ماذا وراء الاتهام الأمريكي لدمشق بالتحضير الهجوم كيميائي؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي- مرّة جديدة يزعم البيت الأبيض بوجود نوايا سوريّة لاستخدام الكيميائي. دمشق التي لم يثبت استخدامها لهذه الأسلحة في خان سيخون، وقبلها في الغوطة، كانت من أبرز الخاسرين جرّاء هذه المزاعم وما تلاها من أحداث، في حين أن الجماعات التكفيرية كانت الأكثر استفادة.
بينما كان وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف يحّذر نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون، من عمليات استفزاز الجيش السوري ومحاولات “اصطياد في الماء العكر”، وفي حين كان وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور لبيرمان يؤكد أن بلاد لن ترضى تحويل سوريا قاعدة لحزب الله، زعم البيت الأبيض عن تحضير دمشق لشنّ هجوم كيميائي.
مزاعم أمريكية
البيت الأبيض ادّعى، الثلاثاء، أنه رصد لدى قوات الرئيس السوري بشار الأسد “استعدادات” محتملة لشن هجوم كيميائي، محذّراً من أن الجانب السوري سيدفع “ثمنا باهظا” في حال نفذا مثل هذا الهجوم.
وقال المتحدث باسم الرئاسة الامريكية شون سبايسر في بيان “كما قلنا سابقا فإن الولايات المتحدة موجودة في سوريا للقضاء على تنظيم داعش(الإرهابي) في العراق وسوريا”، مضيفا “ولكن إذا شن الأسد هجوما جديدا يؤدي إلى عملية قتل جماعية باستخدام اسلحة كيميائية فانه وجيشه سيدفعان ثمنا باهظا”.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: ما مدى دقّة المزاعم الأمريكية؟ وأين، في دير الزور البادية أم الجنوب السوري على الحدود مع الكيان الإسرائيلي؟ وهل هناك أهداف أمريكية من هذه الضربة؟ وهل ستدخل السعوديّة على خطّ المواجهة المباشرة؟ أم أن الهدف من مزاعم ترامب هو تصديره لأزمته الداخلية وفق ما اوضح ضابط في الاستخبارات الأمريكية في وقت سابق؟
أبرز الأهداف
اعتاد الجانب الأمريكي على محاولة الإمساك بزمام الأمور في الميدان السوري، وقد عمد في مرّات سابقة، وبسبب العجز، الى استخدام ذرائع عدّة منها الكيميائي لرسم معادلات ميدانية وخطوط اشتباك نجح الجيش السوري وحلفائه في كسرها.
فمن دير الزور إلى قاعدة الشعيرات فشل المشروع الأمريكي في الإبقاء على حدود ما قبل الضربة، رغم أنّ استهداف الجيش السوري تكبّد خسائر ليست بالسهلة، وصبّ في صالح الجماعات التكفيرية.
