجاوزة منظوماته الدفاعية التي طالما تغنّى بها العالم. وفي المحافظات الأخرى خرجت مئات المسيرات في صعدة، إب، المحويت، ذمار، تعز، ريمة، مأرب، عمران، البيضاء، الضالع، الجوف، ولحج.. كلها تهتف بصوت واحد: غزة ليست وحدها، واليمن حاضر في ميدانها مهما كانت التضحيات.
لقد حملت تلك الجموع رسالة مزدوجة: إلى فلسطين أنها ليست وحدها وإلى الأنظمة المتخاذلة أن الصمت خيانة، وأن الخذلان عارٌ لا يغسله التاريخ. ما عجزت عنه بيانات القمم العربية والإسلامية الباهتة، صنعه الشارع اليمني بلغة الفعل، مؤكداً أن المقاومة هي الخيار الوحيد لردع المحتل، وأن الجهاد سبيل الأمة لاستعادة عزتها وكرامتها.
وفي المسيرة المليونية في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء جددت الجماهير المحتشدة التأييد الكامل والتفويض المطلق للسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، والتأكيد على استعداد الشعب اليمني لكل الخيارات في مواجهة العدو الصهيوني وأدواته وعملائه والتصدي لمؤامراتهم الإجرامية.
وحذرت الحشود النظام السعودي من التورط مع العدو البريطاني والأمريكي في حماية الملاحة الإسرائيلية.. مؤكدة أن هذه المحاولات ستبوء بالفشل كما فشلت سابقاتها، ولن يتمكنوا حتى من حماية سفنهم.
وباركت عمليات القوات المسلحة ضد الكيان الصهيوني في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي تجاوزت منظوماته الدفاعية.. مؤكدة على مواصلة التعبئة العامة والتحشيد والجاهزية لمواجهة أعداء الأمة وأذنابهم وعملائهم والتصدي لكل مؤامراتهم الإجرامية.
ونددت بتصعيد العدو الصهيوني للمجازر وجرائم الإبادة والتجويع والتدمير في قطاع غزة بشراكة أمريكية ودعم غربي وتواطؤ دولي.. مشيرة إلى أن استخدام أمريكا حق النقض لمشروع قرار لوقف الحرب على غزة وإدخال المساعدات يؤكد مجددا أن العدوان على غزة هو أمريكي صهيوني.
وعبرت عن الأسف لمخرجات القمة العربية والإسلامية في الدوحة المخيبة للآمال والتي لم ترق إلى مستوى ما يمارسه العدو الصهيوني من عربدة واستباحة لدول وشعوب المنطقة.
البيان الصادر عن المسيرات المليونية أوضح أن "كل الأحداث والتطورات خلال قرابة العامين من العدوان على غزة تثبت بأن الخيار المتمثل في مواجهة العدو الصهيوني والجهاد في سبيل الله ضده، النابع من روح كتاب الله القرآن الكريم كان الأكثر صوابية وحكمة، وأن الخيارات الأخرى مع هذا العدو ليس لها قيمة؛ بل تغريه وتزيده عتواً وطغياناً ورغبة في الاستباحة، وفي القمة الأخيرة التي جرت في الدوحة عبرة بأن ما تلاها من تصعيد كان دليلاً بأنها لم تردعه بل طمأنته وأغرته".
ومن هذا المنطلق جدد البيان التأكيد على ثبات الشعب اليمني على نهج الله وتمسكه به، واستمراره في جهاده المقدس ضد العدو الصهيوني المجرم، ودعمه وإسناده لغزة ومقاومتها العزيزة، ومواجهة معادلة الاستباحة، والوقوف في وجه العدو بكل قوة وصلابة، متوكلين على الله ومعتمدين عليه وواثقين به حتى يتحقق النصر العظيم والفتح الموعود بإذن الله".
وبارك عمليات القوات المسلحة المتصاعدة والمنكلة بالعدو الصهيوني والتي حققت أهدافها بتوفيق الله، متجاوزة أحدث منظومات الدفاع الجوي الأمريكية والإسرائيلية، وأثبتت أن لا حل آخر لهذا الكيان المجرم في إيقاف هذه العمليات سوى إيقاف العدوان ورفع الحصار عن غزة.. مباركاً كل عملية مساندة للشعب الفلسطيني من كل أفراد الأمة ورجالاتها.
إن خروج اليمنيين بهذا الزخم الأسبوعي، في ظل أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية الصعبة، يكشف عن سرٍ أكبر من السياسة: إنه سر الإيمان المتجذر في قلوبهم، الذي جعلهم يرون في نصرة فلسطين عبادةً وواجباً قبل أن تكون موقفاً سياسياً. ولهذا بدت المسيرات أقرب إلى ساحة حرب يعلن فيها الجهاد والاستشهاد وتطلق الوعد: "لن نقبل بعار الخذلان، وسنبقى مع غزة حتى النصر أو الشهادة".
هكذا يصوغ اليمن حضوره في التاريخ: أمة محاصرة، لكنها مرفوعة الرأس، تسند فلسطين بكل ما تملك، وتخوض معركتها بوعي قرآني، لا يضلله إعلام ولا تُقعده خيانة الحكام. ومع كل هتاف يمني، يضيق الخناق على العدو الصهيوني، ويضطرب وجدان الأمة لتستيقظ على حقيقة أن الحق لا يموت ما دام له رجال يفتدونه بدمائهم.
لقد صدق اليمنيون ما عاهدوا الله عليه؛ وقفوا مع غزة المحاصرة وهم أنفسهم تحت الحصار، ورفعوا راية فلسطين وهم يواجهون العدوان، وباركوا بصدورهم العامرة بالإيمان عمليات قواتهم المسلحة التي اخترقت عمق الكيان الصهيوني، وأثبتت أن اليمن حاضر بالفعل والسلاح، لا بالكلمة وحدها.
أما لأبناء أمتنا العربية والإسلامية، إن التاريخ يكتب الآن صفحاته بدماء الأطفال في غزة وصمود رجالها ونسائها، ويكتب في ذات اللحظة مواقف الشعوب. فكونوا حيث يليق بكم، في صف العزة لا الذل، في خندق المقاومة لا في دهاليز التطبيع.