مفاوضات السلام الفلسطينية؛ من هم الوسطاء البدلاء المحتملون لأمريكا؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
أعلن “دونالد ترامب” رئيس الولايات المتحدة قبل عدة أسابيع أن مدينة “القدس” عاصمة للكيان الصهيوني وهذا الأمر يُعدّ دليلاً واضحاً على أن هذه البلد ليس لديه نوايا حسنة لدفع عجلة مفاوضات السلام “التسوية” بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل إنه أيضاً أصبح وسيطاً غير مُرحب به عند كلا الطرفين، ونظراً لذلك فقد زادت خلال الآونة الأخيرة التكنهات أكثر من ذي قبل حول الممثل والوسيط الجديد الذي سيحل محل أمريكا في مفاوضات السلام بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني ومن المرجح أن تلعب روسيا أو الاتحاد الأوروبي أو الهند دور الوسيط خلال الفترة المقبلة. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه خلال السنوات العديدة الماضية لعبت بعض الدول والمنظمات الدولية دور الوسيط لدفع عملية السلام بين الأطراف الفلسطينية والصهيونية، كأمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لكنها لم تنجح في مهمتها تلك وهنا سنسلط الضوء على جميع تلك الجهات التي لعبت دور الوسيط خلال الفترة السابقة.
1-“أوباما” و”ترامب”؛ الاشتراك في الاستراتيجية والاختلاف في الأداء…
إن دراسة ومراجعة الأعمال التي قام بها الرئيس الأمريكي السابق “بارك أوباما” والرئيس الأمريكي الحالي “دونالد ترامب” للتوسط في دفع عملية مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، يُعدّ أحد أهم العوامل لتقييم إمكانية استمرار تلك الوساطة الأمريكية في دفع عملية السلام الفلسطينية.
لقد خلقت التوترات التي نشبت بين “أوباما و”نتنياهو” فيما يتعلق ببعض المواضيع السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية الإسرائيلية، انطباعاً لدى الكثيرين بأن “أوباما” يختلف عن الرؤساء الأمريكيين الآخرين الذين سبقوه، فهو لم يقم خلال الأشهر الأخيرة من فترته الرئاسية باستخدام حق النقض “الفيتو” للاعتراض على قرار بناء واستحداث مستوطنات إسرائيلية في الأراضي المحتلة وهذا الأمر أدّى إلى فشل حكومته في دفع مفاوضات السلام بين تلك الأطراف والخروج بحلول مناسبة ولم تتخذ الحكومة الديمقراطية الأمريكية خلال السنوات الثمان من فترة رئاسة “أوباما”، أي إجراء لوقف عمليات بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة وخلال تلك الفترة كان الكيان الصهيوني يسعى بشكل علني إلى بناء الكثير من المستوطنات في الأراضي المحتلة وذلك للحيلولة دون بناء دولة فلسطينية في تلك المناطق المحتلة وهنا تؤكد العديد من الإحصائيات الموثقة، بأن حكومة “نتنياهو” قامت ببناء الكثير من المستوطنات خلال العامين الأخيرين من فترة رئاسة “أوباما” وفي تلك الفترة اتخذت حكومة “نتنياهو” العديد من القرارات الصعبة لبناء مستوطنات جديدة في مدينة القدس والجولان المحتل، حيث إن الحكومة الإسرائيلية قامت برفع ميزانية بناء المستوطنات إلى 500٪ ووصلت إلى نحو 110 ملايين دولار.
