البلدان الإسلامية وقضية نقل السفارة الأمريكية .. أبرز العوائق وخيارات المواجهة
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
من المؤكد أن قضية فلسطين بعد تنفيذ الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لوعده بنقل السفارة الأمريكية من مدينة “تل أبيب” إلى مدينة القدس الشريفة، أصبحت هي القضية الأكثر أهمية التي تشغل أذهان الكثيرين في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ويمكننا أن نرى بأنه للمرة الأولى هناك استجابة مشتركة وموحدة لحكومات الدول الإسلامية في معارضتها لهذا القرار غير القانوني، على الرغم أنه بمراجعة السجل التاريخي، نرى بأنه على مرّ العقود الماضية لم يكن هناك أي تطابق بين مجالي الرأي والعمل لتلك الدول الإسلامية ونظرا لاستعانة بعض الحكومات ببعض سياسات الاحتجاج المؤقتة، لتحقيق بعض من أهدافها، فلقد قاد هذا التهاون البلدان الإسلامية إلى عدم قدرتها على تحقيق ولو قدر يسير من حقوق فلسطين ومنع العدوان الإسرائيلي من تحقيق مآربه.
ومع ذلك، ففي هذه اللحظة التاريخية والحسّاسة التي يُحيك الكيان الصهيوني فيها خططه للاستيلاء على كامل أراضي فلسطين والمسجد الأقصى (باعتبارها تراثاً إسلامياً ودينياً مشتركاً للمسلمين)، فإن الحكومات الإسلامية قد اتخذت مرة أخرى قراراً مشتركاً لدعم الفلسطينيين، وبناءً على ما صرّح به بعض المسؤولين الأتراك في الاجتماع الطارئ لرؤساء الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامية من أجل فلسطين (بصفتها رئيسة الدورة الحالية لمنظمة الدول الإسلامية)، فلقد تم اتخاذ عدة آليات للتعامل مع قضية نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس الشريف.
وبطبيعة الحال، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، ما هي الإمكانيات التي تمتلكها هذه البلدان الإسلامية والتي قد تستعين بها للتعامل مع هذه القضية؟
إن الدول الإسلامية تضم حوالي 25٪ من سكان العالم، حيث يبلغ عدد المسلمين تقريبا 2 مليار شخص حول العالم ولديهم حصة تعادل 12٪ من التجارة العالمية ولهم وجود مهم في المنظمات الدولية ويبلغ عدد الدول الإسلامية تقريباً 57 دولة تملك الكثير من المناطق الاستراتيجية في العالم، خاصة في الشرق الأوسط ولو قامت هذه الدول بالاتحاد واستخدام مواردها وثرواتها المعدنية والنفطية وإمكاناتها العسكرية الكثيرة و…، فإنها سوف تتغلب على كل التحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تعصف ببعض الدول الإسلامية ولن يكون بمقدور أي قوة في العالم الوقوف في وجههم.
ومع ذلك وبالنظر إلى حقائق العالم الموضوعية، فإنه يجب الاعتراف بأن هذا الطريق يواجه مجموعة من العقبات وخاصة لتلك الدول الإسلامية القابعة تحت الهيمنة الأمريكية. ففي المقام الأول، يجب على الدول الإسلامية الامتناع عن الاستمرار في دعم أمريكا التي تعتبر أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم وهذا الشيء رأيناه خلال الفترة السابقة عندما قامت بعض البلدان الإسلامية بخفض دعمها لقرارات أمريكا واللجوء إلى مبدأ الحيادية في محادثات السلام تلك التي دعت إليها واشنطن وهذه الاستراتيجية بطبيعة الحال سوف تبني حاجزاً أمام تلك السياسات الأمريكية وسوف تعوق عملية تنفيذ نقل السفارة إلى مدينة القدس الشريف، وهنا يجب التطرق إلى أن حق النقض “الفيتو” الأمريكي لن يسمح بتبني قرارات مناهضة لـ “إسرائيل” وداعمة للفلسطينيين في مجلس الأمن، كما أن وجود قاعدة اقتصادية قوية بين الدول الإسلامية سيساعد على منح التعويضات المالية الكافية لتلك البلدان الإسلامية المحاصرة اقتصادياً.
من ناحية أخرى، إن وجود حكومات دكتاتورية تابعة للغرب ولأمريكا، تنتهج وتتبع سياسات واشنطن وتدعم سياساتها الداعمة لـ “إسرائيل” في المنطقة، يمكن أن يكون أيضاً عقبة رئيسة أخرى أمام عملية التوحّد الفعلي بين الدول الإسلامية لتبنّي سياسات عقابية ومناهضة لمنع تنفيذ عملية نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس وحول هذا الموضوع يمكن الإشارة إلى السعودية والإمارات والبحرين وحتى مصر، لكن وعلى الرغم من كل هذه العقبات، يمكن القول هنا بأنه إذا ما اتخذت الحكومات الإسلامية الآن العديد من الإجراءات الحاسمة تجاه تلك البلدان المسيئة والداعمة لقرارات واشنطن، فإن تلك الدول الإسلامية ستكون قد وجّهت ضربة قوية وقاسية لحكومة أمريكا.
وفي سياق متصل ينبغي الإشارة هنا إلى أن “ترامب” استطاع الحصول على مفتاح البيت الأبيض وذلك عن طريق إطلاقه للكثير من الوعود الانتخابية الزائفة بتحسين الاقتصاد الأمريكي ووضع الشعب والحدّ من إنفاق واشنطن السنوي ومساعداتها للدول وللمنظمات الدولية ولهذا فإن دولاً مثل باراجواي وغواتيمالا، اللتان من المحتمل أن تفرض عليها الدول الإسلامية عقوبات اقتصادية، تعلمان أنهما لا تستطيعان الاعتماد على وعود المعونات الاقتصادية الأمريكية ومن ناحية أخرى، على الرغم من أن أمريكا تمتلك حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن، إلا أنه أولاً، تتحمل واشنطن تكلفة سياسية باهظة نظراً لاستخدامها لحق النقض “الفيتو” المتكرر ضد القرارات التي تحظى بتأييد قوي من أعضاء الأمم المتحدة وثانياً، إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية في “لاهاي” وإصدار حكم ضدّ نقل السفارة، وبذلك سيتم إدانة العمل غير القانوني لأمريكا رسمياً، وهذا الأمر سيقللّ من مستوى امتثال الحكومات الصغيرة للإجراءات الأمريكية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذا لم تتخذ الحكومات الإسلامية الآن أي إجراءات حاسمة مع تلك البلدان الأصغر من أمريكا التي قررت دعم عدوان الكيان الصهيوني، مثل باراجواي وغواتيمالا، فإنها ستكرر بالتأكيد مثل هذا التحرك في المستقبل القريب وسوف تقدّم الكثير من الدعم للحكومتين الأمريكية و”الإسرائيلية”.