خيارات واشنطن المحدودة في سوريا

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || نضال حمادة/ العهد الاخباري

تنهال سيول التهديدات الأمريكية واستعراض العضلات ضد دمشق بعد تحرير الجيش السوري وحلفائه كامل الغوطة الشرقية لدمشق، وبالتالي انتهاء الحرب حول العاصمة السورية بشكل كامل، ما يريح الدولة السورية ويجعل الضغوط الغربية والخليجية والإسرائيلية عليها دون أية قيمة تذكر على أرض الواقع. وفي ظل هذا التطورات تأتي تصريحات وتغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا لتؤثر على الوضع العام بالشرق الأوسط برمته وعلى قدرة الولايات المتحدة على فرض هيمنتها العالمية في النظام العالمي الجديد.

 

كعادته بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يومه بتغريدة عبر موقع التواصل الإجتماعي “تويتر” قال فيها “روسيا تتعهد بإسقاط جميع الصواريخ التي تطلق على سوريا.  أقول لروسيا استعدي لأنها ستأتي جميلة، جديدة وذكية علاقتنا مع روسيا أسوأ الآن من أي وقت مضى، وهذا يشمل الحرب الباردة. ليس هناك سبب لهذا. تحتاج روسيا إلينا للمساعدة في اقتصادها، وهو أمر من السهل جداً القيام به، ونحن بحاجة إلى جميع الدول للعمل معاً ووقف سباق التسلح”.

 

يدعي ترامب أنه على وشك إعطاء الأوامر بالهجوم، لكنها أيضًا رسالة “ترمبية”. الجزء الثاني من التغريدة موجه للكرملين تحدث فيه ترامب عن التعاون المشترك وعن سباق التسلح المهم بالنسبة لروسيا وهو يقدم صفقة يعتقد أنها مربحة للجميع، ويتوقع أنه خلال الهجوم على سوريا تنتظر روسيا الجزرة وتتركه يتصرف ويمضي قدما بهجومه، وهو بهذه العقلية وصل به الإنحدار الى حد التصرف بالدبلوماسية الدولية كما لو أنه يقوم بعملية مقامرة عقارية في أحد مراكز التجارة في حي مانهاتن في نيويورك.

 

في الجهة الأخرى، لا يتوقف الروس عن تمرير التصريحات التي تؤكد أن روسيا سوف تدافع عن سوريا. وقد مررت الدبلوماسية الروسية عبر السفير الروسي في بيروت قوله إن بلاده سوف تسقط الصواريخ الأمريكية التي تستهدف سوريا وستقصف مواقع إنطلاقها. واستفاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من مراسم في الكرملين لتقديم المبعوثين الأجانب الجدد أوراق اعتمادهم يوم الإثنين الفائت للإشارة إلى “صرخة حرب” ترامب قائلا: “لا تستدعي حالة الشؤون العالمية سوى المخاوف، وأصبح الوضع في العالم أكثر فوضوية. ومع ذلك، ما زلنا نأمل أن تسود الفطرة السليمة في نهاية المطاف وأن تدخل العلاقات الدولية في مسار بناء، وسيصبح النظام العالمي بأكمله أكثر استقرارا”.

 

يمكن تفسير هذه الملاحظة على أنها مخاطبة لـ”الفطرة السليمة” لترامب. ولكن بعد ذلك، شدد بوتين أيضا على أن موسكو ستواصل دعم وتعزيز الأمن “العالمي والإقليمي”، وستلتزم تماما “بمسؤولياتها الدولية وتطوير التعاون مع شركائها على أساس بنّاء ومحترم. في وقت سابق من نفس اليوم و في مؤتمر صحفي، كان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف صريحاً، وقال: “نحن لا نشارك في “دبلوماسية تويتر” نحن ندعم المناهج الجادة. لا نزال نعتقد اعتقادا راسخا أنه من المهم الامتناع عن اتخاذ خطوات قد تكون ضارة للوضع الهش بالفعل في سوريا”.

 

أما بالنسبة لإيران، فهي تلعب أوراقها بدقة، وهو ما ينبغي أن يكون عليه. تفهم طهران تماماً أن زيف الرواية التي تدعي الهجوم الكيماوي يمكن أن تستخدم كحجة من قبل الولايات المتحدة لخلق حقائق جديدة على الأرض في سوريا تهدف إلى تآكل الموقف المحوري والقوي  الذي تتمتع به روسيا وإيران. وفي أعقاب الهجوم الذي إستهدف مطار تي 4 وسقط فيه العديد من الشهداء الإيرانيين قام بوتين بتكليف مبعوثه الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف بالذهاب إلى طهران في زيارة “غير مقررة وغير متوقعة” للقاء الرئيس التنفيذي لمجلس الأمن القومي الإيراني والشخص المسؤول عن سوريا الأدميرال البحري علي شمخاني، الذي يقدم تقاريره مباشرة إلى آية الله العظمى الإمام السيد علي خامنئي، من الواضح أن التنسيق بين روسيا وإيران على مستوى عال جدا.ً

 

ترامب يجد نفسه في موقف لا يحسد عليه. لقد أوضحت روسيا بجلاء أنها ستواجه أي هجوم أميركي على سوريا وإذا كان هناك أي خسارة في الأرواح الروسية في الهجوم الأمريكي، فـ”الجحيم سوف ينفجر”. من ناحية أخرى، إذا تراجع ترامب، فسوف يؤثر على مصداقيته.

 

هل هناك باب خروج متاح لترامب؟

 

نعم، حيث قال وزير الحرب الأمريكي جيمس ماتيس إن العمل على تقييم المعلومات الاستخباراتية حول الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيماوية في دوما السورية لا يزال جارياً، على حد تعبيره. مضيفاً “نحن لا نزال نقيم المعلومات التي بحوزتنا ولدى حلفائنا. نحن ما زلنا نعمل على هذا”. هذا ما قاله ماتيس بشكل واضح حول ما إذا كانت هناك أدلة كافية على إستخدام أسلحة كيماوبة في دوما.

نحن أمام تجاذب روسي – أميركي مدعوم هذه المرة من بريطانيا، هذا التجاذب وفي حال تحوله إلى صراع دولي فوق الأرض السورية لن تكون فيه أمريكا الرابحة، لأن روسيا حاليا ليست الإتحاد السوفياتي عام 1990، وإيران ليست في بدايات العام 1980 عندما شن عليها صدام حسين الحرب المفروضة، والعراق في صف محور المقاومة، وحزب الله اليوم أقوى بعشرات المرات، أما السعودية فهي غارقة بحرب خاسرة في اليمن وبعيدة كل البعد عن السعودية عندما حاربت الإتحاد السوفياتي في أفغانستان عام 1978. وأخيراً، أمريكا عام 2108 ليست أمريكا عندما غزت العراق عام 2003 ، العالم كله تغير وتبدلت موازين القوى فيه وما على واشنطن إلا التعاون مع الأقطاب الإقليميين والدوليين الجدد وإلا فإن الحرب القادمة سوف تشكل هزيمة لواشنطن تخرجها من كل الشرق الأوسط وتسقط منظومات الحكم النفطية الهشة المواليه لها والتي أنشاها الغرب على أطلال الدولة العثمانية البائدة.

قد يعجبك ايضا