في ذكرى الإمام زيد بن علي -عليه السلام- نعودُ إلى الينابيع الصافية للثورة الحسينية الممتدة في الزمن والمكان، ونستحضر قيمًا ومبادئَ لا تزالُ حتى اليوم تشكل مصدر إلهام لكل الأحرار في مواجهة الطغيان والاستبداد.

 لم يكن خروج الإمام زيد إلا استجابة صادقةً لدافعٍ إيماني وأخلاقي عميق، فرضه عليه دينُ الله وضميرُ الحق، وهو يرى أُمَّـة جدّه محمد صلوات الله عليه وعلى آله تغرقُ في وحل الذل وتُستباحُ كرامتها من حكام الجور.

لقد مثّلت ثورة الإمام زيد محطةً فاصلة في مسار الأُمَّــة الإسلامية، حين حمل سيفه لا طلبًا لدنيا ولا سعيًا إلى ملك، بل دفاعًا عن القيم المحمدية الأصيلة التي انحرفت عنها السلطة الأموية، واستجابة لصرخة المستضعفين في وجه الظالمين. فكان امتدادًا حقيقيًّا لثورة كربلاء، وثائرًا يحمل ذات الروح، وذات الهدف، وذات المصير.

لم تكن ثورةُ الإمام زيد حدثًا عابرًا، بل مدرسة قائمة بذاتها، تعيد في كُـلّ زمان تعريف مفاهيم الكرامة والحرية والعدل، وتُذَكِّرُ بأن الحق لا يُقاس بعدد أتباعه، بل بصفاء مقصده وعدالة غايته.

وهو القائل كلمته الخالدة: "واللهِ ما يدعُني كتابُ الله أن أسكت. بهذه الروحية الصادقة، وبهذا الإيمان العميق، رسم زيد خطًا واضحًا للأحرار، خطًا يمتد من بدر إلى كربلاء إلى الكوفة، إلى كُـلّ ميادين الجهاد في وجه الباطل.

وفي إحيائنا لهذه الذكرى اليوم، لا نقف عند حدود البكاء على الماضي، بل نتزود منها عزمًا جديدًا على مواصلة الدرب، نستلهم من الإمام زيد كيف يكون الإنسان صادقًا مع الله، شجاعًا في موقفه، ثابتًا على مبدئه، مهما بلغ الثمن. فقد اختار السيف على أن يرى الحقَّ ميتًا، واختار الشهادةَ على أن يقبل حياة الذل.

ومن هنا، فإن الشعبَ اليمني اليوم، وهو يحيي هذه الذكرى بكل ما تحملُه من معانٍ سامية، يؤكّـدُ صمودَه في ذات النهج، ووقوفه الثابت مع قضايا الأُمَّــة الكبرى، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي تمثل اليوم الامتداد الحي لمعركة الحق في وجه الباطل. وكما وقف الإمام زيد في زمانه نصيرًا للحق والمستضعفين، يقف اليمن اليوم -بقيادته وشعبه- في الخندق ذاته، داعمًا للمقاومة، مساندًا لشعب فلسطين، حاملًا ذات الرسالة، ورافعًا ذات الشعار: "هيهاتَ منا الذلة".

سلامٌ على الإمام زيد، حليف القرآن، وسلامٌ على كُـلّ من سار على دربه، وأحيا ثورتَه في الفكر والوجدان والميدان، حتى يتحقّق وعد الله ويعلو صوت الحق في أُمَّـة محمد من جديد.