“الحكم بالخوف”…استراتيجية إسرائيلية للتحريض على الحرب؟َ!
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
لطالما ساق الكيان الإسرائيلي العديد من الذرائع لتبرير الحروب التي يشنّها على المحيط العربي. وتنوعّت هذه الذرائع بين الردع والدفاع ومنع ما يسميه “النفوذ الإيراني” من الوصول إلى الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، إلا أن هناك ذريعة أساسية تتعلّق بالداخل الإسرائيلي لم ترد في أيّ من التبريرات السابقة، ويمكن وصفها بـ”الحكم بالخوف” حيث يعمل الكيان الإسرائيلي على ادخال الخوف والرعب في قلوب مواطنيه كتذكيرهم بمحرقة هتلر وذلك من أجل دفعهم إلى الذهاب إلى الحرب والقتال، حسب قول خبراء صهاينة.
أسباب انعدام الثقة عند الإسرائيليين
بدأت تتآكل هيبة الجيش الإسرائيلي يوم شاهد العالم بأسره انسحاب جنوده من جنوب لبنان عام 2000 مطأطئي الرأس مذعورين خائفين من مجاهدي حزب الله اللبناني. وتبدلت في ذلك الوقت المعادلة التي فرضها الإسرائيلي في حرب الـ 6 أيام ضد الدول العربية بأنه الأقوى في المنطقة ليصبح “التقهقر خير وسيلة للحفاظ على الوجود والبقاء”. هذه الهزيمة أرخت بظلالها على نفسيات الإسرائيليين بكل أطيافهم، وأخذت صورة الجندي الذي لا يقهر تهتز لديهم، كما ازداد الشك عند الصهاينة حول مستقبل بلادهم الأمني، لتأتي بعدها حرب تموز 2006 لتضرب من جديد هيبة جيشهم عندما فشل الإسرائيليون مرة أخرى في تحقيق أي من أهدافهم في لبنان، وخرج حزب الله قوياً معافى قادراً على الاستمرار في المواجهة. بعد حرب تموز في لبنان، حاول الإسرائيلي إعادة هيبة جيشه بشن حربين على قطاع غزة في 2008 و2014 اعتقاداً منه أن المقاومة حماس لا تقارن بحزب الله، إلا أنه فشل مجدداً في تحقيق أهدافه، واضطر إلى أن يوقف الحرب دون تحقيق أي إنجاز سوى قتل المدنيين وهدم بيوتهم.
وفي هذا الصدد يقول محللون صهاينة إن الجيش الإسرائيلي بات يعاني من مشكلة نقص في القيادات العسكرية النوعية في المجالات القتالية، حيث أصبح الجندي الإسرائيلي يعاني من أزمات نفسية لدرجة أنه أصبح غير منضبط ومترهل وسريع البكاء والعويل والانهيار. وهذا لا يعني أنه غير مدرّب وغير منظم، ولكن يعني أن تلك الروح القتالية التي كانت مع بدايات تكوين إسرائيل تغيب عن المشهد تدريجياً، وأصبح الجندي العربي المقاوم متفوقاً عليه في كل معايير الجندية المصممة على القتال وكسب الحرب.
سبب آخر يبرزه محللون صهاينة يعلّل تآكل الروح القتالية عند الجنود الإسرائيليين هو هروبهم نحو الراحة المعيشية، حيث أصبح المقاتلون الصهاينة يفضلون اليوم الوحدات التقنية على الوحدات القتالية كون الأولى توفر لهم مهنة للحياة، أما الثانية فتأمن لهم رحلة ذهاب بلا عودة نحو العالم الآخر.
كما أن هناك أسباباً أخرى أدّت إلى تآكل الروح القتالية عند الإسرائيليين نذكر منها التالي:
1-غياب قيادات تاريخية كرئيس الحكومة الأسبق أريئيل شارون.
2-الصراع الثقافي والأيديولوجي الداخلي بين الحاخامات والقيادة العسكرية للجيش الإسرائيلي.
3-غياب الهويّة والقومية عند الجندي المقاتل حيث إن الجندي الإسرائيلي غير مستعد للتضحية بنفسه من أجل “وطنه”
4-الفساد الذي يضرب الجيش الإسرائيلي بشقّيه العسكري والسياسي.
محاولة إعادة الروح للمقاتل الإسرائيلي
كما ذكرنا في المقدمة إن هناك عاملاً بارزاً تستخدمه إسرائيل من أجل شنّ حروبها، وهو بث الخوف في قلوب الإسرائيليين من أجل حثهم على الذهاب إلى الحرب، إلا أن الغرض الحقيقي من هذ العامل النفسي هو محاولة إعادة إحياء الروح القتالية عند مقاتليه والإسرائيليين الذين فقدوا ثقتهم في مستقبل كيانهم الغاصب وجيشهم، وفي هذا السياق، يقول المؤرّخ الإسرائيلي توم سيغف إنه قبل شن إسرائيل الحرب على مصر قامت عناصر سياسية وعسكريّة وأمنية بمشاركة وسائل الإعلام العبريّة، بتأجيج شعور الخوف والقلق من محرقةٍ أخرى (هولوكوست)، من أجل تأجيج روح القومية اليهودية في داخل الصهاينة والتي آتت أُكلها في ذلك الوقت.
يرى مؤرخون صهاينة آخرون أن الجيش بات في طريق نسيان روح القتال في أوساط جنوده رغم التدريبات المكثفة والمناورات المستمرة على مدار الساعة، دون أن تتوافر لديهم إرادة حقيقية للقتال بجدية. ويعتقد هؤلاء أن عامل التخويف له إيجابيات وسلبيات، ومن إيجابياته أنه يشدّ العصب الإسرائيلي ويدفع المواطنين للالتحاق بالجيش، لكن له أثر سلبي كبير حيث يدخل الجندي الإسرائيلي ساحة المعركة خائفاً من تكرار سيناريو الهولوكوست فيسرع بالهرب من أرض المعركة، وهذا ما حاول فعله الجيش الإسرائيلي في حرب غزة الأخيرة، حيث دفع بجنوده إلى الدخول بشكل رمزي لبعض أنحاء المدينة لبضع الوقت وسحبهم بعدها بسرعة. الهدف من هذه العملية هو كسر حاجز الخوف من المواجهة مع ” أعداء إسرائيل”.
إذاً لم يعد الكيان الإسرائيلي كما كان عندما قام باحتلال فلسطين، ولم تعد ثقة الإسرائيليين بكيانهم كما كانت في السابق، فلقد استطاعت المقاومة تغيير المعادلة الصعبة، وطورت من أساليبها العسكرية وأخذت تفاجئ العدو في كل خطوة فكّر أن يخطيها، إلا أن الإسرائيلي اليوم مطمئن، لأنه يعي مسبقاً أن القادة العرب غير جادين في تحرير فلسطين، بل إن بعضهم اختنق بغاز ثاني أكسيد التطبيع وأخذ يعمل ضدّ الجندي العربي المسلم الذي يدافع عن أمته بأمانة وشرف.