موقع أنصار الله . تقرير | 

هناك مشروع خطير يتفاعل في المحافظات الشرقية المحتلّة، حيث يُعاد توزيع وتقاسم النفوذ بين أدوات العدوان الإماراتي السعودي في إطار مخطّط أمريكي ـ صهيوني يستهدف اليمن أرضًا وبحرًا وإنسانًا، وما يجري في حضرموت والمهرة جزء من مشروع واسع للإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني، يقوم على إنشاء قواعد عسكرية وبناء مطارات في الجزر والممرّات البحرية اليمنية، بهدف تأمين الملاحة الصهيونية، وتوفير حماية خلفية للقوات الغازية، والتمدّد داخل صحراء ووادي حضرموت، والسيطرة على الثروات النفطية والمائية والمعادن النفيسة.
موقع اليمن الجيوسياسي جعله مطمعًا تاريخيًا، ونظام العدو السعودي ونظام العدو الإماراتي ليسا إلا أدوات منفذة للاستعمار الجديد، تخدم المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة، وتقوم بتوظيف الأدوات الرخيصة… و"تقاسم الكعكة" بين الرياض وأبو ظبي، وما الصراع بين أدوات الاحتلال من حزب الإصلاح وميليشيات الانتقالي سوى انعكاس لعملية “تقاسم الكعكة”، فالسعودية تدير المشهد بما يسمى “وساطة”، فيما الإمارات تدفع بأدواتها للسيطرة على حقول النفط في حضرموت، ولكن النظامين في الرياض وأبوظبي يعيدان في نفس الوقت توزيع النفوذ وفق أجندة أمريكية تهدف لإضعاف اليمن وإعادة تشكيل المنطقة، تمامًا كما يحدث في السودان والعراق وسوريا ولبنان. 

تصاعد الخلافات بين الاحتلال السعودي ونظيره الإماراتي في المناطق المحتلة يتجاوز مجرد الاختلافات الإدارية أو العسكرية، ليصل إلى مستوى النفوذ الإقليمي والسيطرة على الموارد والمناطق الاستراتيجية، فهذه الأيام يحتدم الصراع في اليمن، وقبله في السودان وفي ملفات أخرى، إلا أن هناك أبعادًا استراتيجية أوسع لهذه الصراعات، حيث تعكس توجهات القوى الغربية القديمة، التي كانت تستعمر المنطقة سابقًا، عبر السيطرة المباشرة أو الاقتصادية، وهو ما يتكرر اليوم بأساليب الاستعمار الناعم، الذي يمارسه كل من الرياض ولندن وواشنطن وأبوظبي عبر أدواتهما في المنطقة.
إن ما يجري في السودان واليمن جزء من مشروع أمريكي أوسع في القرن الإفريقي، يسعى لإبقاء المنطقة في حالة انقسام ونزاع متعدد، وإن كشف هذه السياسات يعكس عمق التدخل الغربي في شؤون الدول العربية وأثره المباشر على الأمن والاستقرار الإقليمي.

