قمم الرياض: استقواء الضعيف بالضعيف
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||محمود ريا / العهد الاخباري
وصل الرئيس الأميركي إلى منطقتنا اليوم واستقبَل في الرياض استقبال الفاتحين، ويلاقيه عشرات الزعماء العرب والمسلمين الذين وُجّهت إليهم من “الوكيل” مذكرات جلب للحضور فوراً لملاقاة القادم من وراء الغيوم. من هؤلاء الزعماء من يأتي طوعاً، وبعضهم يحضر كرهاً، وأحدهم يعتذر.. لا رفضاً، ولكن منعاً لإحراج الضيف والمضيف.
هذا حال عالمنا العربي اليوم، وبعض عالمنا الإسلامي أيضاً، وهذا ما وصلنا إليه من انهيار في هذه المنطقة التي يحكمها حفنة من الذين لا يهمّهم ما تريده شعوبهم، بل ما ترغب به الدولة العظمى، والأسرة التي أوكل إليها مهمة الترويج لها في هذا الجزء من العالم.
يأتي “أبو إيفانكا” (كما يحلو للكثيرين تسميته) ليعلّم هؤلاء الزعماء مبادئ الإسلام الذي يريده، وليجعلهم يبصمون على هذه المبادئ، وهم الذين نسَوا الله فأنساهم أنفسهم، وباتوا سادرين (سادِر: غير مُتَثَبِّت في كلامه) ساهمين (ساهِم: مَهْمُوم، لَوْنُهُ مُتَغَيِّرٌ)، لا يميّزون بين الإسلام الحق و”الإسلام” الذي يريده ترامب، وفقاً للخطاب الذي سيلقيه، والذي كتبه واحد من عتاة المعادين لكل مبادئ العدالة والإنسانية، ورافع لواء “الآنتي ـ إسلام” في الولايات المتحدة والغرب.
وللإنصاف، يمكن القول إن ما يقدمه ترامب في خطابه لا يخالف هوى الكثيرين من الحاضرين في القمم الثلاث التي يعقدها الرئيس الأميركي على أرض الجزيرة العربية. بل إن ما سيقوله متوافق بشكل كبير مع النسخة الممسوخة من الإسلام التي يريدها هؤلاء: إسلام هجين مدجّن، لا يحمل أي معانٍ سامية، ولا يسعى إلى إحقاق الحق وإنصاف المظلوم وتحرير الأرض وإعادة الكرامة للإنسان بما هو إنسان.
إنه “إسلام مودِرن” ليس فيه من الإسلام المحمدي إلا اسمه، ولا من المبادئ الخالدة التي نشرها إلا رسمه.
هو إسلام سلطوي، إسلام يقوم على قاعدة “ما قاتلتكم لتصوموا أو تصلّوا، وإنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم”، إسلام خبره المسلمون منذ عصور، على أيدي الحكّام الظَلمة والولاة التابعين لهم والمؤتمرين بأوامرهم.
ربما يمكن القول إن ما يحصل هو نوع من التواطؤ بين الطرفين، بين الداعي والمدعو، من أجل توجيه ضربة قاصمة للإسلام المحمدي الأصيل، الذي يقوم على قِيَم الخير والحق والعدالة والجمال.
وربما هناك ما هو أكثر، وما يصل إلى حد تحريض “السيّد” كي يعين الأتباع على استمرار تحكّمهم بالشعوب التي “ورثوها” عن آبائهم، فأسّسوا أُسراً لا تختلف بشيء عن تلك التي عرفها تاريخنا الإسلامي المصاب بلَوثة التوريث و”الانتقال السلمي” (أو غير السلمي) بين الأب وابنه أو الأخ وأخيه.
هي دعوة لـ “السيّد” أن يا سيّدنا، هذه عروشنا تهتزّ، فتعال ثبّتها ببعض كلام، وبعض ابتسام، وكثير من الوعود للقادة والتهديد للمقودين.
ولكن ماذا لو كان عرش “السيّد” نفسه مهتزًا اصلاً، لا بل هو على حافة الانهيار؟
أمام هذا الواقع تصبح قمم الرياض مجرّد استقواء متبادل، على مبدأ “ادعموني وأدعمكم” أو قدّموا لي كي أبقى فأقدّم لكم”، دون أي اعتبار لمصالح الشعوب ومبادئها في هذا المقلب وذاك من العالم.
إنه استقواء الضعيف بالضعيف، والمهتز بالمهتز، والمشرف على الانهيار.. بالمشرف على الانهيار.
واستقواء كهذا لا ينتج عنه إلا استمرار للأزمات التي يعيشها العالم وتعيشها منطقتنا، واستجرار للفضائح والآثام والبلطجة والغلبة، بلا أسس ولا أركان.
ويبقى الإسلام الحقيقي بمنأى عن “أبو إيفانكا”، وعن الأَبَوات بمختلف تصانيفهم، من ملوك وأمراء ورؤساء ورؤساء وزراء، قامت سلطتهم على مدى خضوعهم لأسيادهم في الغرب، لا على حبّ شعوبهم لهم واقتناعهم بهم وقبولهم بحكمهم.
هو إسلام لن تدجّنه القمم، ولن تقضي على أسسه عمليات التوريث، ولن تغيّر مبادئه كل المحاولات اليائسة التي يقوم بها الطغاة، هنا وهناك.. وفي كل مكان وزمان.