أمريكا تتخبَّط بين القوة والدبلوماسية: لماذا الإصرار على الأحادية الدولية؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||الوقت التحليلي
تتسارع التطورات فيما يخص شبه الجزيرة الكورية. وهو ما جاء بعد التوتر بين أمريكا وكوريا الشمالية. حيث أجرت بيونغ يانغ عرضاً للمرة الأولى لصواريخ باليستية تُطلق من غواصات، ولحق ذلك عرض عسكري ضخم بذكرى مرور 105 أعوام على ميلاد الأب المؤسس للجمهورية الكورية. حصل ذلك عُقب إرسال واشنطن لمجموعة سفن عسكرية من بينها حاملة طائرات مقابل كوريا، الأمر الذي اعتبرته كوريا استفزازاً. لكن خيارات الدول فيما يخص الملف الكوري الشمالي محدودة ومعقدة. ففي وقتٍ تتفق فيه روسيا والصين مع الجانب الأمريكي بخطورة سلوك بيونغ يانغ، إلا أنها تسعى لتعزيز الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة، ومنع أمريكا من خطواتٍ أحادية، يبدو أنها باتت تُميِّز سمة العهد الأمريكي الجديد. فكيف تُساهم أمريكا في صناعة التوتر الدولي؟ وكيف تُخطئ في خياراتها الأحادية الجانب؟ وهل تتخبَّط أمريكا بين خيارات القوة والدبلوماسية؟!
إمريكا تُساهم في صناعة التوتر الدولي؟!
عدة نقاط مهمة يمكن استنتاجها حول التوجهات الأمريكة الجديدة والتي ظهرت خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي “مايكل بانيس” الى كوريا الجنوبية، والمواقف التي أطلقها. وهي على الشكل التالي:
أولاً: إعلان كل من نائب الرئيس الأمريكي والرئيس الكوري الجنوبي تعزيز جاهزية التحالف بين الطرفين، بما يتناسب مع التهديدات التي تمثلها كوريا الشمالية. وهو ما يتضمَّن تعزيز عمل 28500 جندي أمريكي في كوريا الجنوبية، يراقبون عن كثب خطوات بيونغ يانغ!
ثانياً: قررت واشنطن تعزيز أمن حلفائها الإقليميين وذلك عبر خطوة نشر منظومة “ثاد”، ما يعني توجه واشنطن نحو خيار استفزازي لكل من الصين وكوريا الشمالية. وهو ما يُظهر وجود سياسة مخالفة لما سبق وأعلنه الرئيس الأمريكي وبالتالي سيُساهم ذلك في رفع منسوب التوتر في شبه الجزيرة الكورية.
هل تُخطئ واشنطن في خطواتها الأحادية؟
بناءاً للتوجه الأمريكي، يمكن تحليل سلوك الأطراف الدولية كافة، وكيفية تعاطي الصين وروسيا كردٍ على هذا السلوك كما يلي:
أولاً: تمارس واشنطن سياسة اللعب على وتر الخلافات بين الصين وجيرانها لا سيما كوريا الجنوبية. حيث تتغزل واشنطن بمساعي الصين لكبح كوريا الشمالية لكنها تُعبِّر في الوقت نفسه عن تخوفها من الخطوات التصعيدية الصينية تجاه كوريا الجنوبية بسبب تقربها من واشنطن لا سيما عبر الحصار الإقتصادي. وهو ما سيجعل مشكلة كوريا الشمالية أكثر تعقيداً كون واشنطن تستغلها لعدة مآرب تتخطى تحقيق السلام الدولي.
ثانياً: استفزت تصريحات نائب الرئيس الأمريكي حول اعتبار الأعمال العسكرية الأخيرة في كل من سوريا وأفغانستان مثالاً للحزم الأمريكي تجاه الدول، كل من الصين وروسيا. كما أن الكلام عن الإنتقال من سياسة الصبر الإستراتيجي في تعاطي أمريكا مع كوريا الشمالية الى سياسة الصفعة العسكرية أي إعتماد خيارات عسكرية، هو من الأمور التي لاقت سخط كل من الصين وروسيا.