اليوم يتحدّث البيت الأبيض عن تحضيرات سوريّة مشابهة التي تمت قبل هجوم الرابع من أبريل الماضي في خان شيخون، وهنا أرى لزاماً الإشارة إلى جملة من النقاط، أبرزها:
أوّلاً: لم تُحَدّد وجهة التحذيرات الأمريكية، فهل هي ضدّ الاكراد، رغم أن الجيش تربطه علاقات جيّدة بهم؟ هل هي في الجنوب السوري؟ أم أنّها في منطقة دير الزور حيثّ صوّب الجيش السوري بوصلته؟ أم أنها في إدلب في محاولة جديدة لإشغال الجيش السوري في هذه المنطقة بدلاً من البادية بالقرب من التنف؟
ثانياً: على أساس المنطقة، تُبنى خيارات الردّ الأمريكي. لا نستبعد ان تكون الضربة المزعومة تستهدف جماعات مسلّحة محسوبة على السعودية في محاولة أمريكية جديدة للزج بالسعودية بشكل مباشرة في الميدان السوري، لاسيّما مع وصول الأمير الشاب محمد بن سلمان إلى ولاية العهد. هناك قرار أمريكي واضح بالزج بالسعودية كرأس حربة في مشروعها العسكري وتأزيم الأوضاع أكثر فاكثر في منطقة الشرق الأوسط، فهل ستقع الرياض في الفخّ الأمريكي؟
ثالثاً: اللافت أنّه خلال الاتصال الهاتفي مساء أمس الإثنين بين لافروف وتيلرسون، والذي جاء بمبادة الأخير، تمّ التطرّق إلى ” منع محاولات استخدام الأسلحة الكيميائية”، وفق بيان الخارجيّة الروسيّة، وذلك بعدما دعا لافروف نظيره الأمريكي لاتخاذ التدابير اللازمة لعدم السماح باستفزازات بحق القوات الحكومية السورية. فهل هناك نيّة امريكية لتوجيه ضربة شبيه لتلك التي أمر بها ترامب على قاعدة الشعيرات الجوية في سوريا. ترامب استثمر الضربة حينها، داخلياً وخارجيّاً، فهل سيعيد الكرّة اليوم بعد انتصاره في حظر السفر، بغية تعزيز أوراقه أكثر فأكثر؟
رابعاً: مرّة جديدة يزعم البيت الأبيض بوجود نوايا سوريّة لاستخدام الكيميائي. دمشق التي لم يثبت استخدامها لهذه الأسلحة في خان سيخون، وقبلها في الغوطة، كانت من أبرز الخاسرين جرّاء هذه المزاعم وما تلاها من أحداث، في حي أن الجماعات التكفيرية كانت الأكثر استفادة. ما الضير في أن تعرقل واشنطن سير أي عملية تحقيق في حال حصول أي هجوم كيميائي كما فعلت في خان شيخون، حينها يكون السيف قد سبق العذل، وبالتالي “اللي ضرب ضرب واللي لهرب هرب”، كما يقول المثل الشعبي العربي.
خامساً: البعض تحدّث عن كون الجنوب السوري هو الوجهة الجديدة، بغية تبرير أي هجوم برّي من جهة الأردن، أو عمل عسكري اسرائيلي في الجولان. الإعلام الإسرائيلي أكّد أن النصرة تقصف على الجانب الإسرائيلي لتبرير ضرب الأخير للجيش السوري، كما أن وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، شدّد على أن إسرائيل لن تسمح باستهداف الجولان، فهل ستكون هذه الضربة في الجنوب مقدّمة لعدوان ثلاثي إسرائيلي-أردني-سعودي على سوريا؟ وهل ستتحقّق بعد هذه الضربة مطالب المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي الذي دعا الدول العربية التي ترتبطها علاقات بالكيات الإسرائيلي للافصاح عنها؟ وهل ستصل الأمور إلى بساط الحرب الشاملة بين سوريا و”اسرائيل”؟
لا نستبعد أن تقوم الجماعات المسلّحة المحسوبة على واشنطن بافتعال ضربة كيميائية، كما فعلت في خان شيخون، في أبريل الماضي شمال غرب سوريا، كمبرّر دولي لأي ضربة أمريكية من واشنطن للجيش السوري، يسعى من خلالها الأوّل إعادة الأخير إلى خطوط الحمراء التي كسرها مرّات عدّة بفعل نتائج الميدان.
تبقى خيارات الردّ للجانب الآخر مفتوحة، لا شيئ يضمن ألا يردّ الجيش السوري أو الروسي على حلفاء واشنطن، لاسيّما في ظل تضعضع المحاور الأخرى في سوريا، كأحد تداعيات الأزمة الخليجية بين قطر والسعودية على الأزمة السوري، فهل سنكون أمام مواجهة شاملة؟ أم أن الضربة، فيما لو حصل، ستمرّ كسابقاتها مرور “الكرام”؟