وفد صنعاء على طقوم الحديدة.. المفاوضات برؤوس البنادق
موقع أنصار الله || مقالات || بقلم: فؤاد الجنيد
بعد فشل مشاورات جنيف التي عملت قوى العدوان في اليمن على عرقلتها وتأجيلها إلى أجل غير مسمى بمنعها وفد صنعاء من المغادرة بطائرة عمانية، أرادت الرياض وأبو ظبي أن تعودا مجدداً إلى معركة الحديدة لتثبت أن تأجيل حسم تلك المعركة كان بسبب إتاحة الفرصة للحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، فهي تحمّل حكومة صنعاء فشل المشاورات، وفي الوقت نفسه تحمّلها أيضاً تبعات التعثر في إشارة للعودة للخيار العسكري الذي لم يتوقف أصلاً بفعل المشاورات أو التحضير لها طوال الفترة السابقة.
وبالرغم من تأكيد المبعوث الأممي إلى اليمن “مارتن غريفيث” بجديّة وفد صنعاء في الحضور لولا الإعاقات التي فرضت عليه؛ إلا أن سعي دول العدوان إلى إفشال مساعي هذه المفاوضات كان واضحاً، فخروج الوفد مع الجرحى واحد من مؤشرات بناء الثقة التي تسعى لها المشاورات كون الموضوع إنسانياً، أضف إلى ذلك أن أول محور ارتكزت عليه المشاورات هو الوضع الإنساني وموضوع الأسرى والمعتقلين، وهو ما يطرح تساؤلات عدة كيف تمانع قوى العدوان خروج جرحى يمنيين في الوقت الذي تسعى فيه من خلال المفاوضات إلى إنقاذ آلاف الجرحى والأسرى اليمنيين ومعالجة الوضع الإنساني جراء الحصار؛ أو بمعنى آخر كيف جعلت من شماعة الجرحى فشلاً يقع على عاتقه مصير آلاف آخرين ينتظرون نتائج هذه المشاورات، والأهم من هذا وذاك أن الأمور المتعلقة بطبيعة هذا الخروج وكيفيته ونوع الطائرة وماذا ستقلّ، قد تمت مناقشتها مع المبعوث الأممي سابقاً وليست وليدة اللحظة، وقد التزمت الأمم المتحدة بتنفيذها كشرط أساسي لانطلاق المشاورات، لكن قوى العدوان تعمّدت إظهار الأمم المتحدة بالكيان الضعيف، وإظهار نفسها بالقوة التي تمسك بملف الصراع وتديره كيف تشاء.
يعلم الجميع أن القيادة اليمنية بجيشها ولجانها تمتلك العديد من الأوراق الرابحة والمهمة، وأن بحوزتها العديد من الأسرى من مختلف الجنسيات وبينهم غربيون، وقد اضطرت القيادة في مفاوضات سابقة إلى إطلاق سراح أمريكيين مقابل السماح للوفد المفاوض من العودة إلى اليمن، وتسعى دول العدوان إلى تكرار مثل هذه الصفقات بالإصرار على إبعاد سلطنة عمان من نقل الوفد المفاوض وضمان عودته، وهو الأمر الذي أدركته القيادة اليمنية ووفدها المفاوض وحسمت أمرها في قرار المغادرة من عدمها للمشاركة في هذه المشاورات، ففي خطاب متلفز لقائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي أعتبر فيه إفشال مفاوضات جنيف بـ “المتعمد” وبنية مسبقة من قبل تحالف العدوان الذي لا يريد الوصول لحل سلمي منصف وعادل، مؤكداً أن إخفاق أهداف دول العدوان عبر الطريقة الدبلوماسية يدعوها للمخادعة وذرّ الرماد في العيون، لافتاً بأنه لا يوجد مبرر لعرقلة سفر الوفد الوطني المفاوض الذي أراد فقط الوصول إلى جنيف بأمان والعودة إلى صنعاء بأمان بعد انتهاء المفاوضات، معتبراً أن ما طلبه الوفد الوطني المفاوض ليس شرطاً، بل حق طبيعي ومشروع، وكشف الحوثي عن أن دول تحالف العدوان كانت قد عرقلت الوفد المفاوض سابقاً في جيبوتي، ومُنع الوفد من المرور في دول معينة، وكان يعيش حالة من الخطر وانعدام الأمان، وتعرض لمخاطر متعددة وطُلب منه أن يتنازل عن أي تعويضات في حال تم استهدافه مقابل أن تؤمن له الأمم المتحدة طائرة للعودة إلى اليمن، وأردف بالقول: “لم نتمكن من إعادة الوفد الوطني المفاوض آنذاك إلا من خلال عملية تبادل بعد أن ألقى الأمن القومي القبض على جواسيس أمريكيين في اليمن وتمت مبادلتهم بالوفد المفاوض”.
عسكرياً، حاولت قوى العدوان الزحف براً بإسناد جوي كثيف من طائرات الأباتشي على طريق كيلو16 في الحديدة في محاولة منها لعزل المدينة عن صنعاء وباقي المحافظات، لكنها فشلت في ذلك وتكبّدت خسائر فادحة في الأرواح والآليات العسكرية، وكلّفتها هذه الخطوة سقوط وتحرير منطقة “الجاح” وأجزاء من “التحيتا” في عمليات خاطفة ومنظمة للجيش اليمني واللجان الشعبية، الأمر الذي أصاب العدوان بالصدمة وجعله يمتص صدمته تلك بالقصف الهيستيري على مدينة الحديدة جواً وبحراً، واستهداف مخازن صوامع الغلال في نية مبيّتة لتعميق الجراح الاقتصادية على اليمنيين في القوت الضروري بالتزامن مع انهيار مخيف للريال اليمني أمام العملات الأخرى، وارتفاع جنوني لأسعار المواد الغذائية والأدوية وسائر المنتجات والتي يقف العدوان وراءها لثني صمود اليمنيين والنيل من ثباتهم وعزيمتهم التي تتنامى وتتزايد يوماً بعد آخر.