إعادة النظر في المساعدات الإنسانية وتزمينها وتحويل مجالاتها نحو التنمية
موقع أنصار الله || مقالات || عبدالرحمن علي الزبيب
المساعدات الإنسانية تقتل قدرات وإمكانيات الشعوب وتحولها إلى شعوب متسولة تنتظر في طابور طويل للحصول على حفنة قمح أو قطرات زيت مغموسة بإهانة الكرامة الإنسانية وتدمير عنفوان الإنسان ويتحول الشعب الحر الأبي إلى قط أليف كسوول ينتظر حصة المساعدات ليغطي احتياجاته وينتظر بخوف تلك المساعدات وهي تستهلك حتى تنتهي ويخشى أن تتوقف تلك المنظمات عن توفير حصة الشهر القادم لينضم في طابور طويل ليحصل على الحصة التالية وهكذا تستمر الحياة مع المساعدات الإنسانية للشعوب الميتة التي ترفض الحرية والاستقلال والخاضعة للعبودية والإذلال ،وفي الأخير يخضع الجميع لشروط المانحين لأنه لم يعد هناك خيار آخر، إمّا الموت جوعاً ومرضاً أو الخضوع لشروط المانحين التي قد تمزق الحرية والاستقلال.
لذلك نوضح باستمرار أن المساعدات الإنسانية هي سلاح ذو حدين قد تكون ذا فائدة إذا تم استخدامها لفترة زمنية محددة للنهوض وقد تكون كارثة وقاتلة للشعوب إذا تم استخدامها للتواكل والاعتماد عليها باستمرار، وعلينا أن نتذكر أن رئيسة وزارء الهند انديرا غاندي قامت بتوقيف المساعدات والإغاثة الإنسانية في الهند في حينها بعد أن تحول الشعب الهندي إلى عالة وكسوول ينتظر تلك المساعدة لتغطية احتياجاته وحولت غاندي الشعب نحو التنمية والزراعة والصناعة والاستثمار والاستفادة من امكانياتها الوطنية بدلا من التواكل على الآخرين وكان هذا الإجراء بمنع المساعدات الإنسانية فرصة للشعب الهندي لزراعة أراضيه وصيد الأسماك والرعي والبناء والصناعة والتجارة والتعليم حتى أصبح الشعب الهندي من ضمن الشعوب المتقدمة والمصدرة للعالم بعد أن كان خاضعا للمانحين للإغاثة والمساعدات الإنسانية.
معظم دول العالم في شرق آسيا وإفريقيا وأوروبا وامريكا لم تنهض إلا بعد أن تجاوزت عقبة المساعدات والإغاثة الإنسانية بعد الحروب والكوراث.
جميع دول العالم عانت من الحروب والكوارث ولكنها تجاوزتها بقوة شعوبها وتنميتها وتوقيف المساعدات والإغاثة الإنسانية وليس باستمرارها.
ألمانيا بعد الحرب العالمية نهضت بالتنمية وليس بتسولها للمساعدات الإنسانية باستمرار وكذلك اليابان وفرنسا وجميع الدول والحضارات نهضت بنفسها ولم تتوسل نهضتها بمساعدة الآخرين ،ولن ينهض وطني إلاّ بمثل ما نهضت به تلك الدول والحضارات.
وفي وطني أتذكر قبل دخول المساعدات الإنسانية والإغاثة غير المنضبطة معظم سكان المدن خرجوا للريف للزراعة وللبحر للصيد وجاءت المساعدات الإنسانية لإعادتهم للمدن ليدخلوا في طوابير طويلة للحصول على سلال إغاثية بدلا من إنتاجها من أرضهم محافظين على كرامتهم.
البعض قد يتساءل لماذا نرفض المساعدات الإنسانية ووضعنا الإنساني متدهور ؟
للإجابة على ذلك نؤكد أننا بهذا الطرح لا نرفض وصول المساعدات للشعب ولكن وفقا للشروط والمعايير الإنسانية الدولية التي حددت فترة ستة أشهر فقط لتقديم مساعدات إنسانية مباشرة ويجب أن تعقب هذه الفترة الزمنية فترة النهوض بالشعوب وتمكينها من الحصول على احتياجاتها بإمكانياتها الوطنية دون الحاجة الى مد يد العون من الآخرين بحيث تتم دراسة كامل جغرافية الوطن وامكانياته الوطنية لتتم الاستفادة منها بشكل جيد لتغطية الاحتياجات كالتالي :
* المناطق النفطية والغازية، يستوجب أن يتم تصحيح مسار انتاجها ليغطي احتياجات الشعب قبل تصديره للخارج وبعد تغطية الاحتياج الوطني بالإمكان تصدير الفائض فقط وليس تصدير كامل الانتاج الوطني بسعر زهيد ليتم استيراد الاحتياج من السوق العالمية وبأسعار مرتفعة وتكاليف شحن باهظة.