ثالثاً: عززت واشنطن من خطواتها الأحادية والتي تدفع نحو التوتر عبر نشر منظومة “ثاد”، الأمر الذي يلقى رفضاً صينياً. ومن المعروف أنه يوجد تعاون صيني روسي ضد توجهات أمريكا في المنطقة. وهو ما دفع موسكو للمسارعة عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف، للإعلان عن تمني موسكو عدم تحرك أمريكا بشكل أحادي لتسوية مشكلة برنامجي كوريا الشمالية البالستي والنووي، كما فعلت في سوريا وأفغانستان.
رابعاً: يبدو واضحاً وجود توجه صيني وروسي مشترك لحل الأزمة الكورية بالسبل الدبلوماسية ودفع واشنطن نحو ذلك. وهو ما برز من خلال دعوتها لعدم انتهاك القانون الدولي من خلال استخدام القوة والعمل على ضبط النفس ومواصلة الجهود الدولية لتسوية الأزمة.
أمريكا تتخبَّط بين القوة والدبلوماسية
عدة تحليلات يمكن الخروج بها نُشير لها في التالي:
أولاً: على الرغم من محاولة أمريكا الترويج لسيناريو الضربة العسكرية تجاه بيونغ يانغ، فإن ذلك ينطوي على مخاطر كبيرة ليست في صالح أمريكا خصوصاً أن الطرف الكوري الشمالي لم يُثبت عقلانيته حتى الآن، بل يمكن أن يأخذ خطوات عسكرية مضادة لن يكون أحد بمنأى عن آثارها وتحديداً الصين وأمريكا.
ثانياً: يبدو واضحاً أن الصين وأمريكا يُدركان هذه الحقيقة، وبالتالي هناك مساعي للتواصل بين الإدارتين. لكن هناك مشكلة في السلوك الأمريكي تجاه الصين، ففي وقت تتعامل فيه أمريكا مع الطرف الصيني بشكل مُستفز وغير لائق، حيث تدعوها للتنسيق من جهة، تخالف رأيها عبر نشر منظومة “ثاد”.
ثالثاً: تزداد قناعة واشنطن بالحاجة لبكين لحل القضية الكورية. وهو ما عبَّر عنه المفاوض الأميركي السابق بيل ريتشاردسون، وعززه أيضاً الإتصال الذي جرى منذ يومين بين وزير الخارجية الصيني ونظيره الأميركي. ما يعني القناعة بأن الإستقرار في شبه الجزيرة الكورية وبحر الصين الجنوبي يعتمدان على كيفية إدارة أمريكا والصين للعلاقة بينهم. في حين يبدو واضحاً التناقض الأمريكي بين استخدام الدبلوماسية والقوة!
رابعاً: ترفض روسيا والصين الخيارات العسكرية وتسعى الى رفع منسوب الجهود الدولية فيما يخص الصراعات في شبه الجزيرة الكورية في ظل محاولة لإفهام أمريكا أن سياسة استفزاز الصين والضغط عليها لفرض عقوبات وإقناع كوريا الشمالية بتغيير مسارها، لم تعد تُجدي نفعاً. في حين باتت تؤمن الأطراف الدولية بتقديم تنازلات قد تخدم حل الصراع بشكل دبلوماسي.
إذن يخيِّم الغموض على الملف الكوري. فيما تسعى الدول لنسج معادلات التوازن التي تحتاج لحكمة يفتقدها الأمريكي وقدرةٍ على صنع معادلاتٍ تُثبِّت الإستقرار، لا يبدو أنها جاهزة. وبين خيارات القوة والدبلوماسية تتخبَّط الدول الكبرى وفي مقدمتها واشنطن.