كيف تسرق “إسرائيل” أموال الأسرى الفلسطينيين؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||موقع عرب 48 :
بعد أن اكتشف حزب “لبيد” بأن السلطة الفلسطينية تدفع مرتبات شهرية للأسرى قدم مشروع قانون يقضي بخصم ما يقارب المليار شيكل سنوياً من أموال الجمارك التي تجنيها “إسرائيل” لصالح السلطة الفلسطينية عقابا لها على دفع مثل هذه الرواتب للأسرى، الأمر الذي يعتبر، كسائر التشريعات “الإسرائيلية”، تشريعاً للسرقة وخرقاً آخر يضاف للخروقات “الإسرائيلية” للاتفاقات الموقعة بين الطرفين.
لكن الحقيقة أكثر تركيباً، “فإسرائيل” بنت نظاما، من ناحية يمكّنها من سرقتنا ومن ناحية أخرى التحريض على الأسرى، لهذا توجب الأمر التطرق لبعض تفاصيل هذا النظام لنبين بأن السرقة حاصلة الآن وبمليارات الشواكل ومنذ سنوات طويلة، وبالتالي لا حاجة لقانون لبيد، لشرعنة السرقة بحجة أموال دعم “الإرهاب”.
تقضي الاتفاقية الموقعة بين وزارة الأسرى الفلسطينية والشركة “الإسرائيلية” وبموافقة حكومة الاحتلال على إيداع الوزارة 400 شيكل شهرياً للأسير الفلسطيني السياسي والجنائي في حسابه الخاص بالكانتين، ويغطي الأسرى بهذه المبالغ تكاليف حياتهم داخل الأسر من طعام وشراب ومواد تنظيف.
وقد عملت إدارة السجون منذ توقيع الاتفاقية على تقليص صرفها مواد التنظيف والمواد الغذائية بشكل تدريجي إلى الحد الأدنى.
وأحالت مسؤولية صرفها للأسرى أنفسهم حيث وفرت إمكانية شرائها من الكانتين، بما فيها الخضار والفواكه واللحوم بالإضافة لمواد وأدوات غسيل الملابس وشطف الزنازين، ولأن حياة الأسير أصبحت مكلفة، فلم تعد الـ400 شيكل كافية لتغطية كل هذه المصاريف، فيودع أهالي الأسرى شهرياً 1200 شيكل إضافية، يضاف لها أيضاً سجائر بمعدل 1500 شيكل شهرياً يتم شراؤها على مداخل السجون في أكشاك تم تخصيصها لسجانين أحيلوا للتقاعد.
السرقة بالأرقام:
هناك ما يقارب 7000 أسير سياسي فلسطيني في السجون الإسرائيلية يضاف لهم ما يقارب الـ1000 سجين فلسطيني (جنائي) وغالبية هؤلاء الأسرى الجنائيون معتقلون بحجة عدم حيازتهم على تصاريح عمل، ووفقا للاتفاقية فإن المبلغ الذي تضخه السلطة الفلسطينية لحساب الشركة الإسرائيلية يصل إلى 3,200,000 شيكل شهرياً. 8000 أسير x 400 شيكل = 3,200,000 شيكل يضاف لهذا المبلغ 1200 شيكل يودعها الأسير من ماله الخاص ليصبح المبلغ المودع عبر بنك البريد “الإسرائيلي” 12,800,000 شيكل شهريا. 8000 x 1200 شيكل = 9,600,000 شيكل.
9,600,000 + 3,200,000 = 12,800,000 شيكل، يضاف لهذا المبلغ السجائر التي يتم شراؤها على بوابات السجون وتصل ما يقارب 12,000,000 شيكل شهريا. 1500 x 8000 = 12,000,000 شيكل شهريا، أي يصل المبلغ الإجمالي الذي يدخل لحساب كانتين السجون من الأسرى الفلسطينيين ما يقارب الـ24,800,000 مليون شيكل شهريا، أي ما يقارب 297,600,000 مليون شيكل سنويا. هذا المبلغ يمر في عدة محطات وفي كل محطة يُسرق منه جزء وما يصل الأسرى أقل بكثير مما يودعون في بنك البريد.
تبدأ السرقة بمجرد إيداع الأموال في بنك البريد “الإسرائيلي”، فرغم أن الإيداع من قبل السلطة هو إيداع مبلغ جماعي لكل جموع الأسرى، كما هي الاتفاقية لشراء بضاعة بالجملة إلا أن “إسرائيل” تقسم المبلغ إلى إيداعات فردية لكل أسير بحيث يمكنها الأمر من الاحتيال مرتين، أولا بخصم بنك البريد على كل إيداع 400 شيكل ما بين 3-2 شيكل عمولة، ويصل المبلغ لصالح الأسير 397 شيكل فقط. ورغم أن السلطة تدفع عبر عملية بنكية واحدة مجمل المبلغ، إلا أن إسرائيل تحولها إلى 8000 إيداع، 3 شيكل x 8000 أسير = 24,000 شيكل شهريا.
يُضاف لذلك إيداعات أهالي الأسرى مبلغ 1200 شيكل شهرياً حيث يصل لصالح الأسير 1197 شيكل، بهذا تصل الحصة المسروقة عبر الإيداعات 48,000 شيكل شهريا، أي 576,000 شيكل سنوياً حصة البريد “الإسرائيلي” فقط.
ثانيا، عندما يحول الإيداع الجماعي للسلطة لإيداع فردي يحول أيضا الشراء من الكانتين إلى شراء فردي عندها تتحول الاتفاقية التي وقعتها السلطة من شراء بضاعة جماعية بالجملة إلى شراء فردي للاستهلاك المباشر.
هذا الحال يمكّن إسرائيل من سرقتنا مرتين مرة عندما ترفض بيعنا بسعر الجملة، رغم أن الدفع والاتفاقية جماعية، ونشتري البضاعة كأي مستهلك إسرائيلي مستوى حياته ودخله مرتفع كثيرا عن مستوى حياة المواطن في الضفة وغزة حيث تسكن غالبيتنا الساحقة، ومرة أخرى تسرقنا عندما تسقط عن إسرائيل ضرورة إعادة الضريبة. ضريبة القيمة المضافة عبر المقاصة للسلطة الفلسطينية، وتدخل خزنتها مباشرة ويصل مبلغ القيمة المضافة (18%) شهريا ما يقارب 4,464,000 شيكل، أي 53,568,000 شيكل سنويا.
ثالثا، تجني إدارة السجون أرباح كانتين تتراوح ما بين 30% – 40% أي ما قيمته 104,600,000 شيكل سنويا.
إدارة السجون تحقق بذلك الأهداف التالية:
1. توفر ميزانيات تكاليف احتجاز الأسير الفلسطيني.
2. تجني الأرباح وتصرفها على رفاهية السجين الإسرائيلي الذي توفر له الصحف والكتب والأدوات والمعدات الرياضية، بالإضافة للدورات التعليمية والمهنية والحفلات الترفيهية ودورات الفطام من المخدرات وغيرها، بالرغم من أن الأسرى الفلسطينيين يدرون أرباحا طائلة قياسا للسجين الإسرائيلي ويشكلون مشروعا مربحا بكل المعاني الاقتصادية والسياسية.
بكلمات أخرى، إسرائيل لا توفر على نفسها ميزانيات احتجاز الأسرى الفلسطينيين فقط، وإنما حولتهم لسوق مربح يدرّ عليها الملايين، فاعتقالهم بالآلاف لا يقلق دافع الضرائب الإسرائيلي ولا متخذ القرار أو المشرّع. تكاليف الاعتقال بخسة والأرباح بفعلها جعل حجم الاعتقالات يفوق الحاجات الأمنية، الأمر الذي لا يشجع ضباط مصلحة السجون على تقديم توصيات إيجابية أمام لجان ثلث المدة لإطلاق سراح الأسرى، فلو فعلوا لخسرت مصلحة السجون على الأقل نصف الأرباح التي ذكرناها أعلاه، بل إن الأمر يتعدى ذلك حيث يعطل احتجاز الآلاف أو مئات الآلاف منذ عام 67 حتى اليوم الزيادة الطبيعية لعدد السكان الفلسطينيين، لا سيما وأن غالبية الأسرى يحتجزون لسنوات في سن الإخصاب.
لا يجب أن تبدو هذه السياسة غريبة على من ينشغل في إحصاء العرب ويراقب رحم المرأة العربية وكأنه قنبلة موقوتة تهدد أمنه ومشروعه!! عندما نقول بأن الاحتلال أصبح غير مكلف إنما هو مربح في حالة الأسرى من الناحيتين المادية والسياسية، فإسرائيل من ناحية تعقد اتفاقية مع السلطة لتوفير تكاليف احتجازها للأسير الفلسطيني، ومن ناحية أخرى تحرّض عليها أمام الدول المانحة بأنها تضخ أموال للأسرى كأموال إرهاب، فلو كانت فعلا دعما للإرهاب وإسرائيل لا تستفيد منها لكان من الواجب عليها إلغاء هذه الاتفاقية، أي اتفاقية الكانتين مع الشركة “الإسرائيلية”.
نحن نتحدى لبيد أن يلغي هذه الاتفاقية التي تسرق منا سنويا في السجون 163,928,000 شيكل لجانب ما تسرقه من شبابنا وحريتنا وأعمارنا وتعطل تطورنا كجيل فعال في المجتمع.
نحن نتحداه، فإلغاء هذه الاتفاقية أسهل بكثير من تشريع قانون جديد إذا كان فعلا يعتقد بأن هذه الأموال أموال إرهاب.
لقد حان الوقت لإماطة اللثام عن آليات القمع والاستغلال والقهر الحديث الذي تستخدمه إسرائيل ضد مناضلي الحرية الفلسطينيين. إننا نُقمع بأدوات نوفرها للمحتل بأيدينا وأهم أدوات تعذيبه لنا هي حواسنا واحتياجاتنا الإنسانية. الموضوع يحتاج لمزيد من النقاش والبحث لا سيما في مثل هذه الأجواء النضالية التي تعيشها الحركة الوطنية الأسيرة، حيث تقول في إضرابها المفتوح عن الطعام، لا لأدوات تعذيبها عبر شعار نعم للجوع ما دامت الحرية والكرامة الوطنية تنتظرنا في آخر المشوار.