موقع أنصار الله . تقرير |
يعتبر ما يعرف بمشروع "الشرق الأوسط الجديد" أحد أخطر المشاريع الاستراتيجية التي تسعى إلى فرضها الصهيونية العالمية، بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبار المشروع خطة متكاملة تهدف إلى توسيع النفوذ الإسرائيلي وإحكام قبضته على المنطقة، لتتحول “إسرائيل” إلى القطب المهيمن الذي يصادر إرادة الشعوب وقرارها، ويستبيح سيادة الأوطان وثرواتها.
وهذا المشروع في جوهره ترجمة محدثة للأطماع الغربية القديمة التي ظلت تحكم سلوك المستعمر تجاه الأمة العربية والإسلامية، ويأتي في إطار المخطط الرامي لتصفية القضية الفلسطينية وإدماج الكيان الصهيوني ليكون جزءا أساسيا في المنطقة، يمكن القول إن مشروع "الشرق الأوسط الجديد" هو صياغة جديدة لمخططات قديمة، أُعيد إنتاجها وتلميعها لتتلاءم مع متغيرات الزمن ومتطلبات المرحلة. فـ“الشرق الأوسط الجديد” هو الاسم الحديث لمخطط استعماري قديم، تعيد الصهيونية تدويره اليوم لتكريس هيمنتها تحت شعارات براقة، بعد أن مهدت لذلك عبر أحداث خطوات عدة أهمها الغزو الثقافي وإغراق الأمة في حروب داخلية صرفتها عن العدو الحقيقي.
يعود إعلان المخطط المشؤوم لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "كوندليزا رايس" في أعقاب مسرحية أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بوصفه ثمرةً لـ“الفوضى الخلّاقة” التي أرادت واشنطن من خلالها تفكيك العالم العربي، وتمزيق نسيجه، وتحويل دوله إلى كيانات هشة متناحرة يسهل ابتلاعها وإخضاعها.
نجحت السياسات الأمريكية، عبر سلسلة من الأزمات والحروب الداخلية، في إضعاف البنية البشرية والاقتصادية للأمة العربية، حتى غدت مواردها مهدورة في صراعات عبثية، وثرواتها تستهلك في حروب لا رابح فيها سوى العدو. وفي خضم هذا الانهاك الممنهج، تراجعت القضية الفلسطينية إلى ذيل الاهتمام العربي والإسلامي، وغابت عن جدول الأولويات، بل زاد الأمر سوء منذ عملية "طوفان الأقصى" حتى وصل إلى انخراط بعض الدول العربية في شراكة مباشرة مع العدو الإسرائيلي ضد حركات المقاومة.
وفي المقابل، شرعت الأنظمة المطبّعة تحت مزاعم “السلام” في فتح الأبواب أمام العدو الإسرائيلي، مقدمةً له ما لم يكن يحلم به، حتى صار الحديث عن التطبيع جرأة لا تستوجب استحياء ولا خجلاً، بعدما كانت تعد خيانة صريحة تستوجب المحاكمة. هذا الانحطاط السياسي مهّد الطريق أمام مشاريع كـ“صفقة القرن” و“اتفاقيات إبراهام”، لتطرح اليوم كحقائق واقعية لا مفر منها، وكأنها قدر محتوم يضمن أمن واستقرار المنطقة بحسب زعم الأمريكي وأدواته الخائنة.
في قلب هذا المشروع يقف العدو الإسرائيلي حجر الزاوية، إذ تتولى الولايات المتحدة مهمة إعادة هندسة الجغرافيا السياسية للمنطقة على مقاس المصالح الصهيونية. ومع أن بعض الأنظمة العربية اندفعت للتعاون العلني مع العدو، إلا أنّ الشعوب بقيت متمسكة بقضيتها المركزية "فلسطين" لفترات طويلة، إلا أن الموقف الضعيف للشعوب الإسلامية خلال الإبادة في غزة أظهر تراجعا كبيرا في الوعي العربي الإسلامي عن خطورة التفريط في فلسطين باعتبارها الجبهة المتقدمة للأمة.
وتتجلى نوايا العدو في تصريحات قادته المجرمين "نتنياهو" و"سموتيرش" الذين يعلنون بكل تبجح تنفيذ مشروع "إسرائيل الكبرى" وشروعهم في ضم الضفة الغربية وما المساعي الأمريكية لتوقيع اتفاقات تطبيعية جديدة والتوسع في سوريا والضغط على لبنان وإيران واليمن إلا خطوات تنفيذية على طريق المشروع ذاته. واليوم، يعيد نتنياهو التأكيد على ذلك بإطلاق “ممر داوود” في سوريا .
وهكذا يتمدد المشروع رويداً رويداً، ليشمل السيطرة على غزة وضم الضفة الغربية وتهجير أهلها، والتوسع نحو الأراضي السورية واللبنانية وكأنّ ما يمنع الكيان من ابتلاع المزيد هو فقط حسابات داخلية مؤقتة.
لقد غدا مشروع “الشرق الأوسط الجديد” تهديداً وجودياً شاملاً لا يقف عند حدود فلسطين، وإنما يطال دول الطوق، ويعمل على طمس الهوية العربية والإسلامية، وإعادة رسم الخرائط بما يخدم الأجندة الصهيونية وحدها.
لم يعد العدوان الصهيوني على غزة والتوغل في سوريا و عربدته في لبنان تثير استنكاراً يذكر، وإنما صار العالم الإسلامي والدولي يتعامل مع جرائمه وكأنها أمر واقع، الأمر الذي منح العدو ثقةً مفرطة للتمادي في جرائمه، حتى بات يتباهى بتجاوز كل الخطوط الحمراء، ويمارس العربدة بحق بلدان المنطقة بوقاحة غير مسبوقة، وهذا المستوى من الانحطاط والتدني هو نتيجة للهرولة العربية نحو العدو الأمريكي والإسرائيلي بعد أن تمكنا من زرع الشعور بالعجز والانهزام حتى غدت هذه الأنظمة تبرر خضوعها بحجج "القوة " الإسرائيلية وكأننا أمة لا تمتلك جيوشا تعداده بالملايين وأسلحة كفيلة بمحو الكيان الإسرائيلي في ساعات قليلة.
إن تأثير التخلي عن فلسطين والاستمرار في الخنوع أمام العدو الإسرائيلي، لن يقتصر على مستقبل القضية الفلسطينية وحسب، بل ستمتد نيران الحقد الصهيوني لتعم المنطقة، فالعدو الإسرائيلي يعد العدة، ويسعى بشكل دؤوب لتفتيت الأمة والتحكم بها، وقد نجح في تنفيذ العديد من المخططات بدعم أمريكي غربي، وإذا لم تراجع الأمة سياستها فسنكون أمام سيناريوهات قاتمة.
بينما كان الكيان يشن غاراته على غزة ولبنان، فإنه استمر في ذات الوقت في استباحة الأراضي السورية وتمكن من بسط سيرته على ثلاث محافظات وبمساحة تقدر بضعفي مساحة قطاع غزة بالإضافة لتسريعه من عمليات التوسع الاستيطاني في الضفة والقدس، مع محاولات حثيثة لتحجيم القدرات اليمنية والإيرانية، وذلك ضمن مساره التوسعي على حساب البلدان العربية.
إنّ هذا المخطط الصهيوني الأمريكي، مهما بدا محكماً، يحمل في داخله بذور فنائه، فالأمة لا تزال قادرة على استعادة المبادرة، خاصة وقد قدم الشعب اليمني نموذجا فريدا أكد للعالم أن إرادة الشعوب إذا توفرت استطاعت أن تقلب الموازين، فها هو اليمن بالرغم من وضعه الصعب تمكن من فرض الحظر البحري الكامل على العدو الإسرائيلي واستطاع تطوير أسلحته حتى وصلت إلى قلب الأماكن الحساسة في الكيان الإسرائيلي، كما تمكن اليمن بفضل الله من إجبار الولايات المتحدة على التوقف عند إرادة اليمنيين، تاركة العدو الإسرائيلي يواجه مصيره بمفرده.