جماعة أنصار الله: الخطاب والحركة (دراسة سوسيوثقافية)* (الجزء الثاني)
موقع أنصار الله ||مقالات || بقلم / عبدالملك العجري
المعالم الأساسية للمشروع: الخطاب والحركة
تبلور المشروع الحوثي على إيقاع الحالة الزيدية البائسة، والسجال البيني العقيم والجدل البيزنطي الذي كان من بين عوامل تعثر أبرز مشاريع الإحيائية الزيدية الدينية، والسياسية في العشرية التاسعة من القرن المنصرم، وثانياً: على حال الأمة العربية ككل، خصوصاً في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق، والأسئلة التي أثارها الحدث / الزلزال (أحداث سبتمبر) بخصوص مستقبل المنطقة العربية. واستعادة المسلمين لوحدتهم وهويتهم ومركزهم الحضاري. والهاجس الذي كان يشغل باله كيف يقف المسلمون في وجه زحف صراع الحضارات الهنتنجتوني الذي قادته إدارة المحافظين الجدد الأمريكية؛ لفرض منظومتها السياسية والثقافية والاقتصادية التي تسعى لتعميمها، وفرضها كنموذج وحيد يمثل نهاية التأريخ.
في رده على سؤال (BBC) عن طبيعة نشاطه؛ قال السيد حسين الحوثي: “نحن عبارة عن مجاميع من المسلمين…، ونفى أن يكون ذا طبيعة أو تركيبة حزبية رغم أن التنظيم الحزبي أمر مسموح في البلد”([1]).
وفي محاضرة له يعرّف مشروعه بأنه: “منهج قائم وحركة على أساس القرآن الكريم تترفع عن كُلّ العناوين الخاصة، وتعطي أولوية للقرآن الكريم، وتسير على هديه، وتتحرك في الساحة هذه دائرة قابلة للتوسع؛ لأن كُلّ طرف لا يعتبر أنك تقدم الشيء الذي هو قد ثقف على أساس النفور منه نهائياً، وعندما يراك – أيضاً – بأنك تقيِّم ما لديك ولديه بنظرة واحدة على أساس القرآن، وليس أنك تحاول تؤقلم القرآن على ما لديك من تراث ثقافي وما لديك من ماذا؟ من مرجعيات سواء شخصية أو مرجعيات من الكتب”.
السيد عبدالملك في رده على ذات السؤال قال: “مشروعنا الثقافي الذي نتحرك على أساسه واضح وليس سرياً، وهو ينادي بضرورة العودة إلى ثقافة القرآن الكريم، وتصحيح الوضع السيء القائم لدى الأمة على هذا الأساس باعتبار أن منشأ الخلل ثقافي والتصحيح الثقافي الذي يجعل القرآن الكريم فوق كُلّ ثقافة؛ هو الذي يبني الأمة من جديد، ويصلح الخلل الموجود لدى الجميع، ويربي تربية صحيحة سليمة ويوصل الأمة إلى أن تكون في مستوى مواجهة التحديات التي تواجهها، ويصلح وضعها العام، ويجمع كلمتها، ويوحد صفوفها، ويعيدها إلى الألفة والأخوة الصادقة، ونرى أن كُلّ شؤون الحياة لا تصلح ولا تستقيم إلا باتباع تعاليم الله”([2]).
وفي خطابه له تطرق السيد عبدالملك الحوثي لبعض سمات ما يسميه المشروع القرآني للشهيد القائد، وعد منها كونه مشروعاً نهضوياً ينهَضُ بالأمة، ويقدّم المقومات اللازمة للنهضة بالأمة، وانتشالها من واقع الوهم والضعف والعجز والتخلف([3]).
من خلال مجموع التوصيفات السابقة نستشف هوية الخطاب والمقولات البنائية للخطاب والحركة، ونفترضها كالآتي:
أولاً: يرفض ربط نشاطه أو الكيان الذي سمي فيما بعد (أنصار الله) بأيّ تعريفات سلفية مذهبية أو تعريفات إحيائية معاصرة، سواء الخمينية أو الإحيائية الزيدية أو الشباب المؤمن أو أن الهدف تكوين بديل لحزب الحق أو إضَافَة حزبية لقائمة الأحزاب الوطنية على الساحة اليمنية.
