لماذا تقلق اسرائيل من خيار القضاء على داعش؟

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||جهاد حيدر / العهد الاخباري

 

من الواضح أن مفاعيل الانجازات التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه خلال الاسابيع الماضية في البادية السورية تجاوزت أبعادها الجغرافية التي تعني في حدها الأدنى تحرير المزيد من الاراضي السورية من سيطرة داعش. محور الاهتمام الاسرائيلي ومعه الاميركي والاقليمي، بهذه الانتصارات، يتركز حول حقيقة أن استمرار التقدم في البادية سيعني لاحقا الوصول الى الحدود العراقية وتحقيق تواصل جغرافي مع الحشد الشعبي في العراق.

 

في المقابل، بشكل مباشر وغير مباشر، علنا وسرا (تم الكشف عنه لاحقا)، حذرت “اسرائيل” من خيار القضاء على داعش. وكررت على لسان أكثر من مسؤول بدءاً من نتنياهو ومرورا برئيس استخباراته اللواء هرتسي هليفي، (في مؤتمر هرتسيليا السنة الماضية) ضرورة عدم القضاء على هذا التنظيم ما دام يؤدي دورا وظيفيا محددا يتمثل في حده الادنى باستنزاف اطراف محور المقاومة.

منطلقات الموقف الاسرائيلي المعترض على خيار القضاء على داعش، يعود الى مخاوف صريحة في تل ابيب من المرحلة التي ستلي انهاء سيطرة هذا التنظيم التكفيري. وتؤشر هذه المخاوف الى تقدير في تل ابيب، بأن هناك صعوبة واستبعاد أن تتمكن الجماعات المسلحة الاخرى التي تديرها الولايات المتحدة من توفير سيطرة بديلة عن داعش في المنطقة الفاصلة بين سوريا والعراق.

القلق من هذا المسار، دفع مؤتمر هرتسيليا في مؤتمره السنوي (عام 2016)، الى اجراء محاكاة حول الشرق الاوسط ما بعد داعش، كجزء من الدور الذي تقوم به مراكز الابحاث الاسرائيلية في مساعدة صناع القرار السياسي والامني. لكن انضم الى قافلة المحذرين في تل ابيب مدير عام وزارة الاستخبارات، حجاي تسورئيل (كان يتولى سابقا رئيس مركز الابحاث في الموساد)، الذي اعتبر في حديث لصحيفة “هآرتس”، أن “الحدود السورية – العراقية، هي حاليا المكان الاكثر اهمية في المنطقة”، موضحا خلفية هذا التوصيف، بكون وصول الجيش السوري الى الحدود العراقية، من منظور استراتيجي سيؤدي الى “تغيير في الموازين الاستراتيجية في الشرق الاوسط”.  وتتسع دائرة الخطر على الامن القومي الاسرائيلي، بالاستناد الى المفردات التي يدلي بها المسؤولون الاسرائيليون، بفعل تجذر أطراف محور المقاومة في سوريا، بما يعزز مكانتها وصمودها في مواجهة الاخطار الخارجية وايضا ضد الجماعات المسلحة.

اذا ما كانت هذه التهديدات الكامنة في الوضع السوري من منظور “اسرائيل”، يبقى السؤال حول الخيارات الاسرائيلية العسكرية المباشرة. من الواضح أنها ضيقة بفعل أن التداعيات التي قد تترتب على أي مبادرة عملانية من قبلها، قد تفوق قدرة “اسرائيل” على التحمل.

مع ذلك، تستند “اسرائيل” الى خيار بديل، يتمثل بالدور الذي تلعبه الولايات المتحدة بشكل مباشر، على الساحة السورية، وتحديدا ما يتصل بالحدود العراقية السورية.

في كل الاحوال، تبقى حقيقتان موازيتان من الواجب تسليط الضوء عليهما.

الاولى، أن “اسرائيل” لا تثق بمفاعيل الخيار الذي تنتهجه الولايات المتحدة بل إن مسؤوليها يقدِّرون أن واشنطن، وبالطبع معها تل ابيب، ستندم من تبني خيار القضاء على داعش. ويعود ذلك الى تقدير مفاده أن أحداً من اتباع الولايات المتحدة على الساحة السورية، لن يتمكن من أن يسد الفراغ الذي سينتج عن انكفاء سيطرة داعش.

بشكل مواز، من الواضح لدى تل ابيب أن الولايات المتحدة لن تتورط بضخ حجم من القوات يكفي لهذه المهمة الامر الذي سيؤدي ولو لاحقا الى سيطرة حلفاء الدولة السورية، مع ما قد يترتب على ذلك من مفاعيل ومعادلات.

الحقيقة الثانية، أن التركيز على التواصل الجغرافي بين سوريا والعراق، يأتي كجزء من محاولة احتواء مفاعيل الانتصار الذي تحقق في سوريا، وكنتيجة لليأس من امكانية اعادة تغيير موازين القوى في الساحة السورية. ولو كان لا يزال يوجد رهانات جدية لتحقيق أهدافهم باسقاط الرئيس الاسد، واستبداله بنظام معادٍ لمحور المقاومة في المدى المنظور، لما كان هناك حاجة للتركيز على الحدود السورية العراقية.

على ما تقدم، مع أو بدون التواصل الجغرافي، فما تحقق حتى الان، يشكل نصرا استراتيجيا تاريخيا، ويتم التعامل في تل ابيب وواشنطن على أنه أمر واقع، لا مفر منه. وعلى هذه الخلفية تتم محاولة اجتراح خيارات تهدف الى احتواء تداعيات هذا الانتصار، والتخفيف من مفاعيله.

قد يعجبك ايضا