“مسيرات العودة” تضيء نهاية النفق الفلسطيني المظلم
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
ها هي غزة تقف مجدداً رغم أنها مكبّلة، بقيود الكيان الغاصب وحلفائه من أبناء جلدتها “العرب”، تقف اليوم مرة أخرى على قدميها منتصبة القامة في مسيرات العودة الكبرى وحراكها السلمي الشعبي، لتنقذ العالم من ظلمه وانحراف أخلاقه وسقوط إنسانيته، وتنقذ المنطقة برمتها من شهوة الزعامة المراهقة التي ترهن المنطقة للسيد الأمريكي بالتبعية الساقطة.
مسرح مسيرة العودة الكبرى يعكس ثورة متجددة ترفع شعار “لا صوت يعلو فوق صوت الفلسطينيين الأحرار”، وعلى الأرض يرسم هذا الحراك السلمي فضيحة سياسة أطراف الحصار المفروض على غزة وعلى رأسهم الاحتلال.
وإذا ما برزت أروع لوحات الفن الفلسطيني على أنواعه في مسرح المسيرة، بهدف إيصال صوت الشعب المظلوم إلى العالم بلغة عابرة للقارات تخترق الحواجز وأبواب البيوت، تظهر ما في داخل الإنسان الفلسطيني إلى قلوب العالم، فإن الفنانين وأبناء القضية الفلسطينية عبروا عن أمنياتهم وآلامهم وقساوة العيش وخيانة الجار في رسوماتهم.
ولاشك في أن الفن الفلسطيني الجريح استطاع أن يلعب دوراً بارزاً في تخليد هذه القضية التي مرّ عليها سبعون عاماً وأدّت مسيرتها لتراكمات معقّدة عند الفلسطيني، استطاع من خلالها أن يجسّد واقعه الموجع وأن يزيد من إصرار المقاومين بلمساته التي لم تفارق القضية ورجالاتها.
ومن المؤكد أن مسيرة العودة تأتي للتصدي والوقوف بشراسة أمام مشروع تصفية القضية الفلسطينية والقضاء عليها عبر صفقة القرن التي يرعاها دونالد ترامب، والتي بدأت بتشكيل محور سلام إقليمي مع الكيان الغاصب بالضدّ من طهران، من أجل أن يمحى ملف القدس عن طاولة أي مفاوضات، وضم معظم الضفة الغربية إلى “تل أبيب”.
اللافت في كل المجريات هو حجم الخوف والرعب الذي يشعر به الاحتلال من الحراك الشعبي السلمي هذا، خاصة وأنه يأتي في ظل ملحمة ذكرى “يوم الأرض” و”جمعة الكوشوك” (إطارات السيارات) واحتمالية عالية لاستمرارها وتعاظمها في غزة وتمددها لتمثل حالة غير مسبوقة من سلوك العودة الذي يشكّل رعباً للاحتلال.
ويبدو جلياً أن أطرافاً إقليمية تراهن على عامل الزمن، وهذا ما أدّى إلى اللجوء لخيار طاولة المحادثات، طاولة تسعى إلى تهدئة الأجواء خشية انتقال هذه الثورة النارية الغزيّة إلى شعوب العالم العربي والإسلامي، وقد يدفعهم هذا للتراجع عن الإجراءات الانتقامية ضد غزة، كما أن الاحتشاد البشري يمنح غزة ضوءاً في نهاية نفق الحصار، بعد أن فرضت غزة نفسها كمحرك فعّال ورئيسي في المنطقة.
ويعتقد آخرون أن المسيرة الغاضبة الحرّة هذه، تجسد التفافاً فلسطينياً. مشهدٌ استطاع أن يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية في عمقها الشعبي، وأن يزيد حرارة غضب الشارع الغزيّ والفلسطيني، فضلاً عن حماس الشعوب الإسلامية المناصرة لهذه القضية، وهذا ما يرجّح إمكانية فرض معادلة متجددة للصراع على قواعد الالتحام الشعبي الوحدوي، وتوسيع دوائر الاشتباك في ساحات جديدة بأدوات محفّزة لتضع المحتل في دائرة الاتهام بسبب انتهاكه للأعراف الإنسانية ولكل معايير حقوق الإنسان من الاحتلال مروراً بالحصار واللجوء والشتات الفلسطيني وختاماً بكل أنواع الضغط والتأثير والإغراء الذي يمارسه الكيان على الأنظمة الحاكمة في الجوار العربي الخائن وما له من أدوات في صنيعة هذه الدمى وتحريكها بما تشتهي عبر خيوطها الشائكة.
إن هذه الثورة الحماسية الفلسطينية السلمية تعدّ الأضخم بين نظيراتها على مدى عقود مضت، وهذا يشكّل صورة فريدة من نوعها في تعزيز الالتفاف الوطني والتعاضد الشعبي بألوان الطيف الفلسطيني، ولعلّ أهم ما يحتاجه هذا الحراك الشعبي هو مواصلة نشاطه حتى يؤتي الحراك أكله، شرط أن يواصل اندفاعه في أوج حماسه، وهي الوسيلة الأنجح التي تتطلّبها المرحلة القادمة لنيل ثمار هذه الجهود التي دفع ثمنها بدماء الشهداء، فلا ملل ولا كلل إذا ما أراد الفلسطينيون عدم تضييع فرصة تحقيق النتائج التي ينشدونها.
الشعوب التي ترزح تحت الاحتلال تدفع عادة ثمناً غالياً وأعلى بكثير مما يكلّف من يمارس الاحتلال، لكن التاريخ يروي لنا أحداث الماضي القريب والبعيد، والتي تشابهت كثيراً مع قصة فلسطين، استطاعت كل تلك التجارب أن تتكلل نهاياتها بالنصر وإن بعد حين، فستنهدّ إرادة المحتل المتزلزلة يوماً ما، عاجلاً أم آجلاً ليجد الرحيل خياراً لا ثاني له، إلا أنّ الأهم في الحراك هذا هو المواصلة وعلى الحرارة ذاتها، وأن يقف عند حدود غزة، فلابد من أن ينتشر في كل عموم العالم العربي والإسلامي وإلا فلا.!