ثانياً: خطاب إصلاحي تجديدي يعتمد الخطاب القرآني مرجعية مركزية لبناء نظام معرفي على أساس سنن الله في الهداية يعيد تصحيح علاقة المسلمين بالنص القرآني، وينفي عنه الغموض والقصور الذاتي في انتاج الدلالة وتقلص دور القارئ (الفقيه، المفسر) إلى أضيق الحدود في تفسير وتأويل النص، بما يعيد للمعرفة الدينية بساطتها ويعالج أزمتنا الفكرية والثقافية والتشريعية والسياسية، وتضع حداً لفوضى الاجتهادات الفردية والتضخم في الحديث والرأي.
ثالثاً: التأصيل للهوية العربية والإسلامية الجامعة، وحمايتها من أشكال التدمير والتشويه التي تتعرض لها بفعل محاولات إحياء الهويات المذهبية والقطرية والجهوية على حساب الهوية العربية والإسلامية الجامعة.
رابعاً: أنصار الله جماعة (منظمة)، وليست (تنظيماً) بلوائح وأنظمة داخلية وبنيات هرمية بيروقراطية، بل نشاط جمعي وتيار شعبي؛ لاستصلاح المجتمع وإعادة ربطه بأصوله وهويته على أساس المنهجية القرآنية، ومن خلال الفعل النضالي الاجتماعي والفكري والسياسي، ولا يرتبط ببرنامج سياسي أو بجماعة سياسية أو مذهبية أو فئوية مغلقة، بل بكل المؤمنين متجاوزاً حدود وهموم المذهب إلى هموم الأمة.
خامساً: خطاب عام موجه مباشرة للمجتمع يعتمد استراتيجية الإصلاح الديني والتغيير الثقافي من الأسفل أو استراتيجية (التحنيف من تحت) بعبارة الخبير الفرنسي في الأصوليات الدينية جيل كيبل.
سادساً: نزعة احتجاجية ممانعة للحرب الكونية الشاملة التي قادتها الولايات المتحدة عقب أحداث سبتمبر بحجة الإرهاب، واستغلالها لفرض العولمة، كمنظومة سياسية وثقافية واقتصادية تسعى لتعميمها وفرضها كنموذج وحيد يمثل نهاية التأريخ.
وبالاسترشاد بالفرضيات أعلاه للدراسة؛ نستعرض هنا جماعة أنصار الله على مستويين:
مستوى الخطاب: ونعني به المنظومة الفكرية والمعرفية التي تحدد هوية الجماعة، وأهدافها كما تضمنتها محاضرات السيد حسين بدر الدين الحوثي التي كان يلقيها على مريديه، وتعد المرشد النظري والحركي لأنصار الله، إضَافَة إلى ما يصدر عن خلَفه في القيادة السيد عبد الملك الحوثي من تعليمات وتوجيهات وخطابات([4]).
مستوى الحركة أو الجماعة: ونعني بها التجلي الخارجي للخطاب بعد أن تتبناه كتلة اجتماعية أو بشرية في صيرورتها المستمرة الحاصلة عن جدل الخطاب والواقع الموضوعي، المجتمع بناه ومؤسساته، صراعاته، ظروفه، مطالبه، أولوياته، ضروراته…. يتبع
******************************************الهوامش*****
*الدراسة كاملة منشورة في العدد الثاني من مجلة مقاربات سياسية تعيد صحيفة صدى المسيرة نشرها على اجزاء
[1] – ينظر: مقابلة الحوثي مع راديو (BBC) في كتاب أنصار الله المشروع والقيادة، يحيى قاسم أبو عواضة، صعدة، مؤسسة الشهيد زيد علي مصلح، ط1، 2014م، ص98.
[2] – صحيفة النهار اللبنانية، 12 نوفمبر 2009م.
[3] – ينظر: خطاب السيد عبد الملك الحوثي بمناسبة ذكرى الشهيد القائد 25 مايو 2014م، الذي تطرق فيه لتوصيف مشروع الحركة.
[4] – المحاضرات التي كان يلقيها على مريديه من (2000- 2004م)، وقد نُقلت معظمها من كاسيتات إلى نصوص بصرية، وصيغ رقمية.