الإمام الحسين عليه السلام لم يكن شخصًا منفصلًا عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ-، بل كان قطعةً منه، وروحًا امتدّت من روحه، وموقفًا متجذرًا في رسالته. هذا الارتباط لم يكن ارتباطًا عاطفيًا مُجَـرّدًا، بل ارتباطًا بنيويًا عميقًا، عبّر عنه النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- بقوله: «حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينًا»، وهو قول يختصر أسمى درجات الاتّحاد بين الروح النبوية والامتداد الرسالي.

فحركة الإمام الحسين، وتضحيته، ورفضه للظلم، كلها نابعة من كونه من رسول الله، تحَرّكا، ووعيًا، ومبدأ، وغاية. ولولا هذا الارتباط الوثيق، لما نهض ذلك النهوض العظيم الذي غيّر وجه التاريخ، ولما ثبت ذلك الثبات الذي حمى به الدين، وواجه به الطغاة والمستكبرين.

وشخصية الإمام الحسين -عليه السلام- تمثل رمزًا إسلاميًّا خالدًا، لا بوصفه سبطَ النبي فقط، بل بما اجتمع فيه من علم، وبصيرة، وتقوى، وشجاعة، وصدق، ووراثة حقيقية لمقام النبوة، بعد أبيه الإمام علي بن أبي طالب، وأخيه الإمام الحسن بن علي عليهما السلام. فقد كان قرينًا للقرآن، حيًّا بمفاهيمه، ناطقًا بمقاصده، لا يُفهم القرآن في بعده العملي إلا إذَا نُظر إلى الحسين في مواقفه وكربلائه. فهو وارث النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حَيثُ العلم، والهداية، والصبر، والجهاد، والدعوة إلى الله، والثبات على الحق، وهو الامتداد الذي بقي محافظًا على جوهر الرسالة حين تنكرت الأُمَّــة لقيمها، وتراجع الناس عن نُبل التضحيات.

وحين خانت الأُمَّــة إمامَها، وتخاذلت عن نصرته، وانحازت إلى العجزِ والركون، حلت بها عواقب وخيمة، ليس أولها تمكين الطغاة، ولا آخرها إذلال الأحرار.

تلك الخيانة لم تكن عابرة، بل كانت فاصلة بين مرحلتين: مرحلةٍ كانت فيها الأُمَّــة تسير خلف راية الهدى، ومرحلةٍ بدأت فيها تتيه في ظلمات الحكم الأموي، والانحراف السياسي، والانحدار القيمي. وما حصل في كربلاء لم يكن حدثًا لحظيًا، بل مؤشرًا على نتائج وخيمة طالت مستقبل الأُمَّــة.

وما أشبه نتائج التفريط بالإمام الحسين عليه السلام، بعواقب التفريط اليوم تجاه مظلومية الشعب الفلسطيني، فهما من بابٍ واحد، وصورةٍ واحدة، وإن اختلفت الأسماء. فحين صمتت الأُمَّــة بالأمس عن دم الحسين، صمتت اليوم عن دماء الأطفال والنساء في فلسطين. وحين تخلّت بالأمس عن إمامها الحق، تتخلى اليوم عن قضية الحق في مواجهة المحتلّ. ومن أبرز عواقب هذا التفريط: شيوع الذل، وانعدام الموقف، وضياع الكرامة، واستفحال الظلم، وهي العواقب ذاتها التي نتجت عن خذلان الحسين عليه السلام، والتي لا تزال تتكرّر بصور مختلفة في واقع الأُمَّــة المعاصر.