حضرموت، جبهة الصدع الأولى

اختلف لصوص الثروة ودعاة العاصفة في اليمن ومعهم تنقسم صفوف الأدوات والمرتزقة، يتقاتلون ويتناحرون، أيُّهم بقتل منافسِه يكون الأجدر بخدمة من يدفع، وأيُّهم بِبَيْعِ وطنِه يصير الأسبقَ على أبوابِ مَنْ يرفع. أولئك قلةٌ ولو كَثُرت جموعُ قطيعِهم، وأولئك شرذمة ولو تَحَشَّدَ شذاذُهم؛ لأن اليمن أكبر وأعزُّ وأكرم.. لا يبيعُ الذممَ ولا يساومُ على القيم.. وشعبُه العزيزُ يواصلُ ثورةَ نفيرِه لمواصلةِ الإسنادِ لغزة. 
تشهد محافظة حضرموت واحدة من أوضح محطات الانكشاف، حيث تخوض أدوات السعودية والإمارات مواجهة مفتوحة للسيطرة على الجغرافيا والثروة والطرق البحرية، ميليشيات أبوظبي تقدّمت على الأرض وسيطرت على نطاقات واسعة في المحافظة، فيما تحاول الرياض استعادة نفوذها عبر تشكيلات قبلية وعسكرية دفعتها خلال السنوات الماضية تحت مسمّيات “الحماية” و”الدرع”، في سبيل الإبقاء على منفذها نحو بحر العرب ومنع أي حضور منافس يهدّد مشروعها في المناطق الحدودية والربع الخالي.
لكن الصراع يتجاوز حدود اليمن، فالمعركة في حضرموت إنما هي امتداد لمشروع أشمل تعيد من خلاله القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، صياغة نفوذها عبر “استعمار ناعم” يمنح الرياض وأبوظبي دور الوسيط والوكيل، بينما يراد لليمن أن يبقى ساحة نفوذ قابلة للتجزئة، وممرًا آمنًا لمخططات التحكم بالممرات البحرية والثروات النفطية.

سودان تتقاطع فوقه ظلال الخليج

امتداد التوتر وصل إلى السودان، حيث اندفع الطرفان إلى دعم معسكرين متناقضين في الحرب الدائرة هناك، فالإمارات تدعم قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، والسعودية تساند الجيش الرسمي بقيادة البرهان، وتحوّلت الخرطوم إلى ساحة اختبار أخرى لموازين القوى؛ فالإمارات تستخدم السودان كورقة ضغط على الرياض عبر موقعه الجيوسياسي المطل على البحر الأحمر، فيما ترى الرياض الوجود الإماراتي تهديدًا مباشرًا لأمنها البحري والاقتصادي.
السودان يُشاطئ السعودية عبر البحر الأحمر على مساحة واسعة من الضفاف، ودخول الإمارات هنا لا يقتصر على نهب الثروات الذهبية والزراعية، بل يؤسس ساحة تهديد جيوسياسي مباشر للسعودية على الضفة المقابلة، وتنظر الرياض إلى الوجود الإماراتي النشط هناك باعتباره أداة ضغط، لا استثمارًا اقتصاديًا فحسب.

خلافات تتجذّر فوق أرض اليمن وثرواته

تباين أهداف الطرفين في اليمن يكشف عمق الشرخ المتّسع، السعودية تركّز على منع أي استخراج للنفط والغاز قرب حدودها، وتستخدم التهديدات لمنع الشركات من العمل في تلك المناطق، فيما الإمارات تمضي نحو السيطرة على المنافذ البحرية، والموانئ، والجزر، والطرق التجارية، لضمان حضور اقتصادي دائم في الجنوب والشرق اليمني، إلا أن مجريات المعركة في حضرموت المحتلة تؤكد اجماع الرياض وأبو ظبي على إخراج حزب "الإصلاح" ذراع الإخوان المسلمين، من المعادلة.
ولذلك اندلعت صراعات بين ميليشيات الطرفين، خاصة في المحافظات الشرقية، حيث تشهد حضرموت والمهرة مشروعًا خطيرًا لإعادة تقاسم النفوذ، بإشراف أمريكي وصهيوني يستهدف إنشاء قواعد عسكرية ومطارات في الجزر اليمنية لتأمين الملاحة الإسرائيلية وفتح بوابة تمدد نحو الصحراء والثروات، هذه التحركات أفرزت حملات ميدانية انتقامية، خصوصًا في حضرموت، شملت اقتحامات واعتقالات ونهب مقرات وسعيًا لإقصاء أدوات الرياض لصالح نفوذ أبوظبي.
إلا أن ما لا يمكن إخفاءه أن هناك أبعاداً أكبر للصراع الدائر في حضرموت، يديره العدو الصهيوني بإحكام، وتنفذه الأدوات الإقليمية والمحلية، فبعد الانتكاسات الكبيرة التي منيت بها الولايات المتحدة الأمريكية، والضربات النوعية في الكيان الإسرائيلي وحظر ملاحته البحرية، جعلهما يسرعان من استخدام كافة أوراقهما للضغط على الجيش اليمني ومحاولة إشغاله بمعارك جانبية، وهذه المرة عبر الأدوات ومحاولة تعزيز حالة الانقسام في البلد عبر دعم المليشيات في المناطق المحتلة بغية أن يصبح تقسيم اليمن أمراً واقعاً، يعقّد المشهد اليمني، خاصة في ظل التعنت السعودي الإماراتي في تنفيذ خارطة الطريق والسعي إلى تنفيذ المخطط الصهيوني بدءاً بتحريك الأدوات المحلية والسعي لتشكيل  تحالفات بحرية للوقوف بوجه القوات البحرية اليمنية تحت مظلة "حماية الملاحة الدولية".
ورغم اشتداد التنافس، لا يزال الطرفان يتحركان ضمن الإطار الذي تسمح به واشنطن، إذ لا يخرج الصراع عن نطاق السيطرة الأمريكية التي تستخدمهما كأدوات متنافسة في مشروع واحد، هدفه تقسيم المنطقة وخلق كيانات متشظية سهلة الضبط والتحكم، السعودية تقدّم نفسها كقوة استقرار، بينما تسوّق الإمارات صورتها كمركز إقليمي مرن وفاعل، غير أن الطرفين في النهاية يتنافسان على خدمة ذات "الكينق"، وضمن هامش الجغرافيا السياسية الذي ترسمه واشنطن بدقة.

