إضراب الكرامة: أمعاء خاوية أم عروش إسرائيلة خاويّة؟

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||الوقت التحليلي :  إضراب الكرامة، ثورة من نوع آخر. الانتفاضة الجديدة التي أشعلها الأسرى في سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي، لاقت ترحيباً وتأييداً شعبياً حاشداً على كافّة الأراضي الفلسطينية، وذلك رفضا للظلم وتنديدا بالممارسات الصهيونية ضد حقوق الأسير من قبل السجان الإسرائيلي.

 

لم تكن معركة الأمعاء الخاوية الأولى من نوعها، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، ففي العام الماضي نجح الأسير الشيخ خضر عدنان في معركة الأمعاء الخاوية بعد55 يوماً من الصمود والمواجهة بسبب الاعتقال التعسفي الذي تعرّض له تحت مسمّى “الاعتقال الإداري”.

 

المفارقة القائمة في الانتفاضة الجديدة تتعلّق بالشكل والمضمون. ليست بفرديّة، بل هناك أكثر من 1500 أسير فلسطيني يشاركون الأسير مروان البرغوثي في الانتفاضة الجديدة، وقد نجح هؤلاء فيما يعجز عنه حلفائهم خارج السجن، أقصد فتح وحماس والجهاد الإسلامي. أي أن المتضامنين مع الأسير البرغوثي المسجون منذ حوالي 15 عام هم من كافّة الفصائل الفلسطينية، كيف لا وعدوهم واحد “السجّان الإسرائيلي”!

 

واللافت أيضاً أن إضراب الكرامة قد كسر أقفال السجون، ووصل إلى كافّة الأراضي الفلسطينية التي تشهد، اليوم الخميس، إضراباً شاملاً نصرةً للمضربين عن الطعام لليوم الحادي عشر على التوالي.

 

إن الانتفاضة الجديدة تحمل رسائل عدّة، للداخل والخارج على حدّ سواء. رسائل تبدأ ببقاء قضيتهم الكبرى أي القضية الفلسطينية حيّة طالما هناك احتلال على الأراضي الفلسطينية، ولا تنتهي برفضهم لكل محاولات التطبيع والهرولة العربية التي لا تعيرهم أي اهتمام يذكر، فهم لم يدخلوا السجن إلا لأنهم أردوا العيش بعزّة وكرامة، ولن يخرجوا منه إلاّ كذلك. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى الآتي:

 

أولاً: تحمل هذه الانتفاضة مخاوف إسرائيلية من ناحية، وفلسطينية من ناحية أخرى. وتحديداً فتحاوية، وبالأخص من قبل رئيس السلطة محمود عباس. المخاوف الإسرائيلية خشية أن تؤدّي انتفاضة السجون إلى انتفاضة في الضفّة الغربية، وهذا ما يفسرّ المحاولات الإسرائيلية للقمع، فقد كشف رئيس هيئة شؤون الأسرى، عيسى قراقع، اليوم الخميس أن “الاحتلال اتخذ عددا من الإجراءات التعسفية بحق الأسرى، منذ اليوم الأول للإضراب، مشيرا إلى أن ذلك لن يثنيهم عن مواصلة إضرابهم”.

 

ثانياً: وأما فيما يتعلّق بعباس، فإن من يقود الإضراب هو أحد أبرز قياديي حركة فتح وعضو لجنتها المركزية مروان البرغوثي، الأمر الذي سيجعل شارع الضفّة أمام فعاليات مقاومة لا يحبّذها عباس، ويُفترض به مواجهتها وفق التنسيق الأمني، أي أنّه سيقع في مواجهة مع أهل الضفّة، كما يفعل اليوم مع أهالي غزّة عبر الرواتب والكهرباء وغيرها من الأمور الحياتيّة.

 

ثالثاً: يعدّ البرغوثي من المنافسين الأساسيين لعباس في الداخل الفلسطيني وقدّ حذّرت العديد من وسائل الإعلام من تدويل قضيّة البروغوثي التي ستعزّز من شعبيته في الداخل الفلسطيني، وربّما يحصل معه ما  حصل من قائد حركة حماس في غزّة الذي خرج من سجون الإحتلال يحيى السنوار. لا نستبعد خروج بعض ضبّاط التنسيق الأمني عن قرار عبّاس بقمع أو مواجهة أي تحرّك، ولعل هذه الخطوة قد تكون مقدّمة لزعزعة هذا “المقدّس” لدى عباس.

 

رابعاً: ما يقلق الكيان الإسرائيلي اليوم تحوّل المواجهة من فرديّة إلى جماعيّة، ففي المرات السابقة كانت المواجهة تقتصر على أعداد قليلة لا تتجاوز أصابع اليد إلاّ بقليل وفي بعض الأحيان، ولكن ما يحصل اليوم هو مبادرة انتفاضة جماعية جعلت من السلطات الإسرائيلية في عنق الزجاجة غير قادرة على الخروج خاسرة، ولا تستطيع الوقوف مكتوفة الأيدي أو الضغط أكثر خشية الانفجار. ليبرمان دعا إلى عدم التفاوض مع الأسرى حتى يموتون كما حصل في إيرلندا عام 1981، إلا أن هذه الدعوة لاقت أصوات إسرائيلية معترضة، ليس حبّاً بالأسرى، بل خشية العواقب الوخيمة.

 

خامساً: إن لسان حال الأسير الفلسطيني اليوم هي فلسطيّن قضيّة ومقاومة وعبارته “المقاومة تجمعنا”، ولو قدّر لهم أن يكتبوا جميعاً عبارةً واحدة للفصائل الفلسطينية كافّة كانت: لما أنتم متباعدون تجمعنا فلسطين والمقاومة تجمعنا. ولكن، للأسف فإن كبرى الفصائل الفلسطينية اليوم منشغلة بقضايا لا تمتّ إلى “القضيّة” بصلة، ولى حتى بإضراب هؤلاء، بل بتصفية الحسابات السياسة الداخلية التي تثلج قلوب السياسيين الإسرائيليين والسجانين أيضاً.

 

سادساً: يحاول عبّاس إفشال الإضراب بصورة غير مباشرة عبر افتعال هجمة سياسيّة جديدة على حماس بغية لفت الأنظار وتقزيم الدعم السياسي والشعبي للإضراب، إلا أن فشل المحاولات الإسرائيلية، أي عدم انكسار إرادة الأسرى، يعني أن عباس والإسرائيليين سيكونون أمام مأزق قد يدفعهم لافتعال سيناريو وساطة من قبل عبّاس مع الحكومة الإسرائيلية بغية تقليل حجم الخسائر وعدم إضعاف عباس داخليّاً لصالح البرغوثي. البعض سيرى في خطوة عباس المتأخّرة تصرّفاً وطنيّاً مقاوماً، رغم أنّها العكس تماماً.

 

قد تقف حدود الانتفاضة هذه بانتصار الأسرى في معركتهم، وقدّ تتعدّاها لمعركة “عروش إسرائيلية خاوية” خارج  السجون عبر انتفاضة جديدة شاملة طال انتظارها. لم تخسر معركة الإرادة في يوم من الأيام. ولعل تجربة الشيخ خضر عدنان الفردية خير دليل على ذلك، فكيف إذا كان الأمر جماعي؟ وكيف إذا حصلت مؤازرة شعبيّة ورسميّة واسعة؟

قد يعجبك ايضا