من جهة أخرى كان أداء الرئيس الأمريكي الحالي “ترامب” على مدار عام ونصف من فترة رئاسته، سلبي جداً، فهو لم يقم بالعمل كوسيط من أجل دفع عجلة السلام في مفاوضات السلام بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني وإنما قام بالإعلان عمّا سماها بـ”صفقة القرن” وقام أيضاً بممارسة الكثير من الضغوطات على السلطة الفلسطينية والرئيس “محمود عباس”. ولقد عرضت وسائل الإعلام الأمريكية والصهيونية مراراً وتكراراً لقاءات عقدت بين “كوشنير” صهر “ترامب” الإسرائيلي و”جيسون جرينبيلت”، الممثل الخاص لرئاسة أمريكا في القضية الفلسطينية، وأشارت اللقاءات إلى ضرورة زيادة الضغوطات على “محمود عباس” وحول هذا السياق صرّح “محمود عباس” في خطاب له، قائلاً: “لقد قمت بـ20 لقاء منذ بداية الفترة الرئاسية للرئيس الأمريكي “ترامب” مع ممثلين عن الحكومة الأمريكية وفي كل مرة، يؤكد أولئك الممثلون بأن الحكومة الأمريكية ملتزمة بحل البلدين ووقف المستوطنات… لكني لم أفهم خططهم تلك”.
من جهة أخرى كان آخر تلك الإجراءات التي تُبين وجود الكثير من التوترات بين السلطة الفلسطينية وأمريكا، هو بيان المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي صدر في اجتماع 15 يناير، نصّت الفقرة الأولى منه، على أن أمريكا فقدت مصداقيتها كوسيط في عملية السلام “التسوية” وذلك بعدما أعلنت في قرارها الأخير اعترافها بمدينة القدس الشريف عاصمة للكيان الصهيوني وبالتالي فإن السلطة الفلسطينية والأحزاب الفلسطينية الأخرى لن تشارك في أي مفاوضات تتوسط فيها أمريكا، ما لم يسحب “ترامب” قراره ذلك بشكل رسمي.
2- الروس؛ وساطة حقيقة ولكنها غامضة
مع فشل الوساطة الأمريكية المتعلقة بالقضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة من إدارة أوباما واستمرارها في حكومة ترامب، قام الروس باستغلال هذه الفرصة والظهور على الساحة الدولية كوسيط لحل الأزمة القائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفي 15 فبراير 2017، بعد الجدل الذي شاع في وسائل الإعلام الصهيونية، قامت وزارة الخارجية الروسية بوضع بيان على موقعها الإلكتروني صدم جميع المحللين والذي من الممكن أن يكون له أهمية تاريخية بالغة، حيث قالت وزارة الخارجية الروسية في بيانها ذلك: “نُعيد التأكيد على التزامنا بالمبادئ التي وافقت عليها الأمم المتحدة لحل المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية والتي تتضمن الاعتراف بمدينة القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية التي ستُشكل في المستقبل، ويجب أن نعلن بأننا نعترف أيضاً بأن القدس الغربية عاصمة لدولة إسرائيل”.
العقبات والمحفزات التي تواجه روسيا للعب دور الوسيط
إن دخول الروس في مفاوضات القضية الفلسطينية يمكن أن يُغيّر من طاولة المفاوضات وسوف يؤدي القبول بالوساطة الروسية والاعتراف بمدنية القدس الغربية عاصمة للكيان الصهيوني، إلى تحول المعادلات السياسية في المنطقة وسيتبع ذلك عملية تطبيع للعلاقات بين روسيا وإسرائيل وفتح قناة جديدة بينهما. وهنا تجدر الإشارة إلى أن محاولة الرئيس الروسي “بوتين” لإنشاء نظام مرغوب فيه غرب آسيا والاستفادة من فرص العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية والحصول على امتيازات ضد أمريكا، هو حافز مهم للروس للتوسط بشأن القضية الفلسطينية ولهذا فلقد شهدنا بعض الزيارات واللقاءات التي قام بها الروس مع الأطراف الفلسطينية والصهيونية خلال السنوات الماضية.
3- الهند؛ اقتراح ليس جدّياً
في بداية شهر فبراير 2018، دعا مسؤولو السلطة الفلسطينية في مدينة “رام الله”، رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” عشية زيارته للمنطقة، لتكون الهند وسيطاً في دفع عملية المصالحة وقد تم تقديم هذا الطلب بعد قرار السلطة الفلسطينية التخلي عن وساطة أمريكا وتعليق محادثات “أوسلو”.
