الخطاب الاستراتيجي للسيد القائد … قراءة سريعة

بقلم / أحمد يحيى الديلمي


لم يكُن خطاب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي الذي القاه بمناسبة الاحتفال الجماهيري بذكرى المولد النبوي الشريف خطاباً عابراً كتلك الخطابات التي يُلقيها بعض الزعماء في عصرنا الحالي والتي تكون متناقضة تارة ، ومُفرغة من مضمونها تارة اخرى ، بل على العكس من ذلك ، فقد كان خطاب السيد عبدالملك الحوثي خطاباً ناجعاً ذو دلالات استراتيجية يتضمن التحليل والتشخيص الدقيق للإشكاليات التي تعاني منها الامة ، والواقع المأساوي للامه ، ومن ثم يُقدم الحلول والمعالجات المناسبة لتلك المشاكل وفق منظومة متكاملة ، وهذا ما تؤكده الادبيات الاستراتيجية التي تُشير الى ضرورة التحليل والتشخيص الدقيق للإشكاليات ووضع الحلول والمعالجات المناسبة لها.

وبعد إن انحرفت الامة عن مشروع الرسالة المُحمدية ، ولم يعُّد من الاسلام إلا اسمه واصبح واقعَ الأُمَّــة مأساوي ، قّدم السيد عبدالملك في خطابة تشخيص دقيق لأبرز الإشكاليات التي تعاني منها الأُمَّــة في عصرنا الحاضر والتي تتخلص في ثلاث إشكالات كانت نتيجة انحراف عن أَسَــاسيات هذا الدين ، وغياب المشروع الحقيقي للأمة الذي يعٌد منشأ كلّ مشاكل هذه الأُمَّــة ، تلك الإشكالات تمثلت في الاتي:

الإشكاليةُ الاولى : الاختلال الرهيب في الوعي في وَاقع الأُمَّــة.
بعد أن قدّم الإسْــلام بقرآنه وتعاليم رسوله ما يكفل للإنْـسَـان أن يكون على أرقى مستوى من الوعي والبصيرة ومحصناً لا يتأثر بخداع وتضليل الآخرين ، ولا يحمل في فكره مفاهيم مغلوطة ، أصبح المسلم اليوم في كثير من البلدان مجرَّداً من الوعي قابلاً للتأثير، حيث تجلت مظاهرَ الاختلال الرهيب في الوعى بأشياء كثيرة منها:

– أن الكثير من الناس من أوساط الأُمَّــة ينخدعون للتيار التكفيري ويتأثرون به ، لدرجة أنه يستغلهم ويدفع بالكثير منهم ليفجّروا أنفسهم ويقتلوا أنفسَهم! ، وهذه القابلية للتكفيريين التي جرّت معهم وتجر يومياً العدد الكبير من الناس في مجتمعنا الإسْــلامي هي دليل واضح على اختلال رهيب في الوعي ، واعتبر السيد أن هذا الفراغ التام من الوعي والتحصن الفكري والثقافي هو بمثابة سذاجة وغباء يجعل البعضَ ضحيةً إلَى أن ينجر ليكون أداةً بيد التكفيرين ، فيذهب ليفجّر نفسه ويقتل الكثير من الأطفال وَالنساء.
– أن هناك جماهيرَ واسعة وأعداد كبيرة في واقع الأُمَّــة في حالة من الجمود أمام كُلّ هذا الواقع المأساوي ، فهم يشهدون بأن هذا واقع مأساوي وكارثي وضار بالأُمَّــة وأنه يُفترض أن تسعى الأُمَّــة للتغيير وللخروج منه ، الا أن الكثير منهم في حالة من الجمود ينتظرون المجهول وينتَظرون الواقعَ ليتغير من تلقاء نفسه.
– الانسياق وراء أَعْـدَاء الأُمَّــة “أَمريكا وإسرائيل” ، والميل نحوهم والانخداع بشعاراتهم وعناوينهم التي يرفعونها ، حيث يأتي الأَمريكي بكل ضغائنه الواضحة وكل شره الذي ملأ الدنيا ليتحدّثَ عن حقوق إنْـسَـان أَوْ يتحدث عن ديمقراطية وحرية ثم ينخدع البعضُ به ويتأثر بكلامه ويصدِّقه ، أَوْ يصدق إسرائيل أنها تريد السلام وتنشد السلام.

الإشكاليةُ الثانية : اختلالٌ كبير في القيم وَالأَخْلاق.
إن الاختلال الرهيب في القيم والأَخْلاق هو نتيجة انحراف عن رسالة الإسْــلام وقيمه وهذا ملحوظ بشكل كبير في وَاقع الأُمَّــة ، انعدام لكل القيم والأَخلاق ، توحش ، إجْــرَام بشكل بشع جداً جداً، وهذا يتجلى بوضوح في الحالة التي نشاهدها اليوم لدى التكفيرين ولدى آخرين ممن يفتكون بالأُمَّــة ويظلمون الأُمَّــة ويقهرون الأُمَّــة مع أن هؤلاء يدعون انتمائهم للإسْــلام! ، فأين هي قيم الإسْــلام؟.

