السعودية.. سقوط رواية “أرامكو”
موقع أنصار الله || مقالات ||شارل ابي نادر
لم يقدم المتحدث العسكري باسم تحالف العدوان على اليمن تركي المالكي جديدًا، في المؤتمر الصحافي الذي عقده، وكان قد خصصه لتقديم أدلة واثباتات عن كيفية حصول عملية استهداف مصافي نفط “أرامكو” في بقيق وخريص شرق السعودية. وكالعادة، في أغلب المؤتمرات الصحافية لتحالف العدوان على اليمن، حضر تركيب الأدلة وتجميعها وفبركتها، من حطام صواريخ كروز وطائرات مسيرة، لتكون مطابقة للاتهام الأساس، والذي يتعلق باتهام إيران بالوقوف وراء العملية.
بالمقابل، عقد لاحقًا المتحدث العسكري اليمني العميد يحيى سريع مؤتمرًا صحافيًا، خصصه للإضاءة على كيفية تنفيذ وحدات القوة الجوية اليمينة للعملية، شارحًا طريقة واتجاهات التنفيذ وماهية الطائرات المسيرة المستعملة، ومُقدِمًا تقريرًا استعلاميًا مُحترِفًا، تضمن صورًا للمواقع السعودية المستهدفة في بقيق وخريص، ما قبل العملية وما بعدها.
في دراسة مقارنة بين المؤتمر الصحافي للناطق باسم العدوان أمس، وبين المؤتمر الصحافي الذي عقده المتحدث العسكري اليمني، يمكن استنتاج وتقديم المقاربة التالية:
لم تقتنع السعودية حتى الآن بالقدرات اليمينة التي تطورت بشكل لافت، في التصنيع وتطوير الوسائل والأسلحة، وفي ادارة المعركة التكتيكية، وفي ادارة المواجهة الاستراتيجية، وهي (السعودية) تحاول دائمًا، وتقريبًا منذ بداية عدوانها على اليمن منذ حوالي الخمس سنوات، انكار القدرات اليمنية التي أثبتت نفسها في كافة مراحل المواجهة: في الميدان داخل اليمن بداية، ولاحقًا في معارك الحدود المشتركة، ومؤخرًا في المعركة الاستراتيجية التي يقودها الجيش واللجان الشعبية اليمنية، والقائمة على استهدافات نوعية ممنهجة لمواقع حيوية سعودية، عسكرية كالمطارات والقواعد والثكنات، ومدنية كمصافي وخطوط نقل النفط ومرافىء التصدير، وفي جميع هذه المراحل، يقوم هذا الانكار السعودي للقدرات اليمنية على اعتبار أن ايران هي من يقود وينفذ ويُدير ويُسَلَّح هذه المواجهة.
كيف لا تصدق السعودية أن عملية بقيق والخريص هي من انتاج وتخطيط وتنفيذ وحدات الطيران المسير اليمني، ونحن نتكلم اليوم عن مسلسل ثابت ومتواصل من عشرات لا بل من مئات العمليات المماثلة، والتي تم تنفيذها بواسطة الطائرات المسيرة اليمنية، عبر مناورة متكاملة، تضمنت مروحة واسعة من الأهداف الحساسة، داخل اليمن جنوبًا وشرقًا، وخارجه شمالًا وشرقًا؟
لماذا اعتبرت السعودية وواشنطن أيضًا، أن عملية (بقيق – خريص) تتجاوز قدرة الجيش واللجان الشعبية ووحدات أنصار الله، في الوقت الذي اثبتت فيه تلك الوحدات تقدمًا تقنيًا واستعلاميًا وتكتيكيًا مهمًا، فرض نفسه في عمليات استهداف مطارات جنوب غرب المملكة بالكامل، ومن خلال الاصابة الدقيقة لأبراج المراقبة ولحظائر الطائرات المسيرة والقاذفة، ولمخازن الصواريخ الموجهة والقنابل الذكية؟ ولماذا اعتبرت أنه يصعب على هذه الطائرات المسيرة اصابة مصافي “أرامكو” المتعددة، والمنتشرة في أراض مكشوفة وعلى مساحات واسعة وبأبعاد غير بسيطة (طولا وعرضًا)، في الوقت الذي تُعتبر نقاط النفط والغاز أهدافًا هشة، سهلة الاصابة وسريعة الاشتعال، وهي تُعتبر ساقطة ومُدَمَّرة بالكامل بمجرد وصول الطائرات المسيرة الى أجوائها وانفجارها، وملامسة شظاياها الحارقة المتعددة لهياكل المصافي والمخازن المكشوفة بالكامل؟
لماذا تعجز وحدات الدفاع الجوي السعودية والأمريكية في شمال وشرق السعودية، والتي من المفترض أنها منتشرة بقوة ومستنفرة على مدار الساعة، عن حماية مواقع النفط الاستراتيجية في بقيق وخريص، فتنجح الصواريخ والطائرات المسيرة، والتي ادَّعوا أن مصدرها ايراني ومن قواعد شمال الخليج وعلى الحدود مع العراق في استهداف مصافي “أرامكو” في المناطق المذكورة، وبالمقابل تفشل الطائرات المسيرة اليمينة المنطلقة من جنوب المملكة مستهدفة شرقها، حيث المناطق الصحراوية المفتوحة والخالية بشكل شبه كامل من الدفاع الجوي الفعال مقارنة مع الشرق والشمال والمناطق الحساسة على الخليج بمواجهة ايران ومضيق هرمز؟
أليست هي نفسها هذه الطائرات المسيرة (صماد 3 وقاصف 3) التي استهدفت سابقًا وبنجاح وفعالية، حقل الشيبة شرق المملكة وخطوط نقل النفط (شرق غرب) شرق الرياض، ومطار ابو ظبي والمفاعل النووي الاماراتي؟ أليست هذه المناطق هي نفسها قريبة وملاصقة للمنطقة الشرقية من السعودية على الخليج، والتي تحوي بقيق وخريص؟
المشكلة مع السعودية والتي كانت السبب في هزيمتها بمواجهة اليمن، هي ليست مشكلة جديدة أو طارئة وتتعلق، كما تدَّعي، بدخول ايران بأسلحتها وبإمكانياتها الاستراتيجية على الخط العسكري والميداني في الاشتباك والتوتر الحالي، بل المشكلة هي قديمة وعمرها على الأقل خمس سنوات، وتقوم على أن السعودية في بداية عدوانها على اليمن، بنت معركتها على تقديرٍ خاطىء، عن جهل وعن غطرسة وعنجهية، بأن أبناء اليمن محدودو القوة والامكانيات وقصيرو الباع والقدرة، وبأن استسلامهم سيكون سريعًا وفورًا بعد اعلان العدوان، وعلى هذا الاساس استمرت السعودية في انكار قدرات اليمنيين، وهي اليوم تغوص في مستنقع الفشل والهزيمة والانهيار الاقتصادي والمعنوي، وما زالت على هذا الانكار، وربما تبقى عليه حتى الانهيار الذي يبدو أنه غير بعيد.