|| صحافة ||

موقع "ذا إنترسبت" الأميركي ينشر تقريراً يتناول كارثة المجاعة المتعمدة في قطاع غزة، كاشفاً عن منظومة مساعدات دولية منهارة واستبدالها بنظام عسكري "إسرائيلي"–أميركي ساهم في مفاقمة الجوع والموت، في ظل حرب مفتوحة تُدار بمزيج من الحصار والتجويع والقمع المسلح.

 

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

كان يوم الثلاثاء، العاشر من حزيران/يونيو، عندما سمع خليل من جيرانه أنّ شاحنة مساعدات وصلت على بُعد بضعة كيلومترات من منزله في دير البلح في قطاع غزّة. وبحلول ذلك الوقت، كان قد فقد نحو 45 رطلاً من وزنه منذ بدء الحرب عام 2023.

انطلق خليل سيراً على الأقدام مع إخوته وصديقه. وأثناء سيره، سمع الشاب البالغ 26 عاماً قصفاً متقطعاً، لكنه شعر بأنّ الأمل في الحصول على الطعام يستحق المخاطرة. وقال خليل، الذي وافق على التحدث بشرط عدم ذكر كنيته: "لقد بات الجوع أقوى من الخوف".

وعندما وصلوا نحو الساعة 6:30 صباحاً، وجدوا حشداً غفيراً يتجمع عند نقطة توزيع المساعدات في نتساريم. وبحسب خليل، فإنّ "الناس تبدأ بالتوجه إلى هناك قبل شروق الشمس، لأن الطوابير تصبح طويلةً للغاية". وكان الكم الهائل من الناس اليائسين والجياع هائلاً. وقال: "لم أتناول طعاماً جيداً منذ أيام. كنتُ أشعر بالدوار والوهن".

وكان يتولى إدارة مركز توزيع المساعدات مُقدِّم مساعدات جديد بدأ عمله في غزة منذ بضعة أسابيع فقط. وقد لاحظ خليل بسرعة حضوراً عسكرياً في المكان، قائلاً: "رأينا جنوداً إسرائيليين بزيّهم العسكري الكامل يقفون بجانب مركباتهم المدرعة. وصلنا ونحن ندرك أن الخطر يُحدق بالمكان. لكن لم يكن هناك أي اشتباك، ولم يشكلوا أي تهديد لهم".

وقف خليل في الصف إلى جانب مئات آخرين. وكان هناك أطفال ونساء وشيوخ. وذكر أنّ "بعضهم كان  حافي القدمين، في ما البعض الآخر ينتظر منذ الليلة السابقة". وبينما كانت مجموعته تقترب ببطء من النقطة التي كانوا يأملون فيها أن يتمكنوا من انتزاع طرد مليء بالأغراض، سُمع دوي طلقات نارية، فهرب خليل ونجا بحياته.

وفي هذا السياق، قال: "لقد بدأوا بإطلاق النار مباشرةً على المدنيين العُزّل. وكانت الرصاصات تُلاحقنا كما لو كنا أهدافاً في ميدان رماية، لا مجرد جائعين. تفرقنا تحت وابل الرصاص. وكنتُ أقرب إلى الموت ذلك اليوم من قطعة خبز".

لقد نجا خليل من رحلة البحث عن الطعام، ليموت جوعاً يوماً آخر، لكن 36 فلسطينياً على الأقل لقوا حتفهم، وأصيب 207 آخرون، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية. ومنذ أن انتهكت "إسرائيل" وقف إطلاق النار مع حماس في منتصف آذار/مارس، قُتل ما يزيد على 875 فلسطينياً خلال رحلة بحثهم عن الطعام.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، رصد موقع "ذا إنترسبت" حصول مجاعةً مُفتعلة، ووجود نظام لتوزيع المساعدات يبدو أنه مصممٌ للتسبب بالمزيد من المعاناة والموت. وفي خضم الحرب، حجبت "إسرائيل" غزة عن الصحافة الأجنبية؛ وقد دخل الصحافي الأميركي عفيف نسولي القطاع متطوعاً كعامل إغاثة في منظمة طبية غير ربحية، وكان يُغطي الأحداث خارج أوقات عمله.

عادةً، خلال الحرب، لا يتولى أي طرف يخوض حرباً ضد السكان المحاصرين توزيع الرعاية الطبية والغذاء، ناهيك بـ"جيش" محتل غير شرعي. وفي معظم الحالات، تُشرك عمليات الإغاثة من كثب منظمات راسخة وناشطة بالفعل في المنطقة، ولكن هذا ليس الحال في غزة، فقد حظرت "إسرائيل" فعلياً وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، أكبر وأقدم منظمة إغاثة في المنطقة. ومن خلال إلغاء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، وهي أداة تمويل حيوية لمنظمات الإغاثة، بما في ذلك "الأونروا"، ضيّق الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخناق على المساعدات الدولية في غزة.

وبدلاً من ذلك، أطلقت "إسرائيل" والولايات المتحدة مخططاً جديداً يتمحور حول منظمة غير ربحية ناشئة مقرها الولايات المتحدة تعمل إلى جانب "الجيش" الإسرائيلي المسؤول عن قتل أكثر من 230 صحافياً و1400 عامل في مجال الرعاية الصحية، و17 ألف طفل فلسطيني خلال العامين الماضيين.

وباستثناء عدد قليل من الحالات، مرّت جميع المساعدات التي وصلت إلى غزة منذ أيار/مايو عبر مؤسسة غزة الإنسانية، التي تم إنشاؤها في ولاية ديلاوير في شباط/فبراير. وقد تلقت المنظمة عشرات الملايين من الدولارات من الولايات المتحدة لتوزيع المساعدات في غزة، وأُفيد بأنها قد تلقت نحو 100 مليون دولار من دولة لم يُذكر اسمها. ومنذ بدء عملياتها، انخفض عدد المراكز في غزة، حيث يمكن للسكان الحصول على المساعدات، من نحو 400 موقع إلى 4 مواقع.

وفي هذا الإطار، قالت هانية الجمل، منسقة المشاريع الرئيسة في منظمة العمل من أجل الإنسانية (Action for Humanity)، ومقرها دير البلح: "أحياناً لا يعمل سوى مركز واحد"، وأضافت: "المراكز تُغلق في بعض الأحيان لأسباب أمنية أو من أجل صيانتها".

ويؤكد خليل ذلك قائلاً: "ذهبتُ قبل بضعة أيام ولم يكن مفتوحاً"، ويقول إنه يتابع حالياً صفحة مؤسسة غزة الإنسانية في "فيسبوك"، التي تُطلع الناس على جدول المواعيد. وتقول الجمل إنها تعتقد بأنهم "يعملون بشكل شبه يومي لمدة ساعتين فقط يومياً".

لقد وصل موقع "ذا إنترسبت" إلى غزة في أواخر شهر آذار/ مارس، في الوقت الذي انتهكت "إسرائيل" وقف إطلاق النار، وشهد بنفسه ما حدث لسكان غزة المستضعفين بعدما أوقفت الولايات المتحدة تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية و"الأونروا"، وسلّمت عمل هاتين الوكالتين إلى "الجيش" الإسرائيلي ومؤسسة غزة الإنسانية.

لطالما شكّلت المجاعة مشكلةً في غزة منذ الأيام الأولى للحرب، ولكن عندما أعلنت "إسرائيل" وحماس وقف إطلاق النار في 19 كانون الثاني/يناير 2025، بات الحصول على السلع أسهل. وأشارت الجمل إلى أنّ "اللحوم والخضراوات والدجاج، وحتى الوجبات الخفيفة، كانت متاحة، وإن كانت أسعارها مرتفعة بعض الشيء. ولكن على الأقل كانت لدينا خيارات أخرى". وعندما بدأ شهر رمضان المبارك في 28 شباط/فبراير، لم يكن من الصعب العثور على وجبة بسيطة من الأرز أو العدس على العشاء، أو اللبنة والزعتر على السحور.

لكن بدءاً من 2 آذار/مارس، منعت "إسرائيل" استيراد المواد الغذائية في غزة عندما فرضت حصاراً. وفي 18 آذار/مارس، انتهكت "إسرائيل" وقف إطلاق النار عندما استأنفت حملتها من الضربات الجوية. وحتى بعد عيد الفطر، ظل تناول وجبة واحدة يومياً أمراً مُعتاداً، إن لم يكن رفاهية.

في ذلك الوقت، كانت المطابخ المجتمعية، مثل "مطبخ شباب غزة"، تعاني نقصاً في الطعام، لكنها كانت لا تزال قادرة على إيصال ما في وسعها إلى المناطق التي يُطلق عليها "الجيش" الإسرائيلي اسم "المناطق الحمراء"، وهي مساحات من الأراضي التي أخلاها "الجيش" الإسرائيلي ومنع دخول المساعدات إليها، مثل خان يونس. وبحلول الربيع، تم اعتبار 70% من قطاع غزة "منطقة حمراء".

وكان "مطبخ شباب غزة" يُعدّ وجبات الأرز ليفطر الناس عند غروب الشمس. ومن داخل مطبخ مؤقت في خيمة، عمل الرجال الصائمون في مجموعات لطهو الأرز في قدور كبيرة. وكان هناك نحو 170 مطبخاً مجتمعياً عاملاً قبل إغلاق المعابر مطلع آذار/ مارس. وبعد شهرين فقط، توقف العشرات منها عن العمل.

وأدّى الحصار إلى توقف دخول السلع الحيوية لأشهر، ما أدى إلى حصول ندرة وارتفاع في الأسعار. وتفاقم الوضع مع استئناف القتال بين "إسرائيل" وحماس، ما أدى إلى تقييد الوصول إلى المنتجات المحلية "بسبب أوامر إخلاء جديدة من الشمال ورفح ومناطق في خان يونس، حيث تمت زراعة محاصيل جديدة"، على حدّ قول الجمل.

وكانت المنتجات في السوق طازجة، وإن كانت محدودة، وتُباع فيها الطماطم والخيار والفلفل والبصل، وأحياناً البطاطس، المزروعة على بقايا الأراضي الزراعية الغزية المتبقية. وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأنّ "إسرائيل" دمرت 83% من الأراضي الزراعية في غزة، وقيدت الوصول إلى بعض ما تبقى منها، ما جعل أقل من 5% منها "متاحاً للزراعة".

وقالت امرأة مُسنة في مطبخها المرتجل شرقي خان يونس: "كان سعر 3 كيلوغرامات من هذا البصل 3 دولارات فقط". وبحلول نيسان/أبريل، أصبح سعر البصلة الواحدة دولاراً واحداً. وبما أن أغلب فروع البنوك وأجهزة الصراف الآلي في غزة لا تزال معطلة، فإن الناس لا يستطيعون الحصول على النقود لدفع ثمن حتى كيس واحد من الدقيق، وهم يعتمدون على شبكة غير منظمة من الوسطاء للحصول على المال اللازم لتوفير احتياجاتهم اليومية، مع عمولات تصل إلى 40%.

وقد أفادت تقارير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بأن من المتوقع أن يواجه جميع سكان غزة مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. ويشمل ذلك مليون شخص يواجهون مستويات "طارئة" من انعدام الأمن الغذائي، و470 ألف شخص يواجهون مستويات "كارثية" من انعدام الأمن الغذائي.

لقد تطوّع نيسولي، مراسل موقع "ذا إنترسبت"، في غزة مع منظمة "غليا"، وهي منظمة طبية غير ربحية، من أواخر آذار/مارس إلى مطلع حزيران/يونيو. وكان يتناول مع غيره من العاملين في المجال الطبي وجبة واحدة يومياً، عادةً الأرز أو العدس. وأحياناً، كان يتناول الطماطم أو الفلفل أو التونة المعلبة. وبات من الشائع رؤية الناس يتوسلون للحصول على الطعام في السوق، أو يسارعون إلى سيارات عمال الإغاثة الدوليين على الطريق الساحلي، أو حتى يطرقون الأبواب بحثاً عن الدقيق.

تأسست وكالة "الأونروا" عام 1949 لتقديم الإغاثة الإنسانية للفلسطينيين النازحين من جراء الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1948. في البداية، كان تهدف إلى توفير فرص عمل في مشاريع الأشغال العامة وتقديم الإغاثة المباشرة، ثم تطورت لتقدم التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية لشرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني، حتى إنها خدمت أكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني مسجل وأحفادهم في الشتات. وكانت السلطة الفلسطينية من بين المستفيدين من خدمات "الأونروا" ودعمها، بحيث حكمت الضفة الغربية منذ عام 1993 وغزة حتى الانتخابات التي أشرفت عليها الولايات المتحدة في عام 2006، والتي فازت فيها حماس بالسلطة.

في أوج قوتها، وظّفت "الأونروا" أكثر من 30 ألف شخص، 99% منهم فلسطينيون. وجاء معظم تمويل الوكالة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، لكن معظمه اختفى بعدما اتهمت "إسرائيل" موظفي "الأونروا"  بالمشاركة في هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقد برّأت تحقيقات الأمم المتحدة معظم الموظفين المتهمين في الوكالة، ولكن من المحتمل أن يكون 9 من أصل 13 ألف شخص عملوا لدى المنظمة في غزة شاركوا في الهجمات.

إضافة إلى ذلك، قدمت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) دعماً مالياً للشعب الفلسطيني لتنفيذ مشاريع تنموية وإنسانية متنوعة. ومنذ عام 1994، قدّمت الولايات المتحدة أكثر من 5.2 مليار دولار كمساعدات للفلسطينيين. وتوقف هذا التمويل بعدما وعد وزير الخارجية ماركو روبيو في آذار/مارس بخفض المنح الأجنبية للوكالة الأميركية للتنمية الدولية بنسبة 83% قبل إغلاقها بالكامل في الأول من تموز/يوليو.

لقد شكّل إنهاء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهي بمنزلة أداة القوة الناعمة التي استُخدمت إبان الحرب الباردة وتأسست عام 1961 باعتبارها "وكالة مستقلة تابعة للسلطة التنفيذية مسؤولة عن إدارة المساعدات الخارجية ومساعدات التنمية الاقتصادية خارج الولايات المتحدة"، أبرز السياسات التي انتهجتها إدارة ترامب الثانية.

ولعقود طويلة، أدت الوكالة دوراً محورياً في علاج فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) وتوفير الرعاية الصحية المنقذة للحياة، بما في ذلك في غزة. وتشير إحدى الدراسات إلى أن تخفيضات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ستؤدي إلى وفاة 14 مليون شخص بحلول عام 2030.

على مدى العقود الماضية، كان معظم المساعدات الدولية المقدمة إلى غزة يتم إما من خلال شركاء "الأونروا" وإما الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، مع العلم أن قطر كانت أيضاً ممولاً رئيساً، إذ قدمت أكثر من مليار دولار من أموال إعادة الإعمار ومخصصات للفلسطينيين الفقراء بين عامي 2014 و2019.

لقد كان جزء كبير من النشاط الاقتصادي في القطاع يعتمد على البنية التحتية للمساعدات، إذ أدَّت "الأونروا" بالتحديد دوراً هاماً في توزيع الغذاء حتى قبل بدء الحرب. وقد أشارت الجمل إلى أنّ "الأونروا كانت العمود الفقري الذي وحّد مجتمع غزة"، وقالت: "في طفولتي، التحقتُ بمدارس الأونروا، وحصلتُ على أفضل تعليم ممكن بأقل الموارد. وعندما كنت، إخوتي أو أنا، نمرض أو نحتاج إلى رعاية طبية، كنا نسارع إلى عيادات الأونروا المدعومة التي كانت تزودنا بالأدوية اللازمة. وعندما يتعلق الأمر بالطعام، اعتمد الكثير من عائلات اللاجئين على توزيعات حصصها الغذائية الجافة لمدة 3 أشهر"، والتي تتكون من "الدقيق وزيت الطهي والسكر والأرز والعدس والحمص لكل فرد من أفراد الأسرة لمدة 3 أشهر". وقد ساهم هذا البرنامج لسنوات في ضمان الأمن الغذائي في المنطقة، و"كنا نفخر دائماً بحقيقة أنه أينما ذهبنا، ومهما ساءت الأمور، من غير المحتمل أن تنام من دون طعام".

علاوةً على ذلك، أدت المطابخ المجتمعية دوراً محورياً في توزيع المساعدات في غزة. وقد انتقلت مورين كعكي، رئيسة بعثة منظمة "غليا"، وهي أميركية من أصل فلسطيني، من تكساس إلى غزة قبل أكثر من عام لتقديم المساعدة، ولم تغادرها قط. كما تتطوعت في "مطبخ شباب غزة" في خان يونس.

بحسب كعكي، وعند وصولها، كانت المطابخ المجتمعية في جميع أنحاء غزة تُنتج 250 ألف وجبة يومياً، وتُطعم نحو 800 ألف شخص، أي نحو 45% من سكان القطاع. في ذلك الوقت، كانت المطابخ المجتمعية قادرة على الحصول على الغذاء بشكل موثوق من خلال التبرعات والوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

أما اليوم، فقد غدا تشغيلها صعباً للغاية. ولا تزال المطابخ المجتمعية موجودة حتى اليوم، لكن قدرتها الإنتاجية انخفضت من 250 ألف وجبة يومياً إلى نحو 25 ألف وجبة لعدم قدرتها على تأمين الإمدادات، بحسب كعكي التي تصف المجاعة الحالية بأنها أسوأ ما شاهدته بلا شك. 

كذلك، توقف المطبخ المركزي العالمي (World Central Kitchen)، الذي أسسه الشيف خوسيه أندريس، أحد أشهر موزعي الطعام في غزة، والذي قُتل عماله في غارة جوية إسرائيلية عام 2024، عن العمل في أيار/ مايو بعد نفاد إمداداته، ثم استأنف عمله مؤخراً.

وواصلت منظمات الإغاثة المشتركة الأصغر حجماً، مثل "مشروع سمير"، إنتاج أكبر عدد ممكن من الوجبات، حتى بعد مقتل منسق المخيم مصعب علي. كما انخفضت القدرة الإنتاجية لـ"مطبخ شباب غزة" من 15 ألف وجبة يومياً إلى 3 آلاف وجبة في حزيران/يونيو، واضطر بحلول تموز/يوليو إلى إيقاف عملياته بسبب ارتفاع سعر الأرز. وتأمل المجموعة استئناف عملها في أقرب وقت ممكن.

وبينما يعاني مقدمو المساعدات في غزة منذ فترة طويلة، تبنّت "إسرائيل" والولايات المتحدة نهجاً جديداً تمثل بمؤسسة غزة الإنسانية. وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، بدأ مسؤولون وقادة عسكريون ورجال أعمال إسرائيليون مناقشة مفهوم نظام توزيع الأغذية المدعوم من "إسرائيل" في كانون الأول/ديسمبر 2023، وأحضروا عميلاً سابقاً في وكالة المخابرات المركزية تحول إلى متعاقد أمني خاص في الداخل بحلول صيف عام 2024. وتم الإعلان عن البرنامج الجديد في 19 أيار/ مايو 2025، كمبادرة تقودها الولايات المتحدة، إذ صرّح السفير الأميركي لدى "إسرائيل"، مايك هاكابي، بأن "من الخطأ" وصفه بأنه خطة إسرائيلية. وفي حزيران/ يونيو، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن المبادرة نشأت في الواقع في "إسرائيل".

وعلى عكس أنظمة توزيع المساعدات السابقة، خططت مؤسسة غزة الإنسانية لاستخدام عدد صغير من مراكز التوزيع في جنوب غزة، والتي سيتم تأمينها من قبل مقاولين من القطاع الخاص مدعومين من الولايات المتحدة، مع بقاء "الجيش" الإسرائيلي في موضع المراقب عن بُعد. وتكون المساعدات مُعبأة مسبقاً، وتحتوي على مجموعة أدوات نظافة، ومستلزمات طبية، وحصص غذائية. وتم تخصيص ميزانية لكل وجبة بتكلفة 1.30 دولار تقريباً لكلّ وجبة.

وبعد وقت قصير من إطلاقه، قال المسؤولون إن نظام مؤسسة غزة الإنسانية يحاول فحص الأشخاص بحثاً عن المتورطين مع حماس باستخدام تقنية التعرف إلى الوجه أو التكنولوجيا البيومترية، منتهكاً بذلك مبدأ أساسياً في معالجة الجوع، وهو أنه لا يمكن فرض أي اختبار سياسي حقيقي للحصول على حقوق الإنسان مثل الغذاء والماء.

وقد رفضت الأمم المتحدة خطة التوزيع الجديدة المدعومة من الولايات المتحدة، واعتبرت أنها لا تفي بمبادئها الراسخة المتمثلة في "النزاهة والحياد والاستقلالية". وصرّح مسؤول المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة بأن النظام الجديد سيتسبب بالمزيد من النزوح، ويُعرّض الناس للأذى، ويُقيّد وصول المساعدات إلى جزء واحد من غزة. ودعت منظمة "أوكسفام" و240 منظمة غير حكومية أخرى إلى اتخاذ إجراءات فورية لإنهاء خطة التوزيع الإسرائيلية.

وفي أواخر حزيران/ يونيو، أكد جنود إسرائيليون ادعاءات الفلسطينيين بشأن مراكز توزيع المساعدات التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية، فقد أمر القادة الجنود صراحةً بإطلاق النار على المدنيين العُزّل. وكانت المجازر نتيجةً لقيام الجنود بما أُمروا به.

ووفقاً لمنظمة "غليا"، "يلقى ما بين 20 و50 فلسطينياً حتفهم يومياً في مراكز توزيع المساعدات". كما أفادت وكالة "أسوشيتد برس" بأن متعاقدي مؤسسة غزة الإنسانية أطلقوا ذخيرة حية على مراكز توزيع المساعدات، وهي مزاعم تنفيها المؤسسة. كما أنكرت وقوع حوادث عنف متعددة قرب مراكز توزيع المساعدات، وهي تُلقي باللوم دائماً على مُحرّضين خارجيين في الحوادث التي تُقرّ بها، مُؤكدةً أنها "تُركز على مهمتها المتمثلة في إطعام أكبر عدد ممكن من الناس يومياً بأمان وسرعة وفعالية".

في المقابل، يدحض ما تبقى من مستشفيات غزة وأطبائها ادعاءات مؤسسة غزة الإنسانية. ويقول الأطباء إنهم يستقبلون ما بين 50 إلى 100 جريح يومياً. كما يصل العشرات إلى المستشفى أمواتاً أو يموتون بعد ذلك بوقت قصير. وتتنوع الإصابات التي تتسبب بها هجمات "الجيش" الإسرائيلي على طالبي المساعدات بين بتر للأصابع نتيجة رصاصات من عيار ثقيل وأعضاء حيوية مخترقة (القلب والرئتان والأبهر) وطلقات في الرأس.

وقد أقرّت مؤسسة غزة الإنسانية بالخطر الذي يشكله "الجيش" الإسرائيلي على مراكز توزيع المساعدات التابعة لها، وطلبت من سكان غزة، في منشور في "فيسبوك"، عدم البقاء قرب مراكزها بين الساعة الـ7 مساءً والـ6 صباحاً حفاظاً على سلامتهم، بسبب احتمال قيام "الجيش" الإسرائيلي بإجراء عمليات عسكرية في المنطقة.

وعلى الرغم من قيام إدارة ترامب بإلغاء آلاف المنح المُقدمة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، يبدو أنّ مؤسسة غزة الإنسانية لا تفتقر  إلى الأموال؛ ففي وقت سابق من هذا الشهر، أفادت وكالة "رويترز" بأنّ وزارة الخارجية تدرس منح مؤسسة غزة الإنسانية مبلغاً إضافياً بقيمة 500 مليون دولار. وذكرت منصة "زيتيو" أن مؤسسة غزة الإنسانية طلبت مبلغ 30 مليون دولار من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

وتنشر حسابات المؤسسة في مواقع التواصل الاجتماعي بانتظام اتهامات ضد منظمات الإغاثة الدولية والصحافيين. وزعمت مؤسسة غزة الإنسانية أن "مكتب وكالة "أسوشيتد برس" في الشرق الأوسط تحول للأسف إلى أداة دعائية، بحيث يقوم بتضخيم الادعاءات غير المؤكدة، وحذف السياق المهم، ونشر روايات تخدم جماعة إرهابية محددة". إن منشوراتها العدوانية تحمل بصمة ترامبية وتتميز بإنكار وجود أي مشكلات في نهجها.

في 17 حزيران/يونيو، أفادت تقارير بمقتل أكثر من 50 فلسطينياً بنيران الدبابات الإسرائيلية أثناء انتظارهم شاحنات المساعدات في خان يونس جنوبي قطاع غزة. وفي 16 تموز/ يوليو، قُتل أكثر من 20 فلسطينياً في مركز توزيع للمساعدات تابع لمؤسسة غزة الإنسانية جنوبي غزة. ويستمر عدد الأشخاص الذين قضوا بنيران إسرائيلية في مراكز توزيع المساعدات التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية في الارتفاع، في ظلّ معاناة سكان غزة من المجاعة. وقد أحصت وزارة الصحة في غزة مقتل 1021 شخصاً وإصابة 6511 آخرين في المراكز التابعة للمؤسسة منذ بدء البرنامج، من بينهم 38 شخصاً على الأقل قُتلوا بنيران إسرائيلية نهاية الأسبوع الفائت. كما توفي رضيع حديث الولادة بسبب سوء التغذية في مستشفى الشفاء في مدينة غزة يوم السبت.

وفي ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع، أصدرت أكثر من 20 دولة، منها المملكة المتحدة وفرنسا وكندا، بياناً يوم الاثنين جاء فيه أن "معاناة المدنيين بلغت مستويات غير مسبوقة"، ودعت إلى إنهاء الحرب في غزة فوراً.

وأضاف البيان: "إن نموذج تقديم المساعدات الذي تنتهجه الحكومة الإسرائيلية خطير، ويُفاقم حالة عدم الاستقرار، ويحرم سكان غزة من كرامتهم الإنسانية. إننا نُدين توزيع المساعدات بالتنقيط، والقتل اللاإنساني للمدنيين، بمن فيهم الأطفال، الذين يسعون إلى تلبية احتياجاتهم الأساسية من الماء والغذاء".

 

نقلته إلى العربية: زينب منعم – الميادين