إن خذلان الأنظمة العربية لفلسطين بات أمرًا لا يحتاج إلى تفسير أو اجتهاد، فما يجري في غزة حيث الدماء تسيل تُقابل في الدول العربية الرسمية بصمت مدوٍّ أو تبرير وقح، وبعضها يتورط في شراكة وتطبيع مع العدو، ضد الضحية.

هذه ليست المرة الأولى التي يُختبر فيها الموقف العربي، لكن هذه المرحلة هي من أكثر اللحظات انكشافًا وخزيًا، إذ بينما يمارس العدو الإسرائيلي جرائم إبادة جماعية ضد شعبٍ محاصر، ويستهدف الأطفال والمدنيين بشكل مباشر، حيث تقف بعض الأنظمة العربية مصفقة وصامتة ومروّجة لروايات الاحتلال.

ما زاد الجريمة قبحًا، هو انخراط بعض وسائل الإعلام العربية، خاصة التابعة للأنظمة المُطبعة، في حرب سردية موازية، تهدف لتشويه المقاومة، وطمس جرائم الاحتلال، وترويج روايات كاذبة عن "دروع بشرية" و"أخطاء حماس".

لقد تحولت هذه الوسائل إلى أدوات في يد العدو، تشرعن جرائمه، وتُضلّل الرأي العام العربي، وتُحبط الشعوب المتضامنة، وتبث رسائل إحباط وتزييف للوعي الجمعي.

ما كان للعدو الصهيوني أن يتمادى بهذه الوحشية لولا أنه وجد مناخًا إقليميًا خانعًا، منزوع الإرادة، خاليًا من الكرامة، إن الصمت العربي الرسمي خيانة مكتملة الأركان، موثقة سياسيًا وإعلاميًا.

وفي الوقت الذي تُعطل فيه أمريكا أي قرار دولي يُدين العدوان، ويُمنح الاحتلال مزيدًا من الأسلحة والدعم، تُكمل بعض الأنظمة العربية هذه المعادلة عبر الصمت والتواطؤ الدبلوماسي وتغطية جرائم العدو،  فقد تجاوزت حدود الصمت إلى التبرير، ومنها إلى دعم العدو ومساندته وفتح أبواب التجارة والأمن والسياسة مع الكيان الصهيوني، بل إن بعضها رفض حتى إصدار بيان إدانة للعدوان، في حين اكتفى البعض الآخر بلغة الادانات الهزيلة في تخَلٍّ صريح وفاضح عن المبادئ، وانسلاخ عن هوية الإسلام، واصطفاف مع المشروع الصهيوأمريكي في وجه الأمة وقضاياها المركزية.

إن ما تشهده غزة اليوم من إبادة جماعية، يتم تحت مظلة دولية وبشراكة عربية رسمية، منها ما هو عبر الدعم المادي والسلام ومنها عبر الصمت، والتطبيع، والتواطؤ الإعلامي والسياسي والدبلوماسي.

وهذه الجريمة، لن تُنسى، ولن تُغتفر، لأن التاريخ لا يرحم من يقف في صف المحتل المجرم، ولن ويكتب في صفحاته سوء وجوههم لانهم تخلو عن فلسطين والدم الفلسطيني، من أجل كرسيٍّ هش أو علاقةٍ مشبوهة.

الخذلان اليوم اصبح تخلٍّ شامل ومدروس وشراكة في سفك الدم، ووصمة لن تُمحى من جبين من تخلّى، وساوم، وصافح المحتل المجرم، من قبل أنظمة عربية هرولت نحو التطبيع، وأخرى تآمرت بصمت، بينما الشعوب مقيدة، تُخنق أصواتها، ويُصادر غضبها، وتُحاصر إرادتها.

ووسط هذا الخذلان المدوي، تُولد الكرامة من بين التضحيات، فالمقاومة، برجالها ونسائها، بصواريخها وبنادقها، بإيمانها وعقيدتها، تملأ الفراغ الانساني والإخلاقي الذي خلّفه المتخاذلون، المقاومة هي من تحفظ ماء الوجه، وتعيد رسم الخارطة، وتضع الأمة أمام مسؤوليتها، أن تتحرك أو تسقط نهائيًا في مستنقع العار.

غزة لا تنتظر شفقة أحد، ولا تتوسل دمعة من عين متخاذل، لكنها تُدين كل من صمت، وتُعري كل من تواطأ، فهي ما زالت تسأل:

هل بقي في صدوركم شيء من المروءة؟ من الشهامة؟ من الرجولة؟ من الدين؟

إن لم تتحرك الأمة اليوم، فمتى؟!

وإن لم نغضب لغزة، فلمن نغضب؟!

فلسطين تنزف... والأنظمة تصافح يد المجرم، فأيّ تاريخ سيكتب عن هذه الأمة حين يُسأل: من كان مع غزة؟ ومن باعها على قارعة التطبيع؟