القعود والتثبيط عن مواجهة الأعداء مرض ومسارعة فيهم
موقع أنصار الله || من هدي القرآن ||
{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:53). ولأن القضية مع أهل الكتاب هي قضية مواجهة حقيقية في شتى ميادين الصراع عسكري، اقتصادي، سياسي، ثقافي، إعلامي؛ ولأن الآيات كلها تسير في إطار أو في سياق خلق وعي لدى المؤمنين، هدى من الله يسيرون عليه، حقائق تتكشف أمامهم، لتؤهلهم لأن يكونوا هم من يهاجم أولئك، من يضرب أولئك الذين يسعون لأن نكون بطاعتنا لهم كافرين بعد إيماننا، إلى أن نتولاهم فنصبح ظالمين كما أصبحوا هم ظالمين، فنشاركهم في ظلمهم في العالم كله.
عندما نتخلى، عندما نتوانى، الله يهدد، يصف من يحصل منه هذا بأنه مرتد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} (المائدة: من الآية54) أليس المقام مقام جهاد؟؟ مقام حركة؟. إذاً فالتواني التفريط هو نفسه يكشف أن في القلب مرض، القلب المريض هو معرض لخطورة بالغة أن يتولى اليهود والنصارى، إذاً فهو سيرتد سيصبح مطيعاً لهم فيرتد عن إيمانه، فيصبح كافراً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}. تأتي الآية هذه مصدرة بهذا النداء، النداء الذي يصل إلى أعماق النفوس التي تدعي أنها مؤمنة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}. الآية هذه تأتي في إطار الحديث عن بني إسرائيل وفي إطار السياق من بداية الآيات فهي لا تأتي تتحدث عن موضوع آخر {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} ماذا يعني يرتد عن دينه؟. يصبح كافراً يصبح يهودياً، يصبح نصرانياً.
فكما قلنا سابقاً من يتوانى، من يفرط، من يقصر، من تنطلي على نفسه عبارات الجمود، عبارات التضليل، فليحذر، وليعلم أن في قلبه مرض، فالله قد حذر في البداية بأن أولئك الذين يسارعون إنما لأن في قلوبهم مرض.
وسواء كانت المسارعة أفقياً أو عمودياً, عمودياً فوق، أو مسارعة تحت كلها واحدة، أنت تخدمهم. أسارع فيهم، أقدم خدمة لهم، أنفذ مؤامرة معينة، أو أسارع نحو التخلي عن مواجهتهم، ونحو التثبيط عن مواجهتهم، هي كلها واحدة، هنا يختلف المرض. ولهذا جاءت بعبارة عامة {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} ما كلمة {مَرَضٌ} في الدنيا تطلق وتحتها أنواع كثيرة؟. أنواع كثيرة جداً، وما أكثر أمراض القلوب، وما أكثر أمراض القلوب.
بل نحن البسطاء، نحن المساكين يحصل في قلوبنا مرض فيجعلنا نسارع باتجاه تحت نَجْمُد ونُجمِّد من حولنا. طيب إن هذا هو خدمة عالية، خدمة مهمة لليهود والنصارى، التثبيط خدمة مهمة لليهود والنصارى، ولهذا هم يحاولون بكل وسيلة أن يتفادوا انبعاث الأمة، يتفادوها بأي وسيلة.
يتركون الآخرين هم يضربون، ويتلقون الجفاء، يتركون هذا هو الذي يزحف ليتلقى الجفاء ويتلقى الخسارة؛ لأنهم يريدون أن نبقى ماذا؟ قاعدين، وأن يثبط بعضنا بعضاً؛ لأن هذا هو نفسه يوفر عليهم الشيء الكثير، يسهل مرور ونفاذ مؤامراتهم.
