من المؤسف جدًّا أنَّ أمتنا الإسلامية عانت عبر تاريخها من الظلم ومن الجور، وعلى يد حكوماتها المتعاقبة، على يد أمرائها وملوكها وقادتها عبر التاريخ، وكانت الحالات التي هي حالات مختلفة، انطلقت على أساس شريعة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وتعليماته، ومنهج الإسلام في إقامة العدل، حالات استثنائية في التاريخ، أو في إطارٍ محدود، أو جغرافيا محدودة؛ أمَّا على المستوى العام، فتعاقبت الكثير من الدول الكبرى في العالم الإسلامي، أو الدول المتفرقة في كثيرٍ من أقطار العالم الإسلامي، ولم تنطلق من خلال رؤية الإسلام ومنهجه العظيم في إقامة العدل، وغابت هذه الرؤية وهذه المنهجية حتى عن المجتمع المسلم في كثيرٍ من الأقطار، وفي كثيرٍ من المراحل التاريخية المهمة؛ ولذلك ساهم هذا الأمر في ترويض المجتمع المسلم، وترسيخ تصور سلبي إلى المسؤولية العامة، وغياب المنهجية الإسلامية الحقيقية التي على ضوئها تتمكن الأمة من إقامة القسط، ومن إقامة العدل في الحياة؛ لأن هناك منهجية للإسلام فيها مبادئ، فيها أسس، فيها قيم، فيها أخلاق، فيها تعليمات، هذه المنهجية إذا التزمت بها الأمة، إذا اعتمدت عليها الأمة، إذا قبلت بها الأمة، إذا تحركت على أساسها الأمة، إذا انطلقت من خلالها الأمة؛ تتمكن من إقامة العدل في الحياة إلى حدٍ كبير. 
 
مع تعاقب الزمن تغيَّرت النظرة إلى المسؤولية العامة تغيراً كبيراً في الذهنية العامة، فأصبحت مغنماً، في تصور الكثير من الناس أنه يرغب ويتمنى أن يصل إلى موقع من مواقع المسؤولية، أو أن يتربع في منصبٍ معين، لماذا؟ ليحظى بالمال، ليحظى بالثروة، ليتمتع بالسلطة باعتبارها موقعاً للقوة، والسيطرة، والتغلب، والتحكم، وتنفيذ ما في النفس من رغبات وأهواء، أصبحت النظرة العامة إلى السلطة وإلى المنصب كمغنم، ومكسب شخصي، وموقع لتعزيز النفوذ أو تعزيز السيطرة للإنسان؛ ليُنَفِّذ رغباته، وليكون في موقع القوة والقدرة والثروة، هذه النظرة السلبية جدًّا إلى المنصب، إلى المسؤولية، إلى مواقع المسؤولية في أي مستوى كان، هي رهيبة جدًّا، رهيبة وخطيرة للغاية، خطيرة للغاية، ولابدَّ لأمتنا الإسلامية أن تسعى لفهم منهجية الإسلام في كيفية إقامة العدل في الحياة، وما تتطلبه هذه المسؤولية من مواصفات، من معايير، من أسس، من مبادئ، من قيم، وأن تنطلق على ضوئها لتصحح وضعيتها المؤسفة جدًّا، وضعية المسلمين اليوم مؤسفة جدًّا، ظلم في الداخل، ظلم انتشر إلى حدٍ كبير: ظلم في المجتمع، ظلم من الحكومات والأنظمة، وظلم من الخارج، ظلم كبير من أعداء الأمة الإسلامية، من الأمريكيين والإسرائيليين ومن معهم، فتتراكم حالة الظلم، وتتنوع المظلومية، حتى يكاد العدل أن يغيب من واقع الحياة، ويعيش الناس الشعور بالمأساة، والشعور بالألم، وكثرة المظالم التي تتكرر وتحدث من هنا أو هناك.
في الإسلام نتعلم أنَّ المسؤولية في أي مستوى كانت، من أدنى مستوى إلى أعلى مستوى، يعني: من وأنت مسؤول عن عمل في إطار مجموعة، أو في نطاق صغير، بل حتى في نطاق الأسرة، ما يتعلق بالوضع الأسري والمجتمعي وغير ذلك، ولكن هذا سنتحدث عنه- إن شاء الله- لاحقاً. في أي مستوى من مستويات المسؤولية تحملت مسؤولية، يجب أن تنطلق من منطلقك الإيماني كمؤمن، وأن ترسِّخ في نفسك وفي وجدانك أنَّ هذه المسؤولية هي كاسمها مسؤولية، عملٌ تحملت فيه مسؤوليةً أمام الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأنَّ الله سيحاسبك وسيجازيك، وأنه رقيبٌ عليك، وعلى أعمالك، وعلى تصرفاتك، وأنك تحملت التزاماً إضافياً في التزاماتك الإيمانية والدينية، فتتحرك لتؤدي هذا الالتزام الديني بما يرضي الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وتحرص على هذا الأساس: أن تتجه إلى رضا الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأن يكون هو همك الأكبر: كيف تحصل على رضا الله، وكيف تقي نفسك في أدائك لهذه المسؤولية من سخط الله وغضبه وعذابه، وأن تدرك أنَّ الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لن يتساهل معك ويهملك، ويترك لك المجال تفعل ما تشاء وتريد؛ لأنك أصبحت تحمل ذلك الاسم، أو في ذلك الموقع من مواقع المسؤولية، أنت مدير، أنت مسؤول، أنت مشرف، أنت وزير، أنت رئيس... بأي مسمىً وبأي عنوان، أنت خاضعٌ لرقابة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وهو سيجازيك بما عملت، وأن ينطلق الإنسان المؤمن عندما يتحمل مسؤوليةً ما، أو يكون في موقع من مواقع المسؤولية، من المنطلقات الإيمانية، ويستفيد من كل النماذج التي قدَّمها القرآن الكريم. ..
 
السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 
     15 رمضان 1441هـ| 8 مايو 2020م