شهادة لله أن أشجعَ شعبٍ عربي هو الشعب الفلسطيني؛ فمنذ أكثر من سبعين عامًا لم يعرف الاستسلام، ولم يخضع لجبروت المحتل، ولم يفرّط في قضيته العادلة.

كل يوم نرى هذا الشعب العظيم يواجه الترسانة الإسرائيلية الهائلة، يقارعها حتى بالحجارة لم يعتذر بعدم التوازن العسكري، ولم يتحجج بإختلال ميزان القوى.

كل يوم يقف في وجه الصهاينة المدججين بالسلاح حين يقتحمون المسجد الأقصى، ولو وقع مثل هذا في بلد آخر لانهارت قواه منذ زمن بعيد ولسلم للعدو الأقصى.

لقد رأينا دولًا عربية ضعفت أمام "إسرائيل" ووقعت معها اتفاقيات سلام من دون أن تصل إليها نيرانها، وليس بينها وبينها أي نزاع مباشر، ومع ذلك بادرت بالاستسلام وهي على بُعد آلاف الكيلومترات منها.

 بينما الفلسطينيون في غزة، ظلوا ثابتين رغم الجوع، والألم، والحصار الخانق، والعزلة العربية والدولية. إنهم يكافحون في سبيل الحياة، ويولون التعليم أهمية كبرى، ويربّون أبناءهم على رفض الاحتلال وعداوته.

أما المقاتلون والمجاهدون الفلسطينيون فلم يتوقفوا يومًا واحدًا طوال عامين متواصلين، ولم يتركوا للعدو فرصة للراحة. يخرجون من مواقع احتلها منذ أشهر طويلة ليوقعوا به خسائر فادحة. نرى المقاتل الفلسطيني يخرج جائعًا وحافيًا من تحت الأنقاض، حاملاً عبوة ناسفة يزرعها في دبابة إسرائيلية. لم تثنه الضغوط السياسية، ولم تربكه الفتاوى المأجورة، ولم تنل من عزيمته حملات القتل المستمرة.

يُقتل قادتهم ورجالهم الكبار، فينهض آخرون ليواصلوا القتال، من دون استسلام أو انهيار في المعنويات. فقد استُشهد الشيخ أحمد ياسين، واستُشهد عبد العزيز الرنتيسي، واستُشهد محمد الضيف، واستُشهد يحيى السنوار، واستشهد إسماعيل هنية والعاروري ومع ذلك يقاتلون و يتحدّون أمريكا وإسرائيل بكل شجاعة وثبات ( فماوهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين).

الفلسطينيون اليوم هم خط الدفاع الأول عن بلداننا، وهم من يحمون أرضنا وكرامتنا، ولسنا نحن من يحميهم. ولو أنهم استسلموا، وانتهت معركة إسرائيل داخل فلسطين، لكانت قد اندفعت لتضرب الشعوب المجاورة، ولرأيناها اليوم متوغلة في الأردن ومصر ولبنان وسوريا.

إنه حقًا شعب الجبارين، شعبٌ يستحق أن نقف أمام تضحياته إجلالًا، وأن نحيي ثباته وصموده، بل ويستحق أن نضحي نحن من أجله.

وأن نتعلم منه كيف نثبت في الظروف الصعبة وكيف نتماسك في الأزمات الكبيرة وكيف نصمد أمام العواصف العاتية، وكيف يقاتل الفرد دون قيادة.