أنصار الله وحل النزاعات في ذمار: غيض من فيض المسيرة القرآنية.
موقع أنصار الله || مقالات || بقلم / فؤاد الجنيد
كثيرة هي الخلافات والنزاعات المتراكمة التي مرت عليها السنون ولم تلق حلا إلا بتدخل جهود الصادقين من “أنصار الله”، ولأني هنا لست بصدد سردها وتعدادها، إلا إني سأعرج على احدثها تاريخا، وكان آخرها خلال اليومين الماضيين في إنهاء قضية قتل شائكة بين أسرتين من آل عياش بعتمة ذمار و آل الحجري بمحافظة إب، حيث تكللت جهود الصلح بنجاح وساطة من قيادات ووجهاء “أنصار الله” في محافظة ذمار بإعلان أسرة المجني عليه العفو لوجه الله عن أسرة الجاني.
وتسعى قيادة أنصار الله في المحافظة ممثلة بالأستاذ فاضل الشرقي إلی إنهاء الخلافات العالقة، وإغلاق ملفات قضايا الثأر، وتعزيز التلاحم والتماسك المجتمعي للتفرغ لمواجهة العدوان والدفاع عن الوطن وأمنه واستقراره.
تراكمات الفساد القضائي
لم يقدم “أنصار الله” يوما أنفسهم للمجتمع على أنهم جهازا قضائيا بديلا للفصل في النزاعات والثارات والقضايا عن طريق الصلح أو التحكيم، ولم يستخدموا القوة في فرض ذلك، ولم يعطلوا أو يتدخلوا في صلاحيات ومهام أي من المؤسسات القضائية أوالمحاكم، وكذا أقسام الشرطة والأمن العام. بل على العكس، فتلك المؤسسات هي من لجأت لـ “أنصار الله” بعد عجزها عن حل مثل تلك المعضلات، ولعل الوضع المزري والفساد المستشري في الجهازين الأمني والقضائي، واستغلال قضايا الناس لتحقيق مصالح ورغبات شخصية، وفشل المحاكم والقضاة في حل النزاعات وتجذير الخلافات العالقة في المجتمعات، جميعها هي من أوصلت الناس إلى القنوط واليأس، وجعلتهم ينفرون من المحاكم والقضاء الرسمي الذي انهكهم بالمزيد من الغرامات والتكاليف التي وصلت بالكثير منهم إلى بيع مجوهراته وممتلكاته دون نتيجة.
بديل قرآني
وتأتي تبعات وإفرازات تنصل المؤسسات القضائية عن واجباتها في طليعة الأسباب التي أجبرت المواطن المظلوم للبحث عن وجهة جديدة ترفع عنه الظلم دون عناء، وتفصل بين الحقوق بالعدل، وتصلح بين الناس وتحقن دماءهم، وقد وجد في “أنصار الله” ضآلته التي يبحث عنها، ورأى في مشروع مسيرتهم من الصدق والإخلاص والحرص على الإصلاح بين الناس ما يكفي لأن يعتمد عليها ويقصدها، ففي منهجها خطوط عريضة وواضحة تصف النزاعات والخلافات بأنها توغر القلوب وتوقع العداوات وتشغل الناس عن الإهتمام بالقضايا الكبرى والمصيرية، وأن هناك من يحاول الإطالة في عمرها ليشغل الشعب بنفسه، ويلتهي بقضاياه الخاصة فلا يعد له أي هم أكبر من حقوقه وممتلكاته.
طوعية ذات قيم
يعد مثل هذا العمل عادة قبلية معروفة تعود عليها اليمنيون منذ القدم، وليس جديدا أن يحتكم الناس إلى من يرونه صادقا ومصلحا، سواء كان شيخا أو رجل دين أو ذو وجاهة، فالمهم هو التراضي والتعهد بقبول الحكم، وجرت العادة أن يشترط الكثير من المصلحين أجورا باهضة مقابل الحكم، أما “أنصار الله” فيسعون بجهد صادق، ويخسرون الكثير من المال، ويبذلون كل ما بوسعهم ويدفنون تعبهم ومعاناتهم مقابل رضا الناس وحل نزاعاتهم وحقن دمائهم واستعادة حقوقهم، وكلما توسعت المسيرة القرآنية كلما زاد اقبال الناس عليها ليسردوا مظالمهم، وينشدون تدخلهم وتوسطهم في حل نزاعاتهم، ولكثرتها اطلق أنصار الله على تلك الجهود والقائمين عليها إسم “لجان التصالح القبلي”، إذ أنها ليست لجان قضائية كما يدعي البعض، بل هي جهود طوعية فرضها عليهم المجتمع بما يعانيه من تراكم للقضايا وتكدس للنزاعات.
مسك الختام
وأنا أتحدث عن هذا الموضوع تذكرت حديثا مستفيضا للشهيد حسين العزي رحمه الله، وهو يتحدث عما قدمه أنصار الله في هذا الجانب، حيث يقول:
“إلى أولئك الذين استكثروا على “أنصار الله” هذه المهمة المضنية التي يؤدونها كرهاً من أجل الله وحده ومن أجل شعبهم ووطنهم، وخلصوا بها الكثير من المآسي والصراعات: إن كنتم فعلا صادقين مع ربكم ووطنكم ومجتمعاتكم؛ فلا تدعوا “أنصار الله” يستحوذون على هذا الشرف العظيم، وتحركوا لتقوموا أنتم بتلك المهمة إن شئتم، ولن تضيع جهودكم سدى، بل ستخدمون شعبكم الذي تدعون خدمته والسهر على سلامته، وأثناء تحملكم لتلك المسؤولية قدموا كل ما تستطيعون من قوة وجهد في الميدان ﻹصلاح المؤسسات القضائية الرسمية ومتابعتها و معالجة الفساد الذي ينخر فيها لكي تقوم بمهمتها على أكمل وجه، حينها أعاهدكم وأثق فيما أقول بأنكم لن تروا بعد ذلك أي جهد خاص ﻷنصار الله في هذا المجال بل سنكون وإياكم وسائل لتفعيل العمل في تلك المؤسسات على أكمل وجه وفي توجيه الناس ودعوتهم للعودة واللجوء إليها”.