ففي السنوات الأخيرة، بذلت الهند جهوداً كبيرة لزيادة دورها في المنطقة، فضلاً عن قضية فلسطين وهذا الشيء دلّت عليه زيارة “مودي” إلى الأراضي المحتلة ويعدّ “مودي” أول رئيس وزراء هندي يسافر إلى “تل أبيب”، بعد مرور 70 عاماً على تشكيل هذا الكيان الصهيوني وتُعدّ هذه الزيارة تاريخية بالنسبة للصهاينة ولقد رحب “نتنياهو” بـ”مودي” أثناء زيارته تلك، ولكن عدم التقاء “مودي” مع الجانب الفلسطيني كان له ردود أفعال سلبية عند الكثير من السياسيين الفلسطينيين وذلك لأن السلطة الفلسطينية كانت تتوقع الاجتماع واللقاء مع رئيس الوزراء الهندي أثناء زيارته الأولى للمناطق المحتلة وحول هذا السياق قال المتحدث باسم السلطة الفلسطينية بخصوص هذا الأمر لوسائل الإعلام :”كنا نتوقع من السيد “مودي” أن يجتمع مع مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين على حد سواء من أجل لعب دور مهم بين الجانبين وتوسيع رسالة السلام في المنطقة”.
ولكن “مودي” في رحلته الثانية إلى الأراضي المحتلة في 29 أيار / مايو الماضي، قام بعقد اجتماع مع “محمود عباس” في مدينة “رام الله” للتعويض عن تشاؤم السلطة الفلسطينية من زيارته الأولى ولقد أعلن “مودي” في اجتماعه بأن الهند ستبذل الكثير من الخطوات الفعالة لدعم فلسطين، حيث قال: “ستشارك الهند في بناء مركز للدبلوماسية في مدينة “رام الله” وسيصبح هذا المركز بالتأكيد مركزاً عالمياً للشباب الفلسطيني ومركزاً لتبادل التعليم على المدى الطويل والقصير ودعا في نهاية حديثه إلى دعم فلسطين، وضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وتحقيق السلام والأمن في المنطقة بشكل فوري من خلال الحوار”.
العقبات والمحفزات التي تواجه الهند للعب دور الوسيط
إن علاقات الهند المتنامية مع الدول العربية، فضلاً عن الكيان الصهيوني خلال العام الماضي، تعتبر من أهم المحفزات الأساسية التي لن يستغني عنها الهنود والتي تدفعهم للعب دور الوسيط في القضية الفلسطينية ولكن لو دققنا النظر هنا، سنتوصل إلى أن الهند تسعى للحصول على منافع اقتصادية والاستفادة من الفرص الموجودة في منطقة الشرق الأوسط لتطوير قواتها الاقتصادية والعسكرية وتعتبر تلك الاتفاقيات العسكرية التي أبرمتها الهند مع الكيان الصهيوني هي إحدى الأمثلة على محاولتها لتعزيز قواتها العسكرية لمواجهة جارتها باكستان والتغلب عليها.
إن الانهيار السياسي والقانوني للهند فيما يتعلق ببعض الشؤون الدولية، إلى جانب الحواجز والعقبات الإقليمية والدولية التي تواجه هذا البلد، ستصعب عليه اللعب كوسيط في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن ذلك الطلب الذي تقدم به “محمود عباس” إلى الهند للعب دور الوسيط كان نابعاً من انزعاجه من سياسات “ترامب” الأخيرة.
4- الاتحاد الأوروبي
يُعتبر الاتحاد الأوروبي والدول القوية المتبنية للسياسة الخارجية لهذا الاتحاد، من أكثر الأطراف تأثيراً في القضية الفلسطينية، ففي العقود الأخيرة، أصرّ الاتحاد الأوروبي بقوة على إنشاء حكومتين في الأراضي المحتلة ولقد دعا الاتحاد الأوروبي أيضاً خلال الفترة الماضية إلى الجلوس على طاولة الحوار من أجل اتخاذ القرار بتشكيل حكومتين فلسطينية وإسرائيلية ولكن الواقع كشف بأن ذلك الاتحاد قام بالإعلان عن مثل هذه الأشياء وذلك من أجل الحدّ من التوترات على كلا الجانبين فقط.
