من لندن إلى باريس.. السعودية تمهّد جسر عبور ’إسرائيل’
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||محمد الحسيني/ العهد الاخباري
لم تمض 24 ساعة على الاعتداء الذي استهدف المصلين أمام مسجد “دار الرعاية الإسلامية” في منطقة “فنسبري بارك” شمال لندن، حتى جاء الاعتداء الثاني في شارع الشانزليزيه بالعاصمة الفرنسية باريس، ولئن تعاكست هوية الفاعلين إلا أن الحادثين مرتبطان بمحور واحد يفرض معادلة الفعل ورد الفعل، أما الدافع لهذه المعادلة فهي ترويج ثقافة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، التي أخذت عناوين كثيرة تدرّجت من تنظيم القاعدة وحركة طالبان إلى جبهة النصرة وأخيراً تنظيم داعش، وهي ثقافة طالما روّجت لها السعودية تحت عنوان نشر الإسلام في حين أن الواقع كان نشر الكراهية ضد المسلمين.
داعش نموذج سعودي لكره الإسلام
تتمظهر المعادلة في أن هجوم باريس جاء رداً على هجوم لندن، وكأن داعش أخذ على عاتقه الدفاع عن المسلمين، في حين أن ما جرى هو امتداد لسلسلة من الحوادث التي شهدتها معظم الدول الأوروبية من بريطانيا إلى فرنسا وألمانيا وأسبانيا وبلجيكا وكذلك في كندا والولايات المتحدة الأميركية، وكل هذه الحوادث شهدت تفجيرات واعتداءات متبادلة، حتى بات كل تجمّع إسلامي في المساجد أو المراكز الثقافية والدينية هدفاً للاعتداء، وصولاً إلى حظر الحجاب في المؤسسات العامة والخاصة والمتاجر ودور السينما وحتى في الشوارع ورحلات السفر الجوية، وتعرّضت خلالها كل فتاة محجّبة للتضييق والحصار.
معركة إلغاء وجودي
شهود عيان كثر صرّحوا أن الذي قام بعملية الدهس في لندن صرخ قائلاً: “أريد أن أقتل كل المسلمين”، والهدف كان مصلّين مدنيين، وكأنه يستهدف أمماً وشعوباً وأعراقاً وديناً، في حين أن هجوم داعش استهدف رجال الشرطة على مقربة من قصر الرئاسة الفرنسية، وكأنه يستهدف دولة ونظاماً سياسياً ويهدد استقرار بلد بكافة مكوّناته، وفي هذا مؤشر خطير من شأنه أن يستدرج تدحرجاً في أنواع الاستهداف، بحيث يتم فيها تجييش كل أشكال القتال الدموي والمواجهة المفتوحة، ولا يقوم هذا الاستهداف على مبدأ التماثل الفردي بل على مبدأ الإلغاء الوجودي الكلي، وتصبح المعادلة بالتالي كما تنبأ بها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن من أن “معادلة الصراع في المستقبل ستصبح بين الإسلام والمسيحية”.
معاهد آل سعود أصل الإرهاب
قد يقول قائل إن ريغان كان يقصد الإسلام كدين بحد ذاته بغض النظر عن شكل هذا الإسلام، فهو لم يكن يقصد الإسلام الذي ترفع لواءه زوراً تنظيمات إرهابية اليوم كداعش وغيرها، ولم يكن يشير إلى ذلك الإسلام الذي تشرّب ثقافة الكراهية في معاهد التدريس الوهابية في السعودية، والتي انتشرت بكثرة في مدن أوروبا وأمريكا، ولكن القارئ لمسار الحوادث يخلص إلى أن ريغان كان يدرك تماماً إلى أين تسير الأمور، فالعلاقة الأمريكية – السعودية ليست وليدة الزمن الراهن، بل تضرب جذورها في التاريخ، وبدأت مع الاستخبارات البريطانية منذ تأسيس مملكة آل سعود ودعمها بالفكر التكفيري على يد الجاسوس البريطاني محمد بن عبد الوهاب، وبالتالي فإن ريغان كان يستشرف المرحلة الراهنة كنتيجة لمخطط لا تزال فصوله مستمرة.
أوروبا ساحة صراع دموي
خرجت كل التنظيمات الإرهابية التكفيرية من رحم السعودية، ولا تزال مملكة آل سعود الداعم الرئيسي لهذه التنظيمات التي تقاتل اليوم في العراق وسوريا، في استحضار واضح للتاريخ الوهابي الذي هاجم المقامات الإسلامية في النجف وسوريا في الأيام الأولى لمملكة عبد العزيز بن سعود، تحت عنوان محاربة البدع الشيعية، ولا تزال بريطانيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية – كما كانت دوماً – المحرّك الرئيسي لهذا الفكر التدميري، والمستفيد الأكبر من ترويج ثقافة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين؛ أما ساحة المواجهة الدموية ستكون أوروبا الضعيفة والمفكّكة التي تعجّ بالجاليات العربية والإسلامية، وبذلك تكون واشنطن قد حققت هدفين بضربة واحدة، إبادة المسلمين بحرب عرقية وإضعاف أوروبا أكثر فأكثر.
جسر عبور لـ”إسرائيل”
حرب الإخضاع التي أعلنت السعودية شنّها على معارضيها من الدول الخليجية، وأوّلها قطر، ليست سوى بروفة تحضيرية لما سيلي من محطات، فمن يخضع يسلم، ومن لا يخضع سيتعرّض للضرب والإبادة والزوال، وهذا المنطق الانتحاري لدى الموتورين من حكام المملكة سيقود حتماً إلى تخريب المنطقة العربية والإسلامية، ولن تكون “فوضى بناءة”، بل ستكون فوضى مدمّرة، وهذا هو الهدف المرسوم أمريكياً، وبذلك تكون السعودية قد أتمّت تشييد جسر العبور تمهيداً لدخول “إسرائيل” في قلب المنظومة العربية والإسلامية، أما المكافأة التي تتوهّم أنها ستحصل عليها فهي تسيّدها لمنطقة الخليج كمقدمة لتسيّد العالم العربي والإسلامي.