* المناطق الزراعية يجب أن يتم تحديد المنتجات المناسبة لزراعتها حسب الجغرافيا والمناخ والاحتياج الوطني وبكميات تغطي الاحتياج الوطني بجودة عالية والانتقال الى مرحلة التصدير لها للحصول على العملة الصعبة.
* المناطق الساحلية يجب أن يتم تشجيع الصيد البحري بوسائل جيدة لا تؤثر على البيئة البحرية ولا جرفها وبكميات تغطي احتياج السوق بشكل كافٍ كما يجب الاستفادة من الموانئ بشكل جيد.
*التسويق الجيد والمنضبط للمنتجات الوطنية بحيث يتم تحديد أسعار عادلة لتلك المنتجات تغطي تكلفة انتاجها وهامش ربح بسيط لا يزيد عن 10 % من سعر السلعة لتطوير وتحسين وتوسيع الانتاج بحيث لا يثقل كاهل الشعب عند شرائها.
* الموراد البشرية تعتبر من أهم الإمكانيات والقدرات الوطنية التي يتوجب استثمارها بشكل جيد عن طريق التعليم والتدريب والتأهيل الجيد والمحترف بما يغطي احتياج السوق الوطنية للأيدي العاملة الماهرة.
* مكافحة الفساد وتجفيف منابعه وتحطيم مكامنه، فالفساد يبتلع إمكانيات الوطن في ثقوب سوداء ويعبث بها ويحولها لتحقيق مصالح شخصية ضيقة بدلاً من المصلحة الوطنية.
* إعادة النظر في الدراسة الجامعية لتتوافق مع احتياجات ومتطلبات السوق الوطنية بحيث يتم تحديد مقدار الاحتياج الوطني الحقيقي عن طريق دراسات ميدانية احصائية دقيقة تحدد الاحتياج الحقيقي من كل تخصص وتوزيع المقاعد الجامعية بقدر الاحتياج الحقيقي.
* دراسة كافة احتياجات الشعب للسكن والمأوى ودراسة خطط ابداعية لتغطية تلك الاحتياجات الوطنية وبالإمكان اتخاذ اجراءت عاجلة لحجز مساحات مناسبة في محيط المدن وتسويرها وانزال مخططات عمرانية لها وتوزيعها على المواطنين بشكل مجاني لكل شخص مساحة محددة مع توفير المرافق وشق الطرق إليها وإيصال الخدمات.
* توجيه الاستثمار لتغطية الاحتياج الوطني ومنح التحفيزات الجيدة له، فبدلاً من استيراد المنتجات الزراعية من الخارج بالإمكان تشجيع التجار المستوردين على الاستثمار في المزارع الوطنية ومنحهم مناطق زراعية شاسعة بعقود إيجار مزمنة لتغطية الاحتياج الوطني من تلك المنتجات بأسعار مناسبة.
وفي الأخير :
نؤكد على خطورة المساعدات والإغاثة الإنسانية المنفلتة غير المنضبطة وغير المحددة بفترات زمنية وفقا للمعايير الانسانية العالمية والتي يجب جدولتها وتحويل مجالاتها من الإغاثة والمساعدة المباشرة الى التنمية والتطوير للمجتمع للنهوض بالمجتمع لتغطية احتياجاته من موراده وإمكانياته الوطنية.
يجب أن تتوقف سيول المساعدات والإغاثة الإنسانية المنفلتة التي تجرف كرامتنا واستقلالنا الوطني وأن يتم تحويل مسارها نحو التنمية والتطوير والمشاريع الوطنية العملاقة الإبداعية وتزمينها وعدم الاستبشار بارتفاع حجم المساعدات الإنسانية لأنها مؤشر واضح على مدى فشلنا وإخفاقنا في استثمار إمكانياتنا الوطنية واستمرار التواكل على الآخرين لتغطية احتياجاتنا الوطنية، لسنا قصارا ولسنا سفهاء ليستمر استغفالنا ،وبالتالي يجب أن نرفع مستوى وعي شعبنا ليعرف الخطر قبل حلوله وفي مقدمة ذلك وجوبية إعادة النظر في المساعدات الإنسانية وتزمينها وتحويل مجالاتها نحو التنمية.