الحقد الملكي والغباء السياسي
لم تكن الأحداث السياسية والعسكرية رغم بشاعتها من قبل الجارة الجائرة وليدة اللحظة ، ونظراً إلى أهمية موقع اليمن. وبنيته القبلية والدينية والفكرية والجغرافية وحكم الجوار الملاصق بحدوده الممتدة بشريط يزيد على 2000كيلومتر حيث اعتمدت المملكة سياسات لم تكن في غالبيتها بناءة ولا تصبّ بمجملها في صالح الشعب اليمني والمنطقة.
اتضحت السياسة السعودية تجاه اليمن والسعي السعودي الحثيث إلى إرساء تبعية يمنية كاملة لها والتعامل مع الشعب اليمني تعاملاً «فوقيا”. وبنظرة دونية وهذا خطأ استراتيجي تترتب عليه تبعات كبرى لا تزال تعاني منها.
وفي الوقت الذي كان يُفترض أن تسعى السعودية إلى استقرار الأوضاع في اليمن، إلا أنّ المملكة بنت سياستها طوال العقود الماضية وفق ثابتة أن يظلّ اليمن ضعيفاً ومنقسماً ومتوترا بل عززت الشرخ الاجتماعي وأذكت روح المناطقة والمشيخية وعملت على شل ما من شئنه حكومة مركزية قوية قد تشكل يوماً ما مصدر خطر على السعودية. ولعلهم اعتمدوا استراتيجيتهم العدائية لليمن وفق المأثور من وصية والدهم الملك عبد العزيز وهو على فراش الموت بأنّ عليهم «أن يحاذروا من يمن موحّد، فهذا خطر عليهم وعلى المملكة التي سيرثوها من بعده، وأنّ عليهم أن يتذكروا دائماً أنّ ضمان رخائهم مرهون ببؤس اليمن». وبالتالي يترتّب على هذه السياسة توفير أرضية خصبة في اليمن للإرهاب وإيجاد فراغ تملؤه التنظيمات الإرهابية المسلحة كتنظيم «القاعدة».
السياسات السعودية خلال السنوات الأربع الماضية في مقاربة الحركة الشعبية اليمنية، خصوصا أبان ثورة 11من فبراير 2011م وسعيها الحثيث في الالتفاف على الثورة وإيصال حزب الإصلاح الإخوانية إلى سدت الحكم مع الاحتفاظ بهادي عبدربه كورقة لتمرير المؤامرات سنجدها امتداداً للسياسات التي تبنّتها السعودية حيال سائر الانتفاضات العربية، حيث شعرت المملكة بالتهديد من قبل الجماهير التي كانت تطالب بالتغيير الديمقراطي. فأخذت المملكة على عاتقها مناهضتها، مستخدمة ثروتها النفطية لضمان عودة اليمن إلى وضعه السابق. وهذه تكفلت بها المبادرة الخليجية. وبذلت السعودية جهوداً ضخمة لدعم الحكومات وبعض الشخصيات المحسوبة عليها في اليمن متحدّية الإرادة الشعبية.
رهان المملكة على شخصيات سياسية في اليمن دون الأخذ في الحسبان مطالب الشعب اليمني. وأبرز نموذج على هذا الخطأ هو الرهان السعودي على عبد ربه منصور هادي الذي يفتقر إلى الشعبية لدى الجمهور اليمني بعدما فشل في تقديم نفسه كحامل لواء مشاريع العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن والشراكة في السلطة، كما أنه وعلى الرغم من عودته إلى الجنوب، الذي يُعتبر الحاضنة الشعبية له نظرياً لكونه مسقط رأسه أصلاً، إلا أنه لم يتلقى أدنا ترحاب من أبناء جلدته نظرا لسابقاته والتي تعد جرما وخيانة في تاريخ الجنوبين على المستويين الشعبي والسياسي بل مكوّنات المجتمع الجنوبي بكلّ فئاته وأطرافه وقبائله وتوجهاته، مع الأخذ في الاعتبار أنّ هادي هو الذي غزا الجنوب عام 1994، سنجد أنّ هناك مشاكل كبيرة تراكمت خلال سنوات بين هادي وبين الفصائل الجنوبية التي يُعتبر بعضها من دعاة الانفصال. وهذا يعطي مؤشرا واضحا أن من يقاتل الجيش واللجان الشعبية في الجنوب هي مجاميع من القاعدة تحتضن غرفت عملياتهم المملكة حيث كان الأنزال المظلي وإمدادهم بالأسلحة دليلا قاطعا بالجهة التي تسعى إلى خراب اليمن .
ما يرتكبه العدوان السعوا ريكي من سفك لدماء اليمنين قضى على كل الآمال المتبقية فلم يعد في قاموس اليمنين مجال للحديث الدبلوماسي مع جار يفتقر إلى ابسط مقومات الجار المسلم
ما هو بحاجته اليمن اليوم إلى إدارة سياسية مشتركة تتمثل فيها جميع الأطراف السياسية، ويمكن إيجادها في ظلّ حوار وطني صريح وشامل وتعاون بين الأطراف. بعيدا عن السعودية وعاصمتها وبعيدا أيضا عن السياسيين الذين رهنوا وطنيتهم وابتاعوا شرفهم في سوق نخاسة ملوك النفط.
استقرار الحكم في اليمن يحصل فقط عبر التوافق والشراكة بين أبنائه جميعاً ولا يمكن لأيّ فريق أن يحكم اليمن بمفرده ولا أن يحتكر السلطة ويقصي غيره.