حشود مليونية تحتشد في أكثر من (1.467) ساحة وميداناً

موقع أنصار الله . تقرير |

 

في لحظةٍ فارقة من تاريخ الأمة، يتجلّى الموقف اليمني كصوتٍ جهوري يعلو فوق صخب المدافع وأزيز الطائرات، ليعلن للعالم بأسره أن غزة ليست وحدها، وأن دماء اليمنيين وأرواحهم وقلوبهم ممتزجة بقضية فلسطين امتزاج الروح بالجسد. فلا الغارات الإسرائيلية على صنعاء، ولا التهديدات الأمريكية التي تلوّح بالعقوبات والويلات، قادرة على فصل اليمن عن غزة، لأن ما يربط بينهما ليس مجرد تضامن عابر، بل عقيدة راسخة، وهوية جهادية إيمانية، ومشروع تحرري متجذر في وجدان كل يمني.

بالأمس، حاول العدو الصهيوني أن يضغط على الشعب اليمني عبر القصف الجوي الذي طال العاصمة صنعاء، وأسفر عن استشهاد تسعة مواطنين وإصابة أكثر من مائة وسبعين آخرين. أراد العدو الإسرائيلي أن يبعث برسالة مفادها أن اليمن سيدفع ثمن موقفه المبدئي مع غزة. لكن ما لم يدركه هو أن الدماء اليمنية لا تُرهب أصحابها، بل تتحول إلى وقود جديد يشعل جذوة المقاومة ويضاعف الإصرار على مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي.

 

حشود مليونية

اليوم، خرجت الحشود المليونية في أكثر من (1.467) ساحة وميداناً، لترسم لوحة تاريخية تُخجل كل من صمت أو تواطأ. في صنعاء، وفي قلب المسيرة المهيبة التي حملت شعار "مع غزة.. يمن الإيمان في جهاد وثبات واستنفار"، ارتفعت الأعلام اليمنية والفلسطينية معاً، متعانقة كرمز للأخوة والدم المشترك. علت صور الشهيدين العظيمين: السيد حسن نصر الله، والسيد هاشم صفي الدين، كرمزين للثبات والجهاد، بينما هتفت الجماهير بصوتٍ واحد: "يا غزة احنا معكم ..أنتم لستم وحدكم".

واحتشدت جماهير الشعب اليمني في أكثر من (1.467) ساحة وميداناً وعلى النحو التالي: (العاصمة صنعاء: ميدان السبعين، حجة:(321) ساحة، إب: (290) ساحة، الحديدة: (268) ساحة، عمران: (124) ساحة، المحويت: (95) ساحة، تعز: (94) ساحة، ريمة: (80) ساحة، ذمار: (52) ساحة، الجوف: (50) ساحة، صعدة: (41) ساحة، البيضاء: (23) ساحة، مأرب: (20) ساحة، الضالع: (5) ساحات، لحج: (3) ساحات.

ذلك المشهد لم يكن مجرد تظاهرة عابرة، بل كان بمثابة استفتاء شعبي يمني شامل، أكد أن القضية الفلسطينية ليست ملفاً سياسياً في أدراج المكاتب، وإنما قضية هوية ووجود، وأن كل يمني يرى في نفسه امتداداً للمجاهدين على أرض غزة، مهما بعدت المسافات.

 

كسر الغطرسة الصهيونية

الجماهير لم تكتفِ بالهتاف، بل جددت التفويض المطلق للسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، مؤكدةً أن خيارات المواجهة مفتوحة، وأن الشعب اليمني مستعد لبذل الغالي والنفيس في سبيل نصرة فلسطين. كان ذلك التزاماً واعياً يستند إلى وعي تاريخي وديني وثوري بأن معركة فلسطين هي معركة الأمة كلها.

الحشود باركت الضربات النوعية للقوات المسلحة اليمنية، التي اخترقت أحدث المنظومات الدفاعية الإسرائيلية وأصابت أهدافها بدقة. تلك العمليات لم تكن مجرد ردٍ عسكري، بل رسالة استراتيجية للعالم: أن اليمن – رغم الحصار والعدوان – قادر على صناعة أسلحته، وتطوير تقنياته، وتوجيهها حيث يجب أن تصل. لقد تكسرت كبرياء الصهيونية على صواريخ ومسيرات يمنية انطلقت من أرض الإيمان والحكمة.

وحين استهدف العدو الصهيوني الأحياء السكنية، ظن أن الخوف سيتسرب إلى القلوب. لكنه لم يجنِ إلا العكس: فاليمنيون أعلنوا بوضوح أن الدماء التي تسيل لا تزيدهم إلا قوة وإصراراً، وأن خيار المواجهة أصبح قدراً لا تراجع عنه. لقد وعى اليمنيون أن التضحية – مهما عظمت – أهون بكثير من كلفة الاستسلام والخنوع، وأن النصر لا يُهدى وإنما يُنتزع بالصبر والثبات.

