الإعلام والاقتصاد.. سيفان لذبح الشعوب
موقع أنصار الله ||مقالات ||بقلم / أحمد ناصر الشريف
يقولون عن السياسة إنها بلا أخلاق؛ لأنها لا تحمل مبادئَ ثابتةً ولا توجد فيها عداواتٌ دائمة، وإنما مصالحُ دائمة تُبنى على أي أساس كان ليستمرَّ التعاون بين الساسة وتسخيرها للتحالفات المشروعة وغير المشروعة، وتحويل ما كان محرّماً فيها إلى جائز يمكن التعامل معه. وهذه المقولة تنطبق حرفياً على الإعلام الذي أصبح في عصرنا الحاضر سلاحًا ذا حدين يمكن أن يسخّر للخير والشر في آنٍ معاً، وبحسب ما تسيّره رياحُ السياسة، فإما أن يكون عاملاً مساعدًا للبناء أو يتحول إلى معول للهدم والتخريب.
وحتى لا نذهب بعيداً في ضربنا الأمثلة وتأكيدًا لهذه الحقيقة التي لا تقبل الجدل فإننا سنركز على ما يحدث في اليمن وكيف أصبح فيها الإعلام بمختلف توجهاته الفكرية والسياسية بلا أخلاق ولا ضوابط تحكمه أو مهنية يلتزم بها كرقابة ذاتية في ظل غياب القوانين المنظمة لمهنته ينحاز من خلالها إلى قضايا الشعب والوطن.. فعمل على تفكيك ما كان يحتاج إلى ترميم ليزداد الشرخ اتساعاً بين أبناء الشعب اليمني الواحد.. ولو عدنا قليلًا إلى الوراء وبالتحديد إلى ما بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22مايو عام 1990م حيث كان من أهم الشروط التي شكلت رديفًا لقيام الوحدة تتمثّل في تحقيق الديمقراطية والتعددية الحزبية والصحافية وهي المحرمات الثلاث التي كان أبناء الشعب اليمني ممنوعين من التعاطي معها في العهد التشطيري.. ولأنها قامت على انقاض تكميم الأفواه في الشمال والجنوب سابقًا فقد استغلت أبشع استغلال لخدمة قضايا جانبية أغلبها حزبية وشخصية وتصفية حسابات بعيدًا عن خدمة قضايا الشعب والوطن، فولّد هذا التوجه الأحقاد في نفوس اليمنيين ضد بعضهم وعمل على تعبئة الرأي العام تعبئة خاطئة بُنيت على أساس التعصّب للرأي الواحد وعدم القبول بالرأي الآخر وكان من نتائج هذه التعبئة غير السليمة التي ساهم في إيجادها على أرض الواقع من كان بيدهم سلطة القرار إشعال حرب صيف 1994م التي شكلت قشة قصمت ظهر البعير.
ومن يومها تفككت الأسرة اليمنية الواحدة التي كنا نعتقد أنها قد استعادت لحمتها تزامناً مع إعادة تحقيق وحدة اليمن، ولكن بسبب التعاطي الإعلامي غير المسؤول دبّ الخلاف في أوساطها من جديد وسخّر الإعلام بتوجيهات علياء لتعميق شقة الخلافات لإشغال اليمنيين بأنفسهم حتى لا يلتفتوا إلى ما يُمارس ضدهم من ظلم واستبداد وتعددت الرؤى والمنابر الإعلامية الموجهة التي تحولت سوسة تنخر في الجسد اليمني الواحد، وكما هو معروف فإن الإعلام الموجه عادة هو الذي يقوض مكاسب الشعوب ويعمل على تخدير نبضها وسلب إرادتها، فقد سلك الإعلام اليمني هذا الطريق ليصبح تعاطيه مع القضايا الشائكة لا يخرج عن هذا المفهوم ربما تماشياً وخدمة لمخطط إيجاد الشرق الأوسط الجديد الذي بُني على أساس التقسيم الطائفي والمذهبي والنعرات العرقية سعياً إلى تحقيق اتفاقية: (سايس بيكو جديدة) تعمل على تفتيت الشعوب العربية بأيدي حكامها.. وإن كان هذا التوجه الجديد له ارتباط مباشر بالماضي الاستعماري المتفق مع وجهة النظر الصهيونية العالمية التي دائماً ما تركز على ثلاثة عوامل مهمة تستطيع من خلالها السيطرة على مقدرات الشعوب وهي؛ الإعلام والاقتصاد والتكنولوجيا ولأن الاقتصاد والإعلام بالذات هما من يوجه السياسات فإن هذين العاملين المهمين قد أصبحا اللاعب الأساس في حياة الشعوب والأوطان سواء في الدول المتقدمة أو المتخلفة وثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن مَن يستطيعُ إن يُمسِكَ بخيوطهما في يده فإنه القادرُ على التحكّم في مصائر الآخرين.ولو توقفنا قليلاً أمام ما يحدث اليوم في عالمنا العربي كنموذج للتوجه العالمي الجديد لا سيما بعد سقوط منظومة ما كان يُعرف خلال العقود الماضية بالقوميين والاشتراكيين سنجد أن الدول الكبرى المتنافسة على تقسيم دول العالم والسيطرة عليها والتي أرادت خلق وضع آخر يتماشى مع سياساتها في الشرق الأوسط قد وجدت في المارد: (الإسلام) بغيتها فحرّكت ورقة القوى الإسلامية المتشددة ليس بغرض أن الإسلام يحكم، وإنما بقدر ما الهدف من ذلك هو تشويه صورة الإسلام الناصعة وتقديمه للعالم على أنه دين القتل والذبح والإجْـرَام وفي نفس الوقت لتحرق القيادات الإسلامية المتصدرة للمشهد السياسي العربي لا سيما في الدول والشعوب التي شهدت انتفاضات شعبية تصدرها الشباب وأطلق عليها مصطلح: ثورات الربيع العربي وقد استغلت الدول الكبرى وفي طليعتها أمريكا وبريطانيا وإسرائيل تعطّش جماعات الإخوان المسلمين للوصول إلى السلطة دون التفكير في العواقب لتقدم لها المساعدات الممكنة والدعايات الإعلامية لتحقيق هدفها ثم بعد ذلك ساعدت على حرفها عن الطريق الصحيح لتواجه غضبة الشعوب الثائرة ضدها نتيجة لعجزها وفشلها في إدارة السلطة بحكم افتقارها للخبرة الإدارية والسياسية، فكان عمرها قصيرا، حيث تم إقصاؤها من الحكم في وقت قياسي فتساقطت من فوق عروشها العاجية بمجرد تعرّضها لأول هزة شعبية بل وتحولت بقدرة قادر من جماعة حاكمة خلال عام واحد إلى جماعة إجْـرَامية، ودخل قادتها السجون، وما حدث في مصر خير دليل على فشل هذه الجماعات التي كانت تدغدغ عواطف الشعوب تحت يافطة الدفاع عن الدين وتحقيق دولة الخلافة الإسلامية.. وبعضها غلب عليها العناد وعدم الاعتراف بالواقع الذي يرفض سياستها جملة وتفصيلاً فلم يكن أمامها سوى المواجهة وإحداث الفوضى في بلدانها وضياع الدولة كما يحدث في ليبيا.. ولكن يحسب لبعض فروع جماعة الإخوان المسلمين تعقلها وحذرها الشديد من وقوعها في الأخطاء التي ارتكبتها جماعات الإخوان في مصر وليبيا ونعتقد أن أفضل أنموذجين للتماشي مع سياسة الأمر الواقع هما فرعا الإخوان في تونس ولو أن هذا التعقل قد جاء متأخرًا لتجنّب ما حدث في مصر وليبيا واليمن وكذلك ما يحدث في سورية والعراق.