النزعة العسكرية للدول الخليجيّة: هل تنعكس داخليّاً؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي- يتّجه المشهد الخليجي نحو العسكرة شيئاً فشيئا. ورغم أن بعض دول مجلس التعاون تنأى بنفسها عن هذا النهج، إلا أن الثنائي الصاعد، الإمارات وقطر، إضافةً إلى السعودية قطعوا أشواطاً على هذا الصعيد.
في الآونة السابقة، عملت هذه الدول على محاولات نقل جيشها الكلاسيكي من هيكلية الشرطة، إلى أبعد من ذلك عبر صفقات السلاح التي فاقت مئات المليارات من الدولارات، لتحتفظ هذه الدول بترسانات عسكرية ضخمّة، تتضمّن أحدث أنواع الأسلحة والطائرات.
إلا أن تطوّرات المنطقة منذ بدء ما يسمى بالربيع العربي، ووصول طواقم جديدة إلى الحكم، قطر والسعودية، عزّزت من النزعة العسكرية لهذه الدول الأمر الذي أوعزه لبعض لحماسة الشباب لدى هذه القيادات الجديدة، تميم وبن سلمان.
ولعل معالم النزعة العسكرية تمثّلت على أكثر من صعيد، ففي حين دخلت السعودية في حرب واسعة على اليمن، وحاول بن سلمان إيجاد التحالف العسكري، عزّزت قطر من تعاونها العسكري مع تركيا، في حين أن الإمارات لعبت دوراً رئيسياً في العدوان على اليمن، إضافةً إلى بصماتها الواضحة في الملف الليبي عبر دعم المشير خليفة حفتر.
لكنّ هذه الدول قد أدركت ضرورة اللجوء إلى لاعب إقليمي أو دولي يشكّل سنداً وغطاءً لها، أمام أي تحدّي قد يعترضها. قد يكون من المفيد التطرّق إلى كل دولة على حدى لفهم استراتيجيتها العسكرية، لنخلص في الخاتمة إلى الرابح والخاسر من هذه التطوّرات.
السعوديّة: تتصدّر السعودية مسابقة العسكرة الخليجية في دول مجلس التعاون، ولعل وصول محمد بن سلمان إلى وزارة الدفاع في عهد أبيه، عزّز من هذه النزعة العسكرية، التي موّلها من مجلس الشؤون الاقتصاديّة الذي يترأسه في المملكة. السعودية تعيش اليوم ارتباك الاعتماد على نفسها أو الاستقواء بالغير كما فعلت في اليمن، وبالتالي حاول بن سلمان استخدام استراتيجية ثنائيّة تمثّلت في التحالف العسكري الإسلامي الذي عيّن بن سلمان الجنرال الباكستاني المتقاعد رحيل شريف قائداً له من ناحية، وتوقيع اتفاقَ دفاع مع باكستان واستخدمته قبل نحو شهرين من خلال استقدام 4 كتائب لحراسة الحدود اليمنية من ناحية أخرى. ولعل السعودية من خلال تعيين الجنرال شريف، تسعى لجذب باكستان التي رفضت التدخّل برياً في العدوان على اليمن نحوها بشكل أكبر، ولكن مراقبين يستبعدون حصول الرياض على ما تريده من باكستان لأسباب تتعلّق بالأمن القومي الباكستاني من ناحية، وطبيعة المهمات التي تريدها الرياض من ناحية أُخرى، والتي حاولت السعوديّة الالتفاف عليها عبر اتفاق الدفاع المشترك. هنا لا يمكن التغافل عن الاستقواء السعودي بالجانب الأمريكي الذي ينتهز هذه الفرصة لتحقيق مكاسب اقتصاديّة وسياسيّة عدّة.
