موقع أنصار الله . تقرير | وديع العبسي

لو أن منتحلي صفة الساسة والقادة العسكريين في الكيان الصهيوني، ومعهم أمثالهم من الأمريكان وقفوا لحظة لتقييم معركتهم العبثية ضد شعب أعزل ومحصور في قطاع غزة، لاكتشفوا الكثير من الحقائق الصادمة، فخلال (22) شهرا من الفوضى والبلطجة المتواصلة ووضع أشكال للتصعيد، وأساليب في أسوأ المستويات للقتل والإبادة، لا يزال الموقف كما هو، ولا يزال العدو يراوح في ذات العُقدة المتمثلة بالمقاومة التي لا تيأس.
فشِل العدو سياسيا وفشِل عسكريا، والأسوأ له، أنه فشِل في الحفاظ على الهالة الكاذبة للقوة التي ظل يعمل على غرسها في الذهنية العالمية، وبالأخص العربية والإسلامية بقصد إرهاب الأنظمة والشعوب عن التفكير بأن هناك دولة محتلة وشعباً مظلوماً يتعرض منذ عقود لأصناف الممارسات الوحشية على يد الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة.

فشل سياسة الاغتيالات للقادة

في لحظة من الشعور بالإحباط وهو يستنزف قدراته ومجنديه في معركة الإبادة دون تحقيق أي هدف استراتيجي يمكن أن يستند عليه في بناء حضوره في المنطقة بشكل أقوى، توصّل العدو -في ذات لقاء لـ"مجلس الحرب"- إلى أن التخلص من قادة المقاومة هو الملاذ للتخلص منها، ورغم أن هناك من اعتبر هذا المذهب مظهرا من مظاهر العجز عن تقدير الأمور وفق المعطيات التي أثبتت عبثية ذلك، إلا أن قادة الاحتلال الصهاينة رأوا أن العمل عليه سيكون هو الأنسب لخلخلة صفوف الفصائل داخل فلسطين، وكذلك حزب الله واليمن والجمهورية الإسلامية، بكسر الروح المعنوية، وخلق حالة من الإحباط واليأس لدى أحرار الأمة.
أكد هذا الاستخلاص ما يعانيه قادة إدارة الكيان من قصور سياسي عميق، غير أن ثمة‍ أصواتاً منهم وفي لحظات من التعبير عن اليأس والإحباط لا تجد بدّا من مواجهة الذات بالحقيقة، فمن داخل الكيان -ومع اغتيال الشهيد يحيى السنوار- أكد المدعو "رام بن باراك"، "نائب رئيس الموساد" السابق، أن اغتيال قائد مثل السنوار لن يحقق أهداف "إسرائيل"، وقال "بعد سقوط السنوار، سيأتي شخص آخر. إنها حرب أيديولوجية، وليست حربًا على الأفراد". فيما قال "ميلشتاين"، الذي عمل في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي "أمان": "في بعض الأحيان يكون من الضروري اغتيال زعيم بارز للغاية. ولكن عندما تبدأ في التفكير في أن هذا سيغير اللعبة وأن منظمة أيديولوجية ستنهار لأنك قتلت أحد قادتها، فهذا خطأ فادح".
الباحث في الشأن السياسي والإستراتيجي سعيد زياد سخر من الهدف الذي حدده الكيان من عمليات الاغتيال، وأكد أن الضرر المتوقع بشأن اغتيال هذه القيادات "من المفترض أنه قد وقع خلال المعركة".

الحقيقة التي تزيد من "تشنج" العدو

اليوم وبعد (22) شهرا من حرب الإبادة واغتيال قادة مثل الشهيد القائد إسماعيل هنية، والشهيد القائد يحيى السنوار، والشهيد القائد محمد الضيف، يصفع واقع حال أولئك منتحلي السياسة والقيادة العسكرية الصهاينة، فالمقاومة الفلسطينية صامدة ولا تزال تنكل بهم رغم الإبادة والحصار. يقول الكاتب والمحلل الفلسطيني ثامر سباعنة "رغم تأثيرها التكتيكي على المدى القصير، أثبتت سياسة اغتيال القادة فشلها في تحقيق أهداف استراتيجية طويلة المدى، فالحركات المقاوِمة، خاصة تلك التي تستند إلى أيديولوجيات عميقة ودعم شعبي واسع، قادرة على تجاوز خسارة قادتها، وإعادة تنظيم صفوفها". ويبدو أن مثل هذه الحقيقة هي التي تزيد من حالة "التشنج" لدى القيادات الإرهابية في حكومة "النتنياهو"، لتدفع بـ"وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي" بعد (22) شهرا من الفشل للدعوة بشكل صريح إلى تصفية قادة حماس المتواجدين في قطر، قائلًا "يجب على إسرائيل أن تصفي قادة حماس في قطر بشكل قاطع".

إيران تُغرق أمريكا والكيان في وحل الهزيمة

وعلى ضفة الأحرار، دولاً أو مكونات شعبية، اشتغل العدو الإسرائيلي ومن أمامه وخلفه كائنات الحماية والدعم من عجم وعرب بقيادة أمريكا، على أكثر من اتجاه وشكْل استهداف، لأن تشملها حربه العدوانية القائمة، فأضاء الإشارة الحمراء تجاه الجمهورية الإسلامية، وصعّد من الحديث بشأن برنامجها النووي، فيما كان "اللوبي الصهيوني" يدفع بقادته المؤثرين والمنتشرين في مراكز القرار الأمريكي والبريطاني والفرنسي والألماني للضغط في اتجاه عدم تمكين إيران الإسلامية من تحقيق التقدم في الاستفادة من التقنية النووية، حتى وصل الأمر إلى شن عدوان الـ(12) يوما، فمارس العدو نفس المنهجية العاجزة والجبانة، بعمليات الاغتيال واستهداف الأعيان المدنية، مع تصور عقيم بأنَّ شلَّ حركة وقدرات إيران سيُطفئ جذوة محور المقاومة، إلا أن الرد الإيراني جاء مفاجئا ومدهشا، بصورة أجبرت مراكز الدراسات الصهيونية في غير مكان من العالم على إخضاع التفاصيل -سواء في شكل الرد أو حجمه أو طبيعة الأهداف داخل الكيان- للدراسة والبحث في الإجابة عن السؤال: أين تركز خلل اشتغال عقود من زراعة العملاء وجمع المعلومات الاستخبارية؟ ولماذا لم يكن متوقعا هذا الرد؟!
 يُذكِّر المحامي والباحث "الإسرائيلي" "إيتاي ماك" في هذا السياق، وفي مقال تحليلي نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية بأن "إسرائيل" ظلت لسنوات تحتفظ بورقة رابحة وهي التلويح بشن هجوم عسكري واسع النطاق، الذي سيشكّل رادعا رئيسيا في الصراع ضد إيران. والآن، حسب ماك، بعد هجومها على إيران، لا تملك "إسرائيل" أي أوراق أخرى في جعبتها".
دخلت أم الارهاب أمريكا خط العدوان على الجمهورية الإسلامية دعما للعدو الصهيوني، إلا أن نتيجة المواجهة أكدت حقيقة الأعداء الهشة. وبدأ العالم يعيد حساباته بشأن الهالة الأمريكية الدفاعية، بينما ذهب الخبراء الصهاينة ومهندسو أفكار الاستباحة لتحديث معلوماتهم بهدف ضمان عملية تفاعل مدروسة من أجل تعيين توقعات محددة لأي نشاط عدواني ضد الدولة المسلمة مستقبلا. يقول رئيس ما يسمى "مجلس الأمن القومي الإسرائيلي" السابق الجنرال المتقاعد غيورا آيلاند" إن كيان الاحتلال بحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجياته العسكرية والسياسية في الحروب القادمة.

اليمن يكسر يد أمريكا

شنت واشنطن أيضا كما أشرفت ودعمت، عدوانا على جنوب لبنان وعلى اليمن، فمن هناك كان ينطلق الصوت المقاوم الأقوى، ومن هناك كانت تنطلق عمليات الإسناد والانتصار للفلسطينيين. لذلك أراد الأمريكي والإسرائيلي إنهاء قدرات محور المقاومة في اليمن ولبنان، ولم يكن يعلم بأنه إنما يعزز من ثبات المحور، ويزيد في بلورته، فسحب قادةُ الكيان أذيال الهزيمة من مواجهة حزب الله في لبنان، كما فعلت أمريكا في اليمن.
على أن مواجهة العدو الأمريكي -صاحب التركيبة المجتمعية "الخليط" وغير المتجانسة- مع اليمن مثّلت ذروة التعرية والكشف لكذبة اليد الأمريكية الطولى، وأظهرت أن الأمر ليس أكثر من "بروباجاندا" جعلت منه كائنا أسطوريا يَضرب ولا يُضرب، يعتدي ولا يلقى أي رد، فكل ذلك جرفته أمواج المياه العربية في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن.
في مواجهة اليمن ومحاولة ثنيه عن القيام بدوره الإيماني والأخلاقي والإنساني تجاه الشعب الفلسطيني، زلزل الثبات اليمني وعملياته العسكرية غطرسة الكائنات الطارئة الأمريكية والإسرائيلية، إذ حشدت أمريكا أفضل ما لديها من سلاح ردع، ونفذت عدوانا على التجمعات السكانية اليمنية بزعم استهداف قيادات، ولمّا فشلت، ذهبت لإجبار الاتباع على الدخول في تحالفات وتقاسم خسائر الكلفة والسمعة من المواجهة مع القوات المسلحة اليمنية، إلا أن هذا الأمر أعطى القوات اليمنية مساحة أكبر لاختبار منتجاتها التصنيعية العسكرية، لتنسحب الدول المشاركة في هذه التحالفات خِلسة وفي جنح الظلام إثر نجاح هذه التجارب، معلنة -بانسحابها- عدم قدرتها على تحمل تبعات معركة لا ناقة لها فيها ولا جمل، تاركة المتغطرس الأمريكي وقد "طفا" على مياه البحر الأحمر بلا وزن وبلا ملاذات آمنة تعينه على حماية الكيان.

إغراق طموحات ترامب في البحر

ذهب الزَبد جُفاء ومكث أصحاب الأرض والبحر، فخلال ذلك لم تتوقف العمليات اليمنية، وكانت في كل مرة تظهر بتحولات جديدة شملتها خمس مراحل من التصعيد ضد العدو الصهيوني، انتهت حينها إلى فرض حصار جريء على ميناء أم الرشراش، ما أثار فخر الأحرار في العالم العربي والإسلامي، وإعجاب كثير من العالم الغربي والأوروبي، فيما سحق نفسيات الصهاينة.
وبظهور المدعو دونالد ترامب مرة أخرى في مشهد العمل السياسي والعسكري المدافع عن "الربيبة" الإسرائيلية الكسيحة، سعى اللوبي الصهيوني لتوجيه اهتمامه وغضبه صوب اليمن، لتعود أمريكا من جديد إلى ميدان المواجهة، فكانت القاصمة لها، إذ حشد ترامب أفضل ما لديه من السلاح و"مفتوليّ العضلات"، فشن أكثر من ألف غارة على الأعيان المدنية، ثم ادعى أنه دمر جزءاً من القدرات اليمنية ما سيعيقها عن مواصلة هجماتها في البحر الأحمر، وتوقفت العمليات بالفعل، ولكن ليس كنتيجة لما ادعاه ترامب، وإنما لالتزام السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني وعدم مرورها عبر البحر الأحمر، ولمّا ظهرت سفينة "ماجيك سيز" في يوليو الماضي أثبتت القوات البحرية اليمنية أنها على ذات الوضعية من الجهوزية والاستنفار لحماية السيادة الوطنية من انتهاك الآخرين لقرار حظر على ميناء أم الرشراش، فأغرقتها. تلتها سفينة "إتيرنيتي سي" والتي لحقت أختها إلى قاع البحر. ونسفا لادعاءات ترامب، أقرّ وزير دفاعه "بيت هيغسيث" بفشل العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة ضد اليمن إسناداً للكيان الصهيوني، مشيرا إلى أنها لم تحقق أهدافها المعلنة بالقضاء على القدرات العسكرية اليمنية، أو حتى ردع عملياتها القتالية الداعمة للشعب الفلسطيني. وأكد أن وقف العمليات العسكرية في البحر الأحمر جاء بعد اتضاح أنها معركة استنزاف للجيش الأمريكي وترسانته العسكرية، وقد أضرَّت كثيراً بصورة التفوق العسكري الأمريكي، حسب "هيغسيث".
تقول "جينيفر كافاناغ"، مديرة التحليل العسكري في مركز "أولويات الدفاع" الأمريكي: "عبقرية استراتيجية الحوثيين تكمن في أن صواريخهم لا تحتاج إلى إصابة أهداف أو إحداث دمار كبير لتحقيق هدفهم الرئيسي، وهو تعطيل حركة الشحن في البحر الأحمر." وأضافت: "مجرد التهديد بشن ضربات صاروخية، والغموض المحيط بها، كانا كافيين لإبعاد معظم شركات الشحن عن المنطقة وإبقائها بعيدًا".