في حركة الرسول "صلوات الله عليه وعلى آله" والمؤمنين معه كانت المعايير التي اعتمد عليها في موقفه، وكذلك الاعتبارات التي انطلق من خلالها في حركته كلها إلهية، كلها حسب التوجيهات الإلهية، ولذلك- مثلًا- لم يعتمد في حركته "صلوات الله عليه وعلى آله" على نظرة التكافؤ المادي والتكافؤ في العدد والعدة ما بينه وبين العدو، كانت إمكانات العدو كبيرة، وكان عددهم أكثر، وكانت إمكانيات المسلمين إمكانيات متواضعة، وكذلك كان عددهم أقل، فما الذي اعتمد عليه الرسول والمؤمنون معه؟ يقول الله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال: 9-10]، يأتي الدعاء، وتأتي الاستغاثة بالله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى"، والالتجاء إلى الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" في هذا السياق العملي، مع التحرك، مع العمل، مع تحمل المسؤولية، ولا بد من هذا الجانب أيضًا: لا بد من الدعاء، ولكن مع تحمل المسؤولية، مع الحركة، مع الفعل، مع العمل، مع الموقف.

والالتجاء إلى الله والاستغاثة بالله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى" مسألة أساسية لخوض الصراع وفي مواجهة التحديات، والانطلاقة بهذا الإحساس، وبهذا الشعور، وبهذا الوجدان: أَنَّا ننطلق ونحن نعتمد على الله، ونحن نراهن على الله، ونحن نتوكل على الله، ونحن نثق بالله أنَّه خير الناصرين، وأنَّه نعم المولى ونعم النصير، وأنَّه كفى به وليًا وكفى به نصيرًا، وأَنَّا إذا وفرنا في واقعنا الأسباب المعنوية والعملية للنصر يتوفر النصر..

الجانب المعنوي ودوره في معادلة الصراع

يمثِّل الجانب المعنوي الجانب الرئيسي في المعركة وفي الصراع وفي مواجهة التحديات، ويعطيه القرآن أهميةً كبرى وهذه مسألة بديهية لدى البشر، اليوم معروف في كل الدنيا أن الجانب المعنوي رئيسيٌ جدًّا في معادلة الصراع والمواجهة، ولهذا- مثلًا- هناك أشياء كثيرة جدًّا تتجه صوب الجانب المعنوي، لتقويته وتعزيزه.

لاحظوا في هذا العصر- مثلًا- من أكثر ما تمتلكه قوى الطاغوت وتركِّز عليه، وتعتمد عليه بشكل كبير جدًّا: إمكاناتها الإعلامية، لديها ماكنة إعلامية كبيرة جدًّا، وقوة إعلامية هائلة تعتمد عليها بشكلٍ كبير في خوض معركتها ضد المستضعفين، وضد المظلومين المضطهدين، وتمثِّل إمكاناتها الإعلامية سلاحًا رئيسيًا، وقبل السلاح العسكري، وهو الذي تعتمد عليه في إعطاء خطواتها العسكرية تأثيرات كبيرة في الساحة، فتمهِّد لأي خطوة عسكرية بالإعلام، تمهِّد- بل تحارب به- وتحقق من خلاله تأثيرات في الساحة، تأثيرات في الرأي العالمي، تستهدف هذا الإنسان في: تفكيره، وفي رؤيته، وفي فكرته، فتصنع متغيرات في كثيرٍ من المناطق، في كثيرٍ من البلدان، تؤثِّر في الناس- أحيانًا- وتغيِّر موقفهم بالكامل، وتحركهم في اتجاه خاطئ، من خلال هذه الماكنة الإعلامية، هذه الإمكانات الإعلامية، تلك القدرات الإعلامية التي تشتغل بوسائل وأساليب كثيرة جدًّا، أساليب ووسائل متنوعة ومتعددة، وتستهدف- أيضًا- كسر الروح المعنوية، وزرع حالة الإحباط واليأس، وتُعزز نظرة الانبهار بها وبقدراتها، حتى يصل البعض في انبهاره وتأثُّره إلى حد اليأس والشعور بالعجز التام عن إمكانية المواجهة، أو الخروج عن هذا الاتجاه، وحتى يرى البعض في هذا الاتجاه لقوى الطاغوت والاستكبار اتجاهًا مصيريًا وحتميًا وغالبًا، ولا يستطيع أحد أن يقف في وجهه، وما من خيار إلا الدخول فيه والانضواء تحته، هذه حالة خطيرة جدًّا.

الجانب المعنوي هو الأساس، إذا امتلك الناس إيمانهم الواعي، الإرادة المعنوية والقوة المعنوية اللازمة في مواجهة الطاغوت والاستكبار؛ تتغير المعادلة تمامًا، وهذا ما كان في تلك المرحلة، مثلًا: في مرحلة زمن الرسول "صلوات الله عليه وعلى آله"، ولها شواهد مما قبل- مع الأنبياء في الماضي- ما قبل رسول الله "صلوات الله عليه وعلى آله"، وما بعده أيضًا في التاريخ، ولها شواهد في تاريخنا المعاصر (في زمننا هذا).

الجانب المعنوي جانبٌ رئيسي، يجب أن نعي ذلك، وأن نعمل عليه، وأن نركِّز عليه، وأن نشتغل عليه، والإنسان المؤمن المرتبط بهدى الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى"، والمتوكل على الله "سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى"، والمستوعب لهدى الله، الذي يصغي للهدى، ويتفهم هذا الهدى، هو في المقدمة يستفيد هذه الطاقة المعنوية، وهذه المعنويات العالية التي تساعده في مواجهة هذه التحديات الكبرى.

ولاحظوا، قوى الطاغوت والاستكبار هي تعمل أشياء كثيرة جدًّا، ترجع كلها إلى هذا الجانب: إلى التأثير على الجانب المعنوي لدى الإنسان في فكره، أو في نفسيته وإرادته المعنوية (في صموده)، إذا أصيب الإنسان بالانهيار المعنوي كُسِرت إرادته، وتغيَّر موقفه؛ وبالتالي وصلوا إلى إمكانية السيطرة عليه.

ولذلك نلحظ في معركة بدر أن الإمداد الإلهي بالملائكة ما الذي كان يهدف إليه؟ {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ}[الأنفال: من الآية12]، كان الدور المعنوي رئيسيًا في مهمة الملائكة عندما نزلوا في معركة بدر وتحركوا بين أوساط المؤمنين، كان مهمة أساسية، وكان هذا الدور: {فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ}، هو دور معنوي، على أساس أن يسعوا لرفع معنويات المؤمنين فيما يساعدهم على الثبات.

ولاحظوا أيضًا في كثيرٍ من التدابير الإلهية: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}[الأنفال: الآية11]، جملة من التدابير هادفة إلى رفع المعنويات، ولذلك من المهم جدًّا التركيز في الصراع مع الأعداء على الجانب المعنوي، وعلى مستوى الفكرة والرؤية، وعلى مستوى الحالة النفسية في الأمل، في الصمود، في الثبات، في الإباء

السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي

من المحاضرة الرمضانية الـ16 لعام 1439هـ