في ذكرى النكبة … حـقــائق الدم
موقع أنصار الله || مقالات ||بقلم / رفعت سيد أحمد/ الميادين نت
تمر هذه الأيام الذكرى 69 لنكبة فلسطين، تمر ونهر الدماء فى الأرض المباركة لم يتوقف بعد، اليوم تأتي الذكرى ومئات الأسرى الأبطال يواصلون إضرابهم (إضراب الكرامة والحرية) ضد السجان الإسرائيلي وقمعه. اليوم ينبغي أن نسأل أنفسنا لماذا هزمنا ولماذا استمر المشروع الإسرائيلي طوال تلك السنين؟ ولماذا يزداد قوة؟
إن الصراعات العربية – العربية والمؤامرات الغربية (الأميركية) ضدنا كانت ولاشك من الأسباب الرئيسية، لكن ثمة أسباباً تاريخية كبرى للهزيمة في العام 1948، وأسباباً أخرى لاستمرار تلك الهزيمة حتى اليوم رغم الانتصارات الجزئية للشعب الفلسطيني المتمثلة في الانتفاضات المستمرة وفي العمليات الاستشهادية والجهادية النوعية والفذة وفي إضرابات الأسرى الأبطال. فماذا عن قضية النكبة التي تمثل حقائق من الدم لا يمكن أن تمحي من الذاكرة؟
يحدثنا التاريخ أن خلاصة حرب 1948 تقول سطورها إنها بدأت منذ العام 1917 عام وعد بلفور، ثم جاءت الحلقة الثانية عام 1920 – عندما وضعت بريطانيا فلسطين تحت الحكم العسكري، ثم حولتها إلى الحكم المدني، وعينت اليهودي الصهيوني هربرت صموئيل أول «مندوب سام» لها على فلسطين «1920 – 1925»، حيث شرع في تنفيذ المشروع الصهيوني ميدانيًا على الأرض.
وتابع المندوبون «السامون» المسيرة نفسها، غير أن أكثرهم سوءًا ودهاء ونجاحاً كان «آرثر واكهوب» «1931 – 1938»، حيث وصل المشروع الصهيوني في عهده إلى درجات خطيرة، ويذكر المؤرخون أن فلسطين عاشت تحت الاحتلال البريطاني مؤامرة رهيبة، فحرم أهل فلسطين من بناء مؤسساتهم الدستورية وحكم أنفسهم، ووضعوا تحت الحكم البريطاني المباشر، وأعطي المندوبون السامون صلاحيات مطلقة. وضيقت بريطانيا على الفلسطينيين سبل العيش وكسب الرزق، وشجعت الفساد، وسعت لتعميق الانقسامات العائلية والطائفية وإشغال أبناء فلسطين ببعضهم، وفي المقابل شجعت الهجرة اليهودية، فزاد عدد اليهود من 55 ألفًا «8٪ من السكان» سنة 1918 إلى650 ألفًا «31٪ من السكان» سنة 1948.
ورغم الجهود اليهودية البريطانية المضنية للحصول على الأرض، فإن اليهود لم يتمكنوا من الحصول سوى على نحو 6.5٪ من فلسطين بحلول عام 1948 وكان معظمها إما أراضي حكومية أو أراضي باعها إقطاعيون غير فلسطينيين كانوا يقيمون في لبنان وسوريا وغيرهما من البلاد العربية، وقد بنى اليهود على هذه الأراضي 291 مستوطنة.
وفى الوقت الذى كانت فيه السلطات البريطانية تسعى حثيثًا لنزع أسلحة الفلسطينيين، وتقتل أحيانًا من يحوز سلاحاً نارياً، بل تسجن لسنوات من يملك رصاصات أو خنجراً أو سكيناً طويلاً، فإنها غضت الطرف، بل شجعت سراً تسليح اليهود لأنفسهم، وتشكيلهم قوات عسكرية وتدريبها، بلغ عددها مع اندلاع حرب 1948 أكثر من 70 ألف مقاتل «64 ألف مقاتل من الهاجاناه، وخمسة آلاف من الأرجون، وألفين من الشتيرن.. وغيرها»، وهو عدد يبلغ أكثر من ثلاثة أضعاف الجيوش العربية السبعة التي شاركت فى حرب 1948.
أما بالنسبة لتسلسل وقائع الحرب ومقدماتها فيحدثنا التاريخ بأنها تمت على النحو التالي:
1- صدور قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين يوم 29/11/1947 حين وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار رقم 181 الذي يوصي بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة فلسطينية ولقد رحب الصهاينة بمشروع التقسيم، بينما شعر العرب والفلسطينيون بالإجحاف.
2- تصاعدت حدة القتال بعد قرار التقسيم، وفي بداية عام 1948 تم تشكيل جيش الإنقاذ بقيادة فوزى القاوقجي، وبحلول كانون الثاني/يناير 1948 كانت منظمتا الأرجون وشتيرن قد لجأتا إلى استخدام السيارات المفخخة «4 كانون الثاني/يناير تفجير مركز الحكومة فى يافا، أسفر عن مقتل 26 مدنياً فلسطينياً»، وفي آذار/ مارس 1948 قام المقاتلون الفلسطينيون غير النظاميين بنسف مقر الوكالة اليهودية في القدس، مما أدى إلى مقتل 11 يهوديًا وجرح 86.