حرب المقرات والأسواق

الصراع امتد من شكله العسكري إلى الاقتصادي، فرؤية 2030 السعودية تسعى لتحويل الرياض إلى مركز إقليمي ينافس أبوظبي ودبي، فقد ألزمت السعودية الشركات بنقل مقارها الإقليمية إليها، فاستجابت مئات الشركات العالمية، ما أدى إلى انخفاض الاستثمار الإماراتي بنسبة 31%، فيما ردّت أبوظبي بإلغاء امتيازات جمركية على المنتجات السعودية وفرض قيود على الاستثمارات، حتى المياه الإقليمية أصبحت مجالًا للصراع، كما في قضية جزيرة الياسات التي رفعت السعودية بشأنها شكوى لمجلس الأمن ضد الإمارات، معتبرة إياها محاولة لفرض أمر واقع وتوسّع بحري خطير.
استمرار هذا الصراع يضع اليمن والسودان على شفا انقسامات أعمق، ففي اليمن ستترسخ الكيانات الموازية، وستصبح حضرموت والجنوب ساحة نفوذ موزعة بين شريكَين في احتلال واحد، مع احتمال اتساع المواجهات المسلحة بين أدوات الطرفين،
وفي السودان سيستمر النزاع المسلح بفضل التمويل والتسليح الخليجي المتناقض، ما يمنع أي إمكانية لحل سياسي.

خاتمة

لقد تفكّك التحالف الذي كان يسوَّق يومًا بأنه الأكثر انسجامًا في الخليج، وبات طرفاه يتحركان على مسارات لا تلتقي إلا في نقطة واحدة "خدمة المشروع الأمريكي الصهيوني" الذي يعمل على تمزيق المنطقة وإبقاء دولها في حالة صراع دائم.
لكن اليمن الذي رأى بلاده تقسَّم على طاولة الرياض وأبوظبي، يدرك اليوم أن الخلاف بينهما ليس خلافًا على المبادئ، بل سباق محموم على الغنيمة تحت عين الراعي الأمريكي. وما يظهر من اشتباك ليس إلا إعادة توزيع لأدوار الاحتلال في إطار مشروع أكبر يستهدف المنطقة كلها، أما الشعب اليمني، فسيظل أعمق وأصلب من أن تبتلعه هذه الصراعات؛ فالأرض التي قاومت العدوان لن تنكسر أمام أدوات تتصارع على ما ليس لها، ولن تُقسم بقرار من قوى فقدت بوصلتها وشرعيتها.