ووضح السيد عبدالملك أن من مظاهر الاختلال الرهيب في القيم والأَخْلاق عندما تجد الكثير من الناس يبيع نفسَه بمال، يفعل أي شيء مهما كان إجْــرَامياً أَو وحشياً مقابل أن يحصل على المال ، يبيع نفسه ، ووطنه ، وشعبه ، أمته، قيمه، إنْـسَـانيته، ويبيع أَخلاقه ، ولنا أن نتصور كم ينشأ من خلال ذلك من مشاكلَ ومآسيَ في واقع الأُمَّــة.
الإشكالية الثالثة: غيابُ المشروع الحقيقي للأمة:
وضع السيد عبدالملك يده على الداء قبل ان يعطي الدواء ، حيث اعتبر أن غياب المشروع الحقيقي للأمة هو منشأ كُلّ مشاكل الأُمَّــة ، وقال أن هذه الأُمَّــة يُفترض أن لها رسالةً وَمشروعاً وَهدفاً تبني واقعها؛ لتكون أمة عظيمة قوية تقدم النموذج العالمي كأمة حضارية راقية واقعها قائم على الأَخْلاق وعلى القيم وَعلى العدل وتنشر الحق والخير إلَى أرجاء العالم.

وقدم تشخيصاً لحالة الأمة عند غياب المشروع الحقيقي ونتائج ذلك بالقول انه حينما غاب المشروع الحقيقي للأمة حلّت بدائل عنه هي مشاريع الأَعْـدَاء ومؤامراتهم التي تستهدفها بالدرجة الأولى ، فكان البعثرة والتفكيك اليوم مشروع رئيس للأَعْـدَاء ينفذ على أيدي محسوبين على هذه الأُمَّــة كالنظام السعودي الجائر المستكبر الغبي الجاهل المسيء إلَى السلام ، وَالجماعات التي انتجها وفرّخها وصنعها مع أَمريكا وإسرائيل ، وأن السعي كُلّ السعي من كُلّ هؤلاء الذين هم يد للعدو في داخل الأُمَّــة وكل جُهدهم ينصبُ في فرض تبعية عمياء وغبية لتطويع الأُمَّــة وتسخيرها لأعدائها.
اليوم يراد للأمة أن تتفكك حتى لا يبقى لها أي كيان ، وبعد عملية التفتيت عندما لا يبقى أي كيان للأمة تكون الأَرْضُ للأعداء ، تكون الأَرْض للأَمريكي وللإسرائيلي ومَن معهم ، ويكون الإنْـسَـان العربي ما بقي منه مطوعاً لصالح الأَعْـدَاء لتُقاتِلَ به أَمريكا أيَّ عدو لها في أي قطر من أقطار العالم ، ويراد للثروة العربية أن تكون حكراً للأعداء.

ثم اتجه السيد عبدالملك الى تشخيص الواقع المأساوي للامة واليمن على وجه الخصوص وذلك من عدة جوانب ، فشخص الطريقة المٌربحة التي تتبعها أَمريكا وَإسرائيل في محاربة الشرفاء والاحرار عبر مرتزقتهم الذي وصفهم بالأغبياء ، وبيّن ماهية الشرعية التي يأتي بها الأَمريكي والإسرائيلي والسعودي وحقيقة الدورَ المنوط بها ، كما قدم تعريفاً دقيقاً لحقوق الإنْـسَـان على الطريقة الأَمريكية ، وإسْــلامُ السعودية وديمقراطية أَمريكا.
فأشار السيد عبدالملك الى الواقع المأساوي للامة الذي وصل الى درجة أن عدو الأُمَّــة أَمريكا وَإسرائيل تحارب الشرفاء والأحرار وتسحق الأُمَّــة بدون أية تكلفة ، بل بربح عن طريق “أولئك الأغبياء” الذين انقلبوا على أمتهم وعلى مبادئ دينهم وأَخْلاقهم وقيم رسالة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى ، تشغلهم هم لضرب الأُمَّــة وتتَحَـرّك معهم بمقابل.
وقال إن أَمريكا اليوم تحارب في اليمن دون أن تقدم أَوْ تخسر دولاراً واحداً بل تكسب المال من خلال قيمة سلاحها الذي يُقتَلُ به اليمنيين ، واصفاً السعودي والإمَارَاتي وغيرهم من داخل الأُمَّــة انهم يتَحَـرّكون جنوداً مجندةً لأَمريكا وَلإسرائيل وخداماً مطيعين مذعنين ، يبذلون كُلّ الجهود ويحشدون كُلّ الإمْكَانات ويسخرون كُلّ الطاقات لتنفيذ مؤامرات أَمريكا وإسرائيل في المنطقة.