إذاً فأنت قد يكون في قلبك مرض – ونعوذ بالله من أن يكون في قلوبنا مرض من هذا النوع – فتسارع فيهم، ولكن بأسلوب آخر هو أسلوب القعود عن مواجهتهم، التثبيط عن مواجهتهم، هو نفس الشيء، كما يقول أولئك الذين يسارعون باتجاه عمودي فوق بتنفيذ مؤامرات وأعمال {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} (المائدة: من الآية52) تقول أنت نفس العبارة وأنت تدس رأسك في التراب {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} وكما يقدمون أنفسهم للآخرين ليُبجِّلوهم على ذلك الموقف، أنت في الداخل قد ترى بأنك إنسان حكيم، وأن هذا هو الرأي، وهذا هو التصرف الواعي، لكن لا. الحكمة، الهدى، الوعي هو أن تنطلق انطلاقة القرآن، لا تسارع لا باتجاه عمودي ولا باتجاه تحت تسارع في خدمتهم.
إذا حصل أن أصبح الناس على هذا النحو فإن الله قد وعد – وهو القادر على تنفيذ وعده – {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} غيركم، وإذا قال غيركم [سيأتي الله بقوم غيركم] معناه أنتم سيضربكم، سيذلكم، وتنالون بسبب ارتدادكم، بسبب تثبيطكم وتوانيكم تنالون ماذا؟ الخسارة والذل في الدنيا، والخسارة والذل في الآخرة في نار جهنم، نعوذ بالله من نار جهنم.
{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} عبارة {بِقَوْمٍ} هي نفسها تفيد، أو تكاد تصور لك أولئك القوم وكأنهم صخرات، كأنهم قطع من الصلب، في قوتهم في إيمانهم، في وعيهم، في فهمهم، {بِقَوْمٍ}، وليس كأي قوم ليسوا كمثلكم، قوم {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} والله لا يحب إلا نوعية متميزة. يمكن يرحم وتكون رحمته واسعة للناس جميعاً كما هو هنا يرحمنا، أليس هو يرحمنا ونحن مقصرون؟ لكن أما أن يحب لا, إنما يحب نوعية متميزة.
{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ويقدم كلمة {يُحِبُّهُمْ} على {يُحِبُّونَهُ} لتشعر كيف أن هؤلاء جديرون بأن يحبهم هو، فهم جديرون بحبه، فيسارع إلى التعبير عن محبته لهم قبل التعبير عن محبتهم له.
القوم الذين يحبهم ويحبونه هل سيكونون من هؤلاء الذين في قلوبهم مرض؟. فيسارعون نحو تنفيذ الخطط والمؤامرات في خدمة اليهود، أو يسارعون نحو القعود فيصبحوا مرتدين؟!. هذا ارتداد كله، من يسارع مطلع ومن يسارع منزل كله ارتداد.
هؤلاء قوم نوعية أخرى عمليين، وبنفوس قوية، وليس فقط زحزحة ودفع. لاحظوا كيف تصور الآية هذه النوعية من القوم هم ليسوا حتى ممن يحتاجون إلى تحريض كثير، وكلام كثير، [وانت بعده كل يوم تكلمه والاّ رجع، ويحتاج له مجبر ثاني يوم والا جا له كلمه من واحد وَبَرَد]. لا, هؤلاء واعين لدرجة أنهم يقدمون أنفسهم للآخرين بالشكل الذي يهزم نفس من يمكن أن تنطلق من فمه عبارة مثبطة، هو يرى أنك تخلق في نفسه يأساً أن يؤثر فيك؛ لأنك معتز بالموقف الذي أنت فيه لا تحس بحرج. كنبي الله موسى بعدما حصل منه ما حصل، ففقد ذلك المقام الذي كان فيه، وتلك النعمة التي كان فيها في قصر فرعون، بعدما قتل القبطي، من منطلق غيرته على المستضعفين وكراهيته للباطل واعتزازه بأن يقف موقف حق، ورأى نفسه في مواجهة مجرمين، ما هو رأى نفسه في مواجهة كافرين مجرمين؟: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} (القصص: من الآية17) أليست هذه عبارة رجل لا يمكن أن يتأثر؟. هو الذي سينطلق يؤثر.
السيد / حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه .
الدرس الأول من دروس المائدة / ص -11 – 12 .