إن تغيير قانون “الهوية الفلسطينية غير المشروطة” إلى “تحديد فلسطين وخطة الدولتين من خلال تعزيز التعاون المتبادل في إطار محادثات السلام” وإزالة شرط الاستعجال في إقرار هذا القرار بالإضافة إلى تحديد غير مشروط له، يعني ضمناً أنه لا يوجد خيار أمام الاتحاد الأوروبي سوى استئناف المفاوضات للتوصل إلى اتفاق بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني ولكن الإجراء الأخير الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي بشأن القضية الفلسطينية كان مخططاً له من قبل الفرنسيين وهو برنامج شبيه جداً بمبادرة السلام العربية التي عقدت في عام 2002 ورحب بها ودعمها الاتحاد الأوروبي والخطة الفرنسية تعتبر نوعاً من أنواع الاسترخاء والتباطؤ من قبل الاتحاد الأوروبي بشأن قضية المصالحة التي يسعى إلى صبها في مصلحة الكيان الصهيوني.
العقبات والمحفزات التي تواجه الاتحاد الأوروبي للعب دور الوسيط
يمكن اعتبار عدم الاعتراف بحدود 1967 (مستوطنات الضفة الغربية) ومباحثات حقوق الإنسان والسلام وفي نهاية المطاف حل الدولتين والشعبين، من أهم قضايا الخلاف الرئيسية بين الاتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني، فلقد دعا الاتحاد الأوروبي مراراً وتكراراً في جلساته إلى ضرورة توقف عمليات بناء المستوطنات والعودة إلى حدود عام 1948 وكان أحد أكثر تدابير الاتحاد الأوروبي إثارة للجدل هو اعتماد القانون المتعلق بتوسيم البضائع المصنعة والمنتجة في مستوطنات عام 1967 والجولان ولقد حاول الاتحاد الأوروبي اتخاذ بعض الإجراءات المستقلة والصارمة ضد الحكومة الصهيونية، عندما قامت الحكومة اليمينية الإسرائيلية على مدى السنوات القليلة الماضية بالإطاحة بعملية السلام ومنع إنشاء حكومتين مستقلتين في الأراضي المحتلة.
الخلاصة
لقد أظهرت دراسة العقبات والمحفزات، بأن الروس ربما يكونون أحد أهم بدائل الوساطة لمحادثات السلام في العقد المقبل وذلك لأنهم قبلوا بأن تكون مدينة القدس الغربية عاصمة للكيان الصهيوني ولكن بشرط قبول ذلك الكيان بتشكيل دولة فلسطينية تكون القدس الشرقية عاصمة لها وهذا الأمر أعقبه فرحة انتشرت في كل وسائل الإعلام الصهيونية وفي أوساط اللوبي اليهودي في روسيا وهذا أظهر أن الروس حريصون ومغامرون في لعب دور مبتكر في قضية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. ونظراً لامتلاك الروس علاقات جيدة نسبياً مع جميع الأطراف الفلسطينية والوجود الروسي المتزايد في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، فإن ذلك يعدّ فرصة لـ “الكرملين” للعب دور الوسيط في تلك المفاوضات.
وأما بالنسبة للهند والاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية وغيرها من الجهات الفاعلة، التي تمت الإشارة إليها أحياناً كوسيط محتمل لأمريكا في القضية الفلسطينية، فإن لكل واحد منها عوائق جدية تمنعه من لعب دور الوسيط في دفع عجلة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذا كان القرار بيد “محمود عباس”، فنعتقد أنه سيحاول الإمساك بالعصا من الوسط أكثر من اللجوء إلى روسيا، ولكن في حال كان القرار بيد الشعب الفلسطيني فالسلاح هو الوسيط الوحيد وعملية الأمس خير دليل، فما أخذ بالقوّة لا يستردّ إلا بالقوة.