كما قدم السيد تشخيصاً واقعياً للشرعية التي يأتي بها الأَمريكي والإسرائيلي والسعودي والمتمثلة بداعش والقاعدة عبدهم الطائع والخانع ، مؤكداً أن النموذج الذي يريدونه في بلادنا هي الفوضى العارمة التي نشاهدها اليوم في الجنوب ، وانعدَام الأمن والاستقرار والفوضى السائدة والغالبة على كُلّ شيء.
كما شّخص الدور الحقيقي لداعش والقاعدة المناط بها في منطقتنا العربية باعتباره دورٌ مرحلي يشوّه الإسْــلام ويسيء إلَيه ، بحيث تضربَ الأُمَّــة وتستنزف وتضعف ؛ لتكون النتيجة النهاية تهيئَة أرضية قابلة لأَمريكا وإسرائيل لاحتلالهم المباشر وسيطرتهم التامة كمنقذين مقبولين بما يمُكن من السيطرة الفعلية المباشرة والمقبولة للأَمريكيين والإسرائيليين.

وقدم ايضاً تعريفاً دقيقاً للديمقراطية وحقوق الإنْـسَـان على الطريقة الأَمريكية قائلاً أن ديمقراطية أَمريكا وحقوق الإنْـسَـان في قاموسها هي بلاك ووتر وجه أَمريكا ومشروعها ، والجانجويد ومرتزقة المخدرات الذين يُطلقونهم من السجون ويأتون بهم من أقطار العالم ليحتلوا الأَرْض ويقتلوا الناس ويرتكبون أبشع الجرائم بحق الناس ويفقدونهم الأمن والاستقرار ، واعتبرهم جماعة أَمريكا وأَوْلادها غير الشرعيين ، وتلامذتها وأتباع نهجها ، الذين يتَحَـرّكون لمصلحتها في الميدان.

وكشف السيد عبدالملك هن حقيقة إسْــلامُ السعودية وديمقراطية أَمريكا من خلال الصورة المشوَّهة للدين التي قدمها التكفيريين “الصناعة الأمريكية” ودلل على ذلك بالقول أن القوى التي تحسب نفسَها على الإسْـلام كالنظام السعودي والتكفيريين يكفيهم ويكفي الناس أنهم في جبهة أَعْـدَاء الأُمَّــة ، في جبهة أَمريكا وظهروا علناً وبالوضوح حلفاءَ لإسرائيل بشكل واضح لا لبس فيه

ثم بين أن الغباء الفاحش لا يقتصر فقط على قوى الغزو السعودي والإماراتي بل يمتد أيضاً الى الخونة في الداخل ، فهم أغبياء بكل ما تعنيه الكلمة ؛ لأَنهم باعوا أنفسهم وأوطانهم وإنْـسَـانيتهم وكرامتهم وباعُوا شعبهم مقابل قليل من المال السعودي بصفقة خاسرة لأن ما قدموه عظيمٌ وما حصلوا عليه قليل ويسير.

وأمام كُلّ هذا الواقع السيء تعاني منه الامة بكل إشكالياته التي تعود إلَى الاختلال الرهيب في الوعي ، والاختلال الرهيب في القيم والأَخْلاق ، وغياب المشروع الحقيقي للأمة ؛ قدم السيد عبدالملك الحلول والمعالجات الناجعة لتلك المشاكل التي تتمثل في الاتي:
– أن الحلُّ والخيار للأمة أن تعود إلَى الإسْــلام كمنظومة متكاملة ، وأن تعود إلَى القُــرْآن وثقافته التي تقدِّمُ للأمة البصيرة والوعي، وإلَى هديه العظيم ، وليس الإسْــلام على النموذج السعودي الأَمريكي الإسرائيلي أبداً، وانما الإسْــلام بمنظومته المتكامِلة ، بقيمه ومبادئه، الإسْــلام بوعيه بنوره بهديه وبصيرته وبأَخْلاقه وإنْـسَـانيته.
– العودة إلَى المبادئ والقيم الإسْــلامية الاصلية ، وتغيير كُلّ المفاهيم المغلوطة التي عمّمتها تلك الجهات الظالمة والطاغية ، وضرورة أن يتجهَ كُلّ الأحرار وَالشرفاء في الأُمَّــة الى صُنع الوعي ، وتعزيز القيم والأَخْلاق في النفوس ، والعمل على الدفع بالأُمَّــة نحو مشروعها الحقيقي ؛ لتكون أمة لها مشروع وهدف ورسالة ولها دور في الحياة تسعى لتحقيقه ، مؤكداً أن نتيجة ذلك هي أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى سيكون إلَى جانب الأُمَّــة.

قد يعجبك ايضا