3- استشهاد عبدالقادر الحسيني فى القسطل يوم 8/4/1948.
4- مذبحة دير ياسين يوم 9/4/1948، التي قتل فيها 253 فلسطينياً وهجر الباقون مع تدمير البيوت والحقول، الأمر الذي أصاب العديد من المدن والقرى بالرعب فسقطت تباعاً «طبريا وحيفا يوم 19/4/1948- بيسان وصفد ويافا 22/4/1948 ثم توالى السقوط».
5- في 12 نيسان/ أبريل 1948 تقر الجامعة العربية بزحف الجيوش العربية إلى فلسطين، واللجنة السياسية تؤكد أن الجيوش لن تتدخل قبل انسحاب بريطانيا المزمع في 15 أيار/مايو، وكان الانتداب البريطاني على فلسطين ينتهي بنهاية يوم 14 من الشهر نفسه، وفي اليوم التالي أصبح إعلان قيام دولة إسرائيل ساري المفعول، ومباشرة بدأت الحرب بين الكيان الجديد والدول العربية المجاورة.
6- المعارك فى فلسطين بدأت في أيار/ مايو 1948 بعد الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان العصابات الصهيونية قيام دولة إسرائيل على المساحات الخاضعة لسيطرتها فى فلسطين، وتدفقت الجيوش العربية في مصر وسوريا والعراق وإمارة شرق الأردن على فلسطين، ونجحت القوات العربية فى تحقيق انتصارات كبيرة.
وفي 16 أيار/مايو ١٩٤٨ اعترف رئيس الولايات المتحدة هارى ترومان بدولة إسرائيل ودخلت أول وحدة من القوات النظامية المصرية حدود فلسطين وهاجمت هذه القوات مستعمرتي كفار داروم ونيريم الصهيونيتين فى النقب، كما عبرت ثلاثة ألوية تابعة للجيش الأردني نهر الأردن إلى فلسطين، واستعادت القوات النظامية اللبنانية قريتي المالكية وقدس على الحدود اللبنانية وحررتهما من عصابات الهاجاناة الصهيونية.
7- استمرت المعارك على هذا النحو حتى تدخلت القوى الدولية وفرضت الهدنة الأولى «من 11/6- 8/7/1948» ثم اشتعلت المعارك لتعقد هدنة ثانية من «18/7 – 10/11/1948»، ثم عاد القتال ليستمر حتى 7 كانون الثاني/يناير1949 موعد الهدنة الثالثة وما بين هذه الهدن كانت إسرائيل تتسلح وتتسع وتقوى، والعرب يتفرقون ويتراجعون لتنتهي الحرب بتوقيع مصر لاتفاق هدنة فى 24 شباط/ فبراير 1949 يليها لبنان 23 آذار/مارس 1949 ثم الأردن وسوريا. ودائمًا كانت مصر هي البادئة سواء بالحرب أو بالاستسلام وحتما ًسيتبعها العرب حتى يومنا هذا. وكان من نتائج هذه الحرب سهولة احتلال الصهاينة لأغلب مدن الشمال الفلسطيني مع اللد والرملة والنقب، الذي كان يشكل لوحده نصف مساحة فلسطين، وذلك نتيجة انكسار الجيوش العربية بعد الأشهر الستة الأولى من القتال، التي عانت فيها العصابات الصهيونية، ثم استطاعت أن تستعيد زمام المبادرة وتنتصر نتيجة التفرق العربي وعدم التنسيق بين الجيوش، وعدم الاستعداد الجيد للقتال وغلبة القرار السياسي على القرار العسكري وغيرها من الأسباب «الدروس» التي سنتحدث عنها لاحقًا.
ومن النتائج المؤلمة أيضاً لهذه الحرب إجبار حوالى 800 ألف فلسطيني على الفرار والهجرة القسرية من ديارهم من أصل مليون ومائتين وتسعين ألف فلسطينى أي نحو ٦٠٪ من أهل فلسطين، وذلك نتيجة ارتكاب الصهاينة 34 مذبحة مروعة، أثرت سلباً على روحية الصمود الفلسطيني، وكان من النتائج الخطيرة لهذه الحرب المؤلمة سقوط 78٪ من أراضي فلسطين في أيدي الصهاينة، فضلاً عن دمار قرابة الـ 400 قرية ومدينة مع تهويدها بالكامل.
وبعد .. تلك هي قصة النكبة وحقائق الدم التي كتبت بها، وهي حقائق لن يمحوها سوى (الدم) ذاته، وتلك ليست مهمة الشعب الفلسطيني البطل وحده ولكنها مهمة الأمة كلها؛ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .. والله أعلم.
*إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً