قمّة الهزائم

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية || رفعت البدوي*/ العهد الاخباري

 

كثر الحديث عن القمم التي عقدت بين الرئيس الامريكي دونالد ترامب ودول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة الى دول إسلامية أمعنت في امتهان كرامة العرب والمسلمين في العالم..  إنها قمة الاهانة وقمة الانتكاسات متفوقة بذلك على جميع نكسات العرب والمسلمين منذ نكبة فلسطين مروراً بالاعتداء الثلاثي على مصر 1956وهزيمة عام 1967 وصدمة اجتياح العدو الاسرائيلي للعاصمة بيروت.

 

جاءت “القمة الامريكية ـ الاسلامية” في الرياض 2017 لتُتوّج على رأس قمم سبقتها وقمم ستليها اقل ما يقال فيها انها قمة الهزائم التي أصابت العالمين الاسلامي والعربي.

قمة المراد منها جعل الهزيمة هزائم وتكريس النكسة لتصبح نكسات ولتحويل الانتصار على العدو الاسرائيلي الى ارهاب..

 

عرب النفط حولوا نصر العام 1973 الى انتكاسة ودفعوا مصر نحو ابرام اتفاقية كامب دايفيد 1979 التي ادت الى شق في الصف واصابة الموقف العربي بالوهن.

 

اما المقاومة اللبنانية التي أجبرت العدو الاسرائيلي لاول مرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي في العام 2000 للانسحاب من ارض عربية دون إبرام أي اتفاق أو بدون رفع علم إسرائيلي فوق أرض لبنان بيد ان عرب النفط لم يرق لهم انتصار المقاومة على العدو الاسرائيلي فاتفقوا سرا مع أميركا و”اسرائيل” على توجيه ضربة ماحقة ضد المقاومة اللبنانية ولتحويل الانتصار الى انكسار كان ذلك في صيف 2006 الا ان المقاومة اللبنانية نجحت في تحويل وجهة الضربة الماحقة لتصيب قوات النخبة في جيش العدو الاسرائيلي ملحقة بها الهزيمة الكبرى.

حينها تذوقنا طعم النصر الحقيقي على عدو الأمة وأعيدت لكل شعوب المنطقة العربية والاسلامية الشعور بالنصر وبالعزة والكرامة الا ان عرب النفط الذين تخلوا عن الكرامة وصفوا تلك المقاومة الشريفة بالارهاب.

لن اخوض فيما حصدته الدول العربية والاسلامية من قمة الهزائم لان اسم القمة بحد ذاته كاف للدلالة على مدى الوهن والذل والهوان الذي اصاب الامتين العربية والاسلامية في مشهد جمع اكثر من 55 دوله اسلامية وعربية حول امبراطور اميركي كاره للاسلام والعرب يستجدونه الحماية من الشرف والكرامة وبشكل طارت فيه القيم والمبادئ، وتخلوا عن هويتهم العربية كما تخلوا عن الركائز الاساسية للدين الاسلامي الحنيف.

 

قمة الهزائم لم تأت على ذكر احتلال فلسطين بل استبدلوا فلسطين بـ”اسرائيل”. قمة الهزائم تترجى رئيس وزراء العدو الاسرائيلي بينامين نتنياهو القبول باستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين الذين انحرفوا عن اهداف الثورة الفلسطينية وابدوا استعداداً للتخلي عن فلسطين جاعلين من انفسهم حراساً على أمن العدو الاسرائيلي.

 

الفلسطينينون الذين انحرفوا عن خط النضال والكفاح لاجل فلسطين  حضروا قمة الهزائم و استمعوا الى دونالد ترامب وهو يصف المقاومة الفلسطينية ضد العدو الاسرائيلي بالارهاب من دون ان يحرك اولئك الفلسطينون ساكناً او حتى ان يقدوموا احتجاجاً بل انهم استقبلوه في رام الله ليسمعوا من دونالد ترامب كلاماً غير مسبوق حيث قال ترامب “نحن نحب اسرائيل ونحترم اسرائيل ونؤيد اسرائيل تأييداً مطلقاً”، كما اضاف ترامب قائلاً للفلسطينيين “اما ان تقبلوا بسلام دون اي تنازل من اسرائيل واما اننا ذاهبون الى سلام وتطبيع بين العرب واسرائيل لكن بدونكم”.

 

انها قمة أُصدر فيها صك البراءة للكيان الصهيوني، قمة تعترف بشرعية “إسرائيل” على أرض فلسطين العربية قمة اهدرت الحق الفلسطيني بالعودة الى فلسطين، قمة المراد منها طمس القضية الفلسطينية برمتها.

 

قيل في قمة الهزائم إن ترامب حصل على مليارات العرب والمسلمين ليدير ظهره بعدها للعرب والمسلمين ويقفل عائداً الى اميركا مظفراً بانتصار المليارات لصرف هذا الانتصار بملياراته في الداخل الاميركي خصوصاً بعد انخفاض ملحوظ في شعبيته اضافة للاتهامات الموجهة اليه باتصالات مع روسيا خلال حملته الانتخابية ومطالبة البعض في اميركا بتنحيته على غرار ما جرى مع الرئيس الامريكي الاسبق ريتشارد نيكسون.

وهناك رأي آخر يرى ان قمة الهزائم ستؤسس الى وضع جديد في الشرق الاوسط قائم على التطبيع مع “اسرائيل” وتحالفها مع الدول النفطية من شأنه فتح آفاق التعاون الامني والمعلوماتي التكنولوجي والتجاري، وتبادل الرحلات الجوية والسماح للطائرات المدنية الاسرائيلية باستعمال الاجواء العربية خصوصاً بعدما قام دونالد ترامب بطائرته الرئاسية بتدشين الخط المباشر انطلاقاً من مطار الرياض وصولا الى مطار “تل ابيب”، وكل ذلك من شأنه اعادة رسم خرائط وازالة اوطان عربية من الخارطة العربية وان قمة الهزائم استطاعت تأسيس الارضية اللازمة لتظهير تحالف عربي اسرائيلي جديد في مواجهة كل دول وحركات المقاومة ضد العدو الاسرائيلي.

 

وبين هذا وذاك نلفت الى ان العدو الاسرائيلي أصابه الصمت المطبق ولم يبد اعتراضاً على صفقات تسليح السعودية فيما كانت “اسرائيل” في السابق تملأ الدنيا احتجاجاً وصخباً على تزويد السعودية باسلحة اميركية حتى وان كانت تلك الاسلحة قديمة او اقل تطوراً من اسلحة “اسرائيل”، ما يكشف لنا عن مدى التفاهم والتعاون السعودي الاستخباراتي والعسكري مع “اسرائيل”، ايضاً لمعرفة “اسرائيل” وتأكدها مسبقاً بأن المليارات العربية والاسلامية التي حصل عليها ترامب سيتم تحويلها الى هبات عسكرية اميركية ضخمة لصالح “اسرائيل” وبذلك تكون الدول العربية والاسلامية قد دفعت مسبقاً قيمة الهبات الاميركية لتسليح العدو الاسرائيلي.

مهما قيل وربما يقال في القمة بات من المؤكد ان الهدف منها هو ضرب كل الدول والحركات والمنظمات العربية والفلسطينية واللبنانية  المُقاوِمة للعدو الاسرائيلي.

فقمة الهزائم المراد منها ضرب الانتصار على العدو الاسرائيلي وتحويله الى هزائم، أما الدول والحركات والمنظمات المقاومة للعدو فقد اتخذت قراراً استراتيجياً بدفن زمن الهزائم والعيش في زمن الانتصارات.

 

(*)مستشار وباحث في الشؤون الاقليمية

قد يعجبك ايضا