الإمارات: قد تعبّر السياسة الإماراتيّة العسكرية عن ذكاء من خلال لعب أدوار تفوق حجمها الجغرافي، ويتماهى مع حجمها الاقتصادي. لكنّه ذكاء مكشوف، ينمّ عن اعتداءات سافرة تحت غطاء الطموح. الطموح الإماراتي الذي بدأ بالتدخّل العسكري الجوّي في ليبيا، لم يتوقّف عند حدو العدوان على اليمن، وإنشاء “جيش” من المرتزقة في الجنوب، بل وصل إلى بناء قواعد عسكرية خارج الحدود وصلت إلى أفريقيا، ليس آخرها “أرض الصومال”. إلا أن الإمارات التي باتت تمتلك قوات تابعة لها في اليمن وليبيا، تدرك ضرورة الاستناد إلى قوّة إقليمية فاعلة، على غرار السعودية وقطر. يؤكد مراقبون أنّها “مصر”، لاسيّما في ظل العداء المشترك لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن “الطبخة” مع القاهرة تحصل على نار هادئة.
قطر: بخلاف الاستراتيجيتين السعوديّة والإماراتيّة في الشكل والمضمون، تلعب قطر دور الراعی الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين إلى جانب تركيا. عسكريّاً عزّزت قطر من تسليحها، بالتوازي مع الارتماء العسكري في الأحضان التركية، الأمر الذي أنتج قاعدة عسكرية تركيّة، إضافةً إلى نظيرتها الأمريكية. موقع روترنت نقل عن تقرير تركي مفاده أن تركيا وقّعت اتفاقاً مع قطر لإقامة قاعدة عسكرية تركية في قطر ونقل 600 جندي وضابط تركي إليها في المرحلة الأولى.
الرابح والخاسر
عندما نتحدّث عن عسكرة منطقة ما لا شكّ أن هناك رابح، ومقابل هذا الرابح هناك خاسر أو خاسرين يدفعون الثمن الاقتصادي لهذا الأمر، أو الأمني والبشري. ونحن اليوم أمام مشهد خليجي، خلفه مشهد إقليمي متضارب المصالح، قد ينعكس خليجياً بشكل أو بآخر.
لا يختلف اثنان على أن أمريكا تعدّ أكبر المستفيدين من عسكرة منطقة الخليج الفارسي، سواءً من الناحية السياسية أو الاقتصاديّة. اقتصاديّاً، درّ المشهد الجديد خلال السنوات الماضية مئات المليارلات من الدولارات على شركات السلاح الأمريكية، فضلاً عن أرقام ضخمة تصبّ في الخزينة الأمريكية مقابل الدعم الاستشاري في اليمن أو في هيكلة هذه الجيوش.
وأما الخاسرين، وما أكثرهم، فرغم أنّ هذا التسليح قد يلبّي طموح بعض الحكّام الشباب، إلاّ أن الشعوب الخليجية هي الخاسر الأكبر من هذا الاتفاق، لاسيّما في ظل الأوضاع المتهاوية والعجز القائم في ميزانيات هذه الدول.
فضلاً عن ذلك، هناك خشية من تأثر هذه الدول بأي صدام إقليمي، فالخلاف التركي المصري يلقي بظلاله على الوضع الخليجي، وتحديداً الإماراتي القطري، فهل سنكون أمام صدام عسكري خليجي، بعد الصدام الدبلوماسي السابق بين قطر من جهة، والسعوديّة والإمارات من ناحية أخرى؟ وهل سيتطوّر الخلاف السعودي الإماراتي في اليمن إلى صدام عسكري؟
الأزمة الحقيقية بین هذه الدول تکمن في مكان آخر، وهي أزمة الطموح الذي يتعدّى الوزن الحقيقي. ننصح هذه الدول بقراءة التجربة العمانيّة والكويتية، والتي فاقت بقدرتها الدبلوماسيّة في العديد من الملفات قدرة الإمارات والسعوديّة وقطر مجتمعةً، وإلا فإنها ستكون الخاسرة قبل أي طرف آخر.