ثورة 21 سبتمبر امتداد الهوية الجهادية

في خطاباتهم وشعاراتهم، جددت الحشود العهد بالسير على نهج ثورة الـ21 من سبتمبر، ثورة الحرية والاستقلال، التي كسرت الوصاية وأعادت للشعب كرامته. كان واضحاً أن الوعي الجمعي يربط بين تلك الثورة وبين القضية الفلسطينية، فكلاهما معركة ضد الطغيان الأمريكي والصهيوني، وكلاهما التزام بنصرة المستضعفين والدفاع عن الأمة.

وارتفعت أصوات الملايين بهتافات ملؤها الإيمان والتحدي: (بالله تعالى لن نهزم.. مع غزة والقادم أعظم)، (بالعودة لكتاب الله.. سنواجه أعداء الله)، (سنجاهد ضد الوحشية.. وثقتنا بالله قوية)، (العمليات اليمنية.. كسرت كبر الصهيونية)، (كل الساحات اليمنية.. غزاوية فلسطينية)، (يا أمة عودي لله.. والنصر حليفك والله.. أمريكا قشه والله)، (يا غزة يا فلسطين.. معكم كل اليمنيين)، (دم شهيد الإنسانية.. سوف يزيل الصهيونية)، (نصر الله شهيد الأمة.. أنقذها في زمن الظلمة)، (نصر الله وصفي الدين.. شهداء الأمة والدين.. ضحوا من أجل فلسطين)، (مهما تقصف لن تثنينا.. سنصعد حجم تحدينا).

كانت تلك الهتافات بمثابة برقيات ميدانية إلى غزة، تقول: لسنا جمهوراً يتفرج، بل شعباً يتحرك، يمدكم بالروح والمعنى، وبالسلاح.

 

كلمة الشعب

البيان الصادر عن المسيرة وضع النقاط على الحروف: استمرار المسيرات المليونية نصرة لغزة واجب إيماني وأخلاقي، وخط الجهاد هو عهد مع الله ورسوله صلوات الله عليه وآله، لا تراجع عنه مهما غلت التضحيات. البيان عبّر أيضاً عن استغراب عميق من تناقض خطابات بعض الدول العربية والإسلامية في الأمم المتحدة، حيث يدينون جرائم العدو في غزة، ثم يرسلون إليه السلاح ويمدّونه بأسباب القوة!

وأشاد بيان المسيرة المليونية، باستمرار المقاومة الفلسطينية في غزة، وبالضربات الفعالة التي تقوم بها القوات المسلحة ضد العدو الصهيوني، واعتبرها الخطوات الحقيقية الفعلية والفعالة لوقف العدوان على غزة، أما المواقف الكلامية فلا تطعم الجوعى ولا توفر دواء للمرضى والجرحى ولا تدفع عن الأطفال القنابل الفتاكة.

وأضاف: "ونحن نعيش ذكرى شهيد الإسلام والإنسانية ورمز الجهاد والصدق والثبات السيد حسن نصر الله، ورفيق دربه الشهيد السيد هاشم صفي الدين رضوان الله عليهما، نستذكر كيف كان السيد حسن نصر الله سوراً منيعاً وحصناً حصيناً لهذه الأمة، وماهي النتائج السلبية التي كابدتها الأمة بعد رحيله مع رفاقه العظماء الذين اتضح لكل حر عظيم تضحياتهم وخدمتهم لأمتهم، ونعاهدهم بأننا على الدرب حتى الفتح الموعود والنصر المبين وزوال الكيان المؤقت قريباً بإذن الله".

كانت الرسالة واضحة: العبرة ليست في الكلمات، بل في الأفعال. ومن يكتفِ بالتصريحات دون مواقف عملية، فهو شريك في الجريمة.

البيان طرح سؤالاً موجعاً: كم من المجازر يجب أن تُرتكب، وكم من الأطفال يجب أن يُقتلوا، وكم من المدن يجب أن تُمحى، حتى تتحركوا؟ أليس فيكم رجل رشيد يترجم أقواله إلى أفعال؟! إنها صرخة ضمير يمني موجهة لكل أحرار العالم: كفوا عن التلاعب، وافعلوا ما يمليه عليكم الحق والإنسانية.

ولم تنسَ الحشود أن تستحضر ذكرى الشهداء الكبار: السيد حسن نصر الله ورفيقه السيد هاشم صفي الدين. كان استحضار سيرتهم من التجديد للعهد: أن هذه الدماء الطاهرة لن تذهب سدى، وأن الأمة ستواصل المسير على دربهم حتى الفتح الموعود وزوال الكيان الصهيوني.

 اليمن بوابة العزة للأمة

اليوم، يقف اليمن – وهو يرزح تحت حصار وعدوان مستمر منذ عشر سنوات – ليؤكد أنه لم ولن يتراجع عن نصرة فلسطين. إنه يعلّم الأمة درساً عملياً في الثبات، إن القضية مواقف تُترجم إلى دماء وصبر وصمود. إن الحشود المليونية التي اجتاحت ساحات اليمن كانت إعلاناً عالمياً أن فلسطين تسكن في قلب اليمن، وأن كل غارة إسرائيلية، وكل تهديد أمريكي، لن يزيد هذا الشعب إلا إيماناً بأن الطريق إلى القدس يمر عبر الثبات والمواجهة، وأن زمن الاستسلام قد ولّى، وزمن النصر يقترب.