مبادرةُ اليمن.. مكاسبُ سياسية ومراوغةٌ سعودية
موقع أنصار الله || مقالات ||إبراهيم السراجي
ما يزالُ الموقفُ السعودي تجاه مبادرة الرئيس المشّاط غيرَ واضحٍ، على الرغم من اعترافِ النظام السعودي بالمبادرة، لكنه تجاهل التزاماتِه تجاهها، وبالتالي فإن التعاطيَ السعودي مع المبادرة لا يمكن أن يُفهمَ منه إلا أنه يتضمّنُ اعترافاً صريحاً بالهزيمة في اليمن ميدانياً وتأثير عملية استهداف أرامكو، بالإضافة إلى تخلّي الجانب السعودي عن أُسطوانة ما يسمى “الدفاع عن الشرعية” وإقرارِه بأن ثمةَ حرباً سعوديةً يمنيةً بدأها النظامُ السعودي بالاعتداء على اليمن، لكنه لا يعطي أيَّ مؤشر على نيته تنفيذَ التزاماته بموجب المبادرة.
بالأمس طالعنا نائبُ وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان -الذي تقولُ أوساطٌ دبلوماسية إنه أُوكل إليه جزءٌ من مِـلَـفِّ اليمن في بلاده- بتصريحات كرّر فيها ما ورد على لسان شقيقِه ولي العهد، بأن الجانبَ السعوديَّ ينظُرُ بإيجابية تجاه ما وصفها بـ”التهدئة التي أُعلنت من اليمن”. كان يمكنُ أن ينظُرَ اليمنُ إلى هذه التصريحات على أنها مؤشرٌ إيجابي من الجانب السعودي لو أننا ما نزالُ أمام الساعات الأولى من إعلان الرئيس المشّاط لمبادرته؛ باعتبَارِ أن النظامَ السعودي يحتاجُ لخطوات متدرجةٍ من أجل “النزول من الشجرة”.
لكن وبعد مرور قرابة 15 يوماً على المبادرة فإن هذه التصريحاتِ لا يمكنُ أن تُقرَأَ إلا في إطار المراوغة السعودية؛ ربما لكسب الوقت، وكذلك في إطار المغالطة، إذ أن النظامَ السعودي يصفُ المبادرةَ بالتهدئة ويتجاهلُ تماماً التزاماتِه بموجبها، فالمبادرةُ أعلنت من طرف الرئيس المشّاط وبدأ تطبيقُها من جانب اليمن، لكنها لا تكتمل إلا بتنفيذ كُـلِّ أركانها، أي ضرورة التزام الجانب السعودي بالتنفيذ ووقف كافة أشكال استهداف اليمن بالغارات وغيرها ورفع الحصار.
إذن وفيما يتعلقُ بالجوانب المباشِرة للمبادرة فإنَّ التعاطيَ السعودي معها بعد مرور كُـلّ هذا الوقت يؤكّـدُ أن النظامَ السعودي لا يريدُ وقفَ العدوان أَو على الأقل عاجزٌ عن اتخاذ قرار مثل هذا؛ باعتبَارِ أن المحركَ الرئيسَ للعدوان وصاحبَ القرار في بدئه وإنهائه هو الجانبُ الأمريكي الذي يرى في استمرار العدوان عدةَ مصالحَ سياسيةٍ واقتصادية وأسباباً أُخرى تتعلق بمشروع الهيمنة.
أما فيما يتعلق بالجوانب غير المباشرة، التي يمكن وصفُها بأنها نقاطٌ مكتسبةٌ لصالح اليمن في التعاطي السعودي مع مبادرة الرئيس المشّاط التي اكتسبت قوتَها وفاعليتها من الانتصارات الميدانية “عملية نصر من الله” وتراكم الانتصارات في مختلف الجبهات وعملية استهداف أرامكو والعمليات المشابهة لها، هذه المكتسباتُ يمكن تلخيصُها في عدة نقاط:
أولاً: اعتراف الجانب السعودي بالندية مع اليمن وإن كان هو المعتدي، فتصريحاتُ بن سلمان وشقيقِه بالنظرة الإيجابية للمبادرة تعني اعترافاً بوجود مشكلة بين اليمن والسعودية، فالمبادرة لم تشمل ما يسميها النظامُ السعودي بـ”الشرعية”، وهو الذي كان يرُدُّ على المبادرات السابقة إما بالتجاهل أَو بالقول إن السعوديةَ ليست طرفاً في الحرب وإنما تقودُ تحالفاً بطلب مما تسمى “الشرعية”.
ثانياً: أن قولَ خالد بن سلمان إن ما وصفها بالتهدئة “أعلنت من اليمن” وهو ما يمكن وصفُه بأنه اعترافٌ سعودي ضمنيٌّ بسلطة المجلس السياسي الأعلى كممثل لقرار اليمن، وهو اعترافٌ أُجبر عليه النظامُ السعودي؛ بفعل الواقع وليس مكافأةً من قبله.
ثالثاً: أن التعاطيَ السعوديَّ مع المبادرة أسقَطَ كُـلَّ الروايات السعودية المزيَّفة حول من يمسك بالقرار في اليمن، وبالتالي أثبتت المبادَرَةُ أمام العالم كله استقلاليةَ القرار اليمني عن أيةِ تأثيرات خارجية، وفي الوقت نفسه أثبتت جدية اليمن ورغبته في السلام، وأن كُـلّ العمليات التي نفّذها ضد دول العدوان نابعةٌ من سعيه لإجبار المعتدين على وقف عدوانهم والاستجابة لدعوات السلام.
أخيراً: على النظام السعودي أن يعرفَ أن المبادرةَ ليست شيكاً على بياض وليست مفتوحةً زمنياً، فالرئيس المشّاط وبعد أسبوع من إعلانه عن المبادَرَةِ أكّـد أن النظامَ السعوديَّ أمامَه أيامٌ محدودةٌ للاستجابة، وإلا فإنَّ عليه انتظارَ ضرباتٍ أَشَدَّ إيلاماً، وكان هذا أَيْـضاً ما شدّد عليه قائدُ الثورة السيدُ عبدُالملك الحوثي.