العودة الأميركية الى الشرق الاوسط

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||سركيس ابو زيد / العهد الاخباري

 

الحرب على الإرھاب التي أعلنتھا إدارة ترامب ليست سوى جزء من الخطة التي تعمل من خلالھا على إعادة تثبيت الدور الأميركي في ملفات العراق وسوريا واليمن، ومحاولة الحد من التمدد الروسي والنفوذ الإيراني في المنطقة. والضربة الأميركية المباشرة على سوريا فتحت الباب على أسئلة وتأويلات حول استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة تجاه الشرق الأوسط.

 

 

 

فقد مثلت الضربة الجوية الأميركية على مطار الشعيرات السوري عملياً بدء الرئيس دونالد ترامب مزاولة أعماله كرئيس فعلي للولايات المتحدة، وإعلانا بعودتھا للعب دور شرطي العالم، ورسالة واضحة بشأن الخطوط الحمراء التي يغامر من يتجاوزھا بمواجھة القوة العسكرية للدولة الأقوى في العالم.

 

فإدارة ترامب تعمل على تطوير استراتيجية سياسية وعسكرية بالنسبة إلى سوريا ترتكز على محاربة “داعش”، لكن، في الوقت نفسه، تطوير أولوية الدفع بالانتقال السياسي وإعادة طرح مصير الرئيس الأسد على الطاولة تحت عنوان التفاوض على المرحلة الانتقالية في الحكم، بالتوازي مع أولوية القضاء على “داعش” بإنھاء وجوده في الرقة بعد الموصل.

 

وھكذا تكون ھذه الضربة مدخلا لكي تفاوض الولايات المتحدة روسيا من موقع القوة حول أي خطة مستقبلية لمعالجة الأزمة في سوريا، مع التشديد على ضرورة تقليص وإخراج الدور والنفوذ الإيراني من سوريا.

 

كما كانت الضربة بمثابة “البروفا” المشجعة للدول التي قد تشترك في حماية المناطق الآمنة بعد إقامتھا في سوريا، وتكون الولايات المتحدة قد وضعت المدماك الأول في المناقشة التنفيذية لكيفية إنشاء ھذه المناطق مع حلفائھا وتحميلھم تبعات ذلك كل بحسب مسؤولياته.

 

لكن، الضربة لا تشكل حتى الآن خطوة في سياق سياسة واضحة للإدارة الأميركية الجديدة. فثمة موقفان في صفوفھا لم يلتقيا على رؤية واحدة بعد الموقف الأول: ھناك من لا يزال يتمسك بأن الحرب على الإرھاب لا تزال أولوية، تليھا مواجھة النفوذ الإيراني في سوريا والإقليم كله. وھو أمر قد يتحقق إذا نجحت الحملة لتحرير الرقة وأثمرت قيام إقليم كردي في شمال سوريا وشرقھا على غرار كردستان العراق يكون حليفا للولايات المتحدة ويوفر لھا قواعد يمكن عبرھا قطع الجسر الذي يربط الانتشار الإيراني في كل من العراق وسوريا ولبنان تالياً.

 

أما الفريق الآخر فيعتقد أن لا بديل جاھزاً لخلافة الرئيس الأسد. لذلك يخشون أن تعم الفوضى وتنھار المؤسسات، وأن تتفاقم الحروب الأھلية بين المكوّنات السورية على غرار ما حصل في العراق.

 

أما الروس فبعد ھجوم الشعيرات سيأخذون في الحسبان عاملين أساسيين:

 

الأول، وقف الاندفاعة الأميركية على الأراضي السورية من خلال مواقف رادعة.

 

والثاني، إبقاء المجال مفتوحا أمام تسوية سياسية. روسيا تأخذ في الحسبان أن ما جرى ربما يعود في الأساس إلى صراعات داخل الإدارة الأميركية، سواء كان قرار القصف قد جاء نتيجة ضغوط من جانب النخبة العسكرية، أو أن الأمر حركة التفاف من ترامب على خصومه الداخليين، في ظل تصاعد الانتقادات المتزايدة لسياسة التقارب التي روّج لھا مع الجانب الروسي.

 

الخبير الاميركي في شؤون الشرق الأوسط والدبلوماسي السابق دينيس روس يقول: “إنه لا تزال ھناك لحظة لممارسة الدبلوماسية الھادئة مع الجانب الروسي الآن. فالجانب الروسي قد أطلق يد الرئيس الأسد للتصرف كما يشاء. لذلك، إذا ما رغب الجانب الروسي في العثور على وسيلة لاحتواء الصراع، فسوف تكون الولايات المتحدة شريكا في ذلك. وإن كان العكس ھو المراد، فسوف تزداد التكلفة كثيرا على روسيا”.

 

وفيما يخص إيران فهي تشكل تحديا كبيرا لمصالح الولايات المتحدة وحلفائھا وشركائھا في الشرق الأوسط. فعلى مدى أربعين عاما، تمكنت من إنشاء قوس نفوذ يمتد من لبنان وسوريا، الى العراق والبحرين، إلى الخليج واليمن على البحر الأحمر. لذلك فإن ما تخطط له أميركا الآن ھو استراتيجية شاملة ومتكاملة ومستدامة لمجابھة ھذا النفوذ من خلال:

 

–      التنفيذ الصارم للاتفاق النووي الإيراني، فبرغم الانتقادات القوية للاتفاق النووي، إلا أن الاتجاه العام ھو رفض الانسحاب من الاتفاق، لأنه اتفاق دولي، وأي انتھاك له سوف يضر بعلاقات واشنطن مع الاطراف الآخرين الموقعين له ومنھم فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين.

 

– دعم الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي والقوات المسلحة العراقية في الحملة الرامية لاستعادة السيطرة على مناطق الموصل، وألا يسمح للميليشيات التي تدعمها إيران بملء الفراغ.

 

– تعزيز حل سياسي للحرب الأھلية في اليمن: وذلك من خلال تكثيف الدعم العسكري للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في حملتھما العسكرية الطويلة التي بدأت قبل عامين في اليمن. غير أن ذلك لن يكون له معنى ما لم يقترن الحل باستراتيجية دبلوماسية لإنھاء الحرب.

 

– الحد من النفوذ الإيراني في سوريا: ستكون ھذه مھمة صعبة ومعقدة، لأنه لا الأميركيون ولا الروس لديھم الإرادة أو القدرة على تحقيق ھذا الھدف في ظل الظروف الراھنة.

 

– تنسيق قدرات الحلفاء الإقليميين في إطار أمني إقليمي تشارك فيه جميع الأطراف: تركيا ودول الخليج ومصر لتحسين تعاونھا مع “إسرائيل”.

 

وضمن هذا الاطار جاءت زيارة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس مؤخراً الى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليشرح لهذه الدول أن أميركا داعم مستمر لحلفائھا في المنطقة، وأن ترامب يسعى لرأب الصدع الذي خلفه أوباما.

 

كما أتت لتؤكد أن واشنطن تولي أھمية كبيرة للقاھرة وتراھا شريكا أمنيا حاسما في المنطقة، وتعد المطبخ الأميركي للتقريب بين “إسرائيل” والفلسطينيين، ومحاولة التوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين.

 

من الواضح أن ترامب يضع إستراتيجية متكاملة لمنطقة الشرق الأوسط، وھناك اعتقاد بأن الانقلاب على سياسات أوباما بدأ، فھل ارتسمت معالم ورؤية أميركية واضحة تقارب ملفات المنطقة؟ لننتظر نتائج زيارة ترامب الى السعودية و”اسرائيل” قريبا.

قد يعجبك ايضا