عاصفة تفكيك السعودية !

القرارات الاستراتيجية للدول لا ينبغي أن تتخذ جزافا، لأن الفشل الناجم عنها لن يتوقف عند حدود معينة، وقد يرتد سلبا على صاحبها. ومع ذلك يبدو أن النظام السعودي قد جازف بقرار العدوان على اليمن دون دراسة كافية للتداعيات والمآلات التي ستقود إليها ” عاصفة الحزم ” في منطقة ملبدة بحروب للرياض دور مباشر فيها.
من الواضح أن السعودية وغيرها من الدول الخليجية والعربية باتت تراهن على تقارير وتحليلات الفضائيات العربية الشهيرة، والتي هي في الأساس من صنع هذه الأنظمة. ولم يفقه حكام الخليج أن هذه الفضائيات ووسائل الإعلام الشبيهة لها باتت تقدم المواد الإعلامية وفقا لما يحب أن يسمعه أو يراه الممولون لها، وإنها برغم إمكاناتها الضخمة لم تصل إلى مستوى مراكز الخبرة التي يستعين بها رجال السياسة والقرار عند تقدير المواقف واستكناه السيناريوهات المستقبلية.
سيدرك النظام السعودي عما قريب أنه وقع في فخ كبير، نتيجة للتضليل الذي تلعبه قناتا العربية والجزيرة. وحينما يحاول أن يستدرك الأمر سيجد أنه تأخر كثيراً.
لم تستوعب السعودية المتغيرات الحقيقية التي شهدتها اليمن خلال الأشهر الماضية. فبعد أن خسرت كل أوراقها التي أنفقت عليها على مدى خمسين عاما، كان عليها أن تعيد قراءة المشهد اليمني الجديد بعيدا عن تهويل الإعلام المضلل، وأن تنسج خيوط التفاهم والتقارب مع القوة السياسية الصاعدة بدلاً من استعدائها ومحاصرتها.
في ظل سيطرة الوهم أن صنعاء غدت ملحقة بطهران، سيطر على أذهان القيادة السعودية وهم آخر مفاده أن اليمن المضعضة سياسيا واقتصاديا وأمنيا يمكن تأديبها بحرب خاطفة وإعادتها إلى بيت الطاعة السعودي، كما كانت عليه لعقود طويلة.
وكان عليها قبل المغامرة بقرار الحرب والعدوان أن تعيد قراءة أسباب الانتصارات العسكرية السريعة التي حققها الجيش واللجان الشعبية اليمنية في جبهات القتال، فما أمكن إنجازه على الأرض اليمنية يمكن إنجازه أيضا في المواجهات البرية على الحدود السعودية. والدليل على ذلك أن تنظيم “داعش” المسنود سعوديا تمكن في وقت قياسي من السيطرة على ثلتي الأراضي العراقية، وكاد أن يسيطر على العاصمة بغداد. وأنه برغم إعلان تحالف من 40 دولة لإيقاف داعش، إلا أن النتائج ما تزال متواضعة. وهذا يعني بداهة أن نتائج عاصفة الحزم ستظل متواضعة في اليمن ما لم يعقبها تدخل بري!
التدخل البري هو الآخر لم يدرس بعناية، فقد توهمت السعودية أن القوى العميلة لها في الداخل ستستعيد توازنها، بالاستفادة من غطاء الطيران، إلا أن الجيش واللجان الشعبية اليمنية واصلت تقدمها في مختلف الجبهات، وباتت مستعدة لخوض المواجهة البرية على حدود المملكة مستفيدة من تجربة الحرب السادسة في 2009، التي منيت فيها الرياض بخسارة كبيرة.

السعودية أيضا لم تقرأ قبلاً مفاعيل ارتدادات عاصفة الحزم على أمنها واستقرارها، وتجاهلت إلى حد كبير مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تعمل عليه الإدارة الأمريكية منذ ما بعد احتلال العراق في 2003، وهو المخطط الذي يسعى إلى تأمين الكيان الصهيوني من خلال تفكيك وتقسيم الدول العربية بما فيها مصر والسعودية.

خطوة العدوان على اليمن تدل على أن الرياض لا ترى ما حولها إلا بعين واحدة، فنجدها مهووسة بما يسمى الخطر الفارسي، ومستريحة تماما للمشروع الصهيو أميركي في المنطقة، متناسية أن تل أبيب نفسها كانت تعترض علنا على تسليح السعودية رغم التطمينات الأميركية. ومغزى الخوف الاسرائيلي أن تطوير الجيش السعودي قد يشكل خطرا على الكيان الصهيوني، إذا تغيرت سياسات المملكة مستقبلاً.
وبالفعل فإن تشكل تحالف عربي بهذه السرعة تحت قيادة السعودية، قد أثار تساؤلاَ كبيرا في الشارع العربي عن أسباب عدم تفعيل هذه القوة في وجه الكيان الصهيوني، وعندما كانت غزة تستغيث فلا تجد مجيباً!

وإذ نعرف أن تأمين اسرائيل يتطلب تحجيم قدرة الجيوش العربية، كما حصل في العراق وسوريا، وكما يخطط له في مصر، فلعل الجيش السعودي قد بات مطلوبا هو الآخر، ضمن سيناريو أمريكي لم يندرج في حسابات حكام الرياض.

وبالمحصلة وعما قريب ستكتشف السعودية، أنها بعدوانها على اليمن قد فتحت بلادها أمام سيناريو الانقسام والتشظي داخل الأسرة السعودية الحاكمة، ما سيعجل بتفكيك وتقسيم المملكة نفسها.

وبالنسبة لليمن فلا شك انه سيخرج منتصرا ، موحدا ، ومتجاوزا سيناريوهات التقسيم والحرب الأهلية التي يدفع لها وإليها حكام الخليج!

